من نفشي المجاعة والأمراض في غزة بسبب تواصل حرب الإبادة ومحاولات الاحتلال عزل غزة على العالم . وتصف منظمات دوليّة وإنسانية الوضع في غزة بالكارثي والأكثر دموية منذ عقود بعد 70 يوما من اندلاع الحرب التي خلفت 18.608 شهيد و 50.594 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي. وتدقّ المنظمات ناقوس الخطر في ظلّ الصعوبات التي تواجهها لممارسة مهامها من تقديم خدمات حيوية وأيضا إيصال مساعدات للمدنيين من أغذية وأدوية وغيرها في ظلّ تضييقات مستمرة من الإحتلال .
كما حذّرت منظمات إغاثة أيضا من مخاطر المجاعة وتفشي الأمراض في غزة في ظل وضع كارثي ومروع يعيشه القطاع بعد أكثر من شهرين على اندلاع الحرب . ولئن تجدد الوكالات التابعة للأمم المتحدة من تحذيراتها بشأن تدهور الأوضاع الصحية والغذائية في غزة، وتبدي خشيتها من ''انهيار النظام العام ما لم يتم وقف إطلاق النار" ، إلاّ أنّ المجتمع الدولي والمنظمات الدوليّة تقف اليوم عاجزة عن إرساء حل أو هدنة في القطاع المنكوب.
ولطالما حذرت المنظمات الدولية من تزايد استهداف الاحتلال للخدمات الحيوية في غزة عبر قصف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة ولإيقافها مرارا عن العمل ما أثر سلبا على الخدمات الحيوية خاصة القطاع الصحي المنهار بطبعه ، خصوصا وأن إسرائيل سبق وأن فرضت حصارا كاملا على قطاع غزة وقطعت جميع الإمدادات عنه من مياه وغذاء وكهرباء ووقود.
وتدعو هذه المنظمات للمجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية والإغاثية إلى ضرورة التحرك وإيقاف الغطرسة الإسرائيلية المتمادية في جرائمها ضاربة عرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية .
الاعلام الدولي ممنوع في غزة
وإلى جانب الوضع الكارثي في قطاع غزة أطلقت عدة مؤسسات إعلامية صيحة فزع نتيجة الصعوبات التي تواجهها في تغطية الحرب المندلعة منذ شهرين في قطاع غزة ، إذ نشرت صحيفة ''الغارديان' تقريرا قالت فيه إن الإعلام الدولي الممنوع من دخول غزة ومصر، ويبحث عن طرق للتحايل على هذا المنع، وبات يعتمد على المصادر الفلسطينية ومنصات التواصل الاجتماعي.
وقال التقرير إن الصحافيين الدوليين الذين يتابعون الحرب الإسرائيلية على غزة، يشعرون بