وتؤكد على استمرارية هذا الفن رغم الصعوبات المالية والادارية، يواصل الهواة نحت ملامح الانسان في كل مناطق الجمهورية التونسية ليدافعوا عن ثقافة الاختلاف الذي ينعكس على المادة المسرحية المنجزة.
فمسرح الهواية وفيّ لفكرة الاختلاف ووفي لمنطق التجديد والدفاع عن خصوصيات كل منطقة جغرافيا وثقافيا واجتماعيا وهو ما شاهده الجمهور في الدورة التاسعة للمهرجان الوطني للمسرح بوادي الزرقاء الذي جمع تلوينات فنية مختلفة من مختلف جهات الجمهورية وفي الشمال اجتمعت مشهديات من الجنوب والوسط والشمال وجميعها انطلقت من محليته لتدافع عن كونية الانسان وحقوقه بالفن.
انجاز فعل مسرحي في الهواية: مقاومة حقيقية وتجربة حياتية يجب ان تتواصل
المهرجان الوطني للمسرح بواد الزرقاء مساحة للحرية وللحب "هنا نسعى لنشر ثقافة الحياة لدى الاطفال وتعليمهم ان الثقافة فعل انساني وحياتي والثقافة تؤثر ايجابا على تطور الطفل والمجتمع، والمهرجان فرصة ليلتقي اهل المنطقة مع كل فنون لفرجة اذ اصبح المسرح خاصة فضاء يجتمع حوله ابناء الجهة وبات سكان واد الزرقاء ينتظرونه سنويا" حسب تعبير مدير دار الثقافة صلاح الطرابلسي، ودار الثقافة هي الفضاء الحاضن للتظاهرة.
في وادي الزرقاء اجتمعت فرق مسرحية من اغلب ربوع الجمهورية، التقى جمهور المنطقة مع خصوصيات جربة واختلاف التجربة المسرحية لمنطقة الحوض المنجمي والتجريب في اعمال رواد المسرح في عقارب كم التقوا مع افكار متجددة تمثل المنستير وبنزرت مع انتاجات ابناء المنطقة في "الكوميديا دي لارتي" وهذا الاختلاف في المواضيع المعالجة مسرحيا يؤكد على ثقافة الاختلاف التي يعمل عليها ابناء الجهات.
مسرح الهواية فضاء للتجريب والبحث كما انه مساحة ليعبر ممارسيه عن واقعهم ومن مشاكل الحوض المنجمي وعلاقة الانسان بالداموس انطلقت مسرحية "ارغوفوبيا" وعنها تحدث الكاتب نور الدين بوبكر "المسرح ينطلق من الواقع والمسرحي ابن بيئته، والداموس في الحوض المنجمي جزء من ثقافة عمالية ومجتمعية ايضا، الداموس كان لاعوام طوال نقطة التقاء ابناء الجهة ومثل قادحا للثقافة النقابية والمسرحية، ومن رحم الواقع ومعاناته نشتغل في اعمالنا المسرحية الهاوية ليكون جسد الممثل الحامل لحكايات الجهة وثقافتها الشفوية والمدونة".
مسرح الهواية فعل مقاومة، لازلت اؤمن ان الهواية اساس المسرح وبداياته لذلك جد متمسك بالجمعية واكثر تمسكا بتواصلها وتواتر الاجيال المسرحية عليها، فنحن في الهواية نكون انسانا، هدفنا الاول والدائم هو الانسان قبل صناعة الفنان، بهذه الكلمات تحدث الممثل والمخرج لطفي التركي الذي حافظ على انتمائه ودعمه لمسرح الهواية رغم احترافه وحرفيته واستطاع التركي لسنوات تاطير المئات من المسرحيين بعضهم واصل في الهواية واخرين درسوا في المعهد العالي للفن المسرحي ويخوضون تجربة الاحتراف بنجاح على غرار اوس ابراهيم، فالهواية لدى لطفي التركي اللبنة الاولى للدفاع عن الانسان.
ويضيف التركي "انجاز مهرجان في هذه المناطق ومخصص للهواية اعتبره فعل مقاومة حقيقية، فانا اعرف جيدا الوضعية المالية للجمعيات واعرف مدى صعوبة انجاز تظاهرة تستقطب العديد من الجمعيات للمشاركة والاقامة والبقاء لاكثر وقت في مدينة بعيدة عن المراكز الكبرى، لذلك نثمن هذه التجربة ونعتبرها مقاومة ونضال سيتواصل حتما لارادة القائمين المهرجان ورغبتهم الصادقة في النجاح".
جمعية القناع المسرحي: تاسيس حركة مسرحية ودفاع عن الحق في الثقافة
اربعة ايام من الفرجة تحولت فيها القرية الى مسرح مفتوح، في وادي الزرقاء اجتمعت جمعيات مسرحية وفرق هاوية من مناطق مختلفة من الجمهورية للمشاركة في المهرجان الوطني للمسرح الذي حوّل القرية من مكان هادئ ينشغل اهله باعمالهم اليومية الى مسرح مفتوح للنقاش وازدحام يومي امام دار الثقافة قبل العرض بساعات للحصول على مقعد ومشاهدة المسرحية التي ستقدم، ونجحت جمعية القناع المسرحي في تأسيس حركة مسرحية رغم كل الصعوبات.
عن نشاط الجمعية يحدثنا نضال الحناشي " فكرة انجاز جمعية سكنتنا منذ الشباب وفي العام 2010 قدمنا رخصة لبعث جمعية ثقافية تعنى بالمسرح لتكون وعاء يحمي احلامنا المسرحية ويحافظ على تطلعاتنا الفنية ومنذ 2011انطلقت القناع المسرحي في العمل وانطلقنا في تشكيل احلامنا الصغرى لنقدمها في شكل تظاهرات مسرحية واعمال للأطفال والكهول بالاضافة الى التكوين، فاغلب اعضاء لجنة التنظيم هم ابناء النوادي وأول انجازاتنا كان تأسيس المهرجان الوطني للمسرح ثم ادخال المسبقة على المهرجان الذي كان يحمل اسم مهرجان مسرح الناشئة"، ويضيف نضال حناشي مؤطر نادي المسرح للاطفال والكهول يمكن القول ان الجمعية نجحت في هذه الاعوام العشرة لانها استطاعت بناء قاعدة جماهيرية من الكهول، قبل اعوام لم يكن الكهول يتابعون المسرح وليوم القاعة مكتظة والجمهور ينتظر خارجها".
جمهور وادي الزرقاء يحتذى به في ثقافة الفرجة، الاعداد غفيرة مع احترام للممثلين والفنانين من الحالات شبه لنادرة في اغلب المناطق الداخلية فاغلب العروض المسرحية تشكو من قلة الجمهور ولا وفي حضورهم تحدث الفوضى، وانتظارهم بالساعات حتى ينطلق العمل الثاني ثم الحرص على حضور النقاش والمشاركة يعدّ من علامات انتصار صناع الثقافة في قرية كبيرة باحلام ابنائها.
جمعية القناع المسرحي يشرف عليها شباب يحلم ان تصبح قريته مسرح مفتوح وتأسس لحركية ثقافية فعلية وفي هذا السياق يصرح للمغرب ياسين الهمامي مدير الدورة التاسعة للمهرجان ويقول " الجمعية كانت وستظل سلاحنا لندافع عن ابناء المنطقة وحقهم في الثقافة، منذ البدايات والجمعية تشرف على المهرجان وغابت دورة وحيدة بسبب الكورونا وفي كل دورة نضع سقفا عال نعمل للوصول اليه وفي كل دورة نقدم ورشات في كيفية قراءة العروض وتحليلها ليستفيد رواد المهرجان ومحبي المسرح من هذه الجلسات النقدية لنساهم في تطوير معارفهم ومهاراتهم الفنية والفكرية".
ويضيف ياسين الهمامي مدير المهرجان والمسؤول عن التوثيق والغرافيك كذلك " بإمكانياتنا البسيطة تحولت القرية الى فضاء مفتوح للمسرح، رداءة الطقس لم تمنع الجمهور من المواكبة وانضباط اطفالنا في لجنة التنظيم سهّل المهمة على الجميع، الجمعية كما مختبر صغير نصنع داخله مركبات النجاح، ولان الاطفال حرموا من المسرح في المهرجان الوطني للمسرح اطلقنا مهرجان السينما ليتعلموا كل الفنون ويلتقوا بجماليات مختلفة ايمانا منا بقدرة الفن على التغيير".
واكد مدير المهرجان والجمعية ان من عروضهم المسرحية التي تنجز طيلة لعام يوفرون بعض الاموال لانجاح تظاهراتهم، فالكل منخرط في تاسيس فعل ثقافي كما تحصلوا على دعم بقيمة 7الاف دينار من مندوبية الثقافة ومنحة تشجيعية من مدير مصنع الدواء بالجهة، ودار الثقافة دوما تفتح ابوابها لكل الانشطة فهنا الجميع ينخرط في التاسيس، ومن العدمية نخلق فنا وحياة حسب تعبير ياسين الهمامي.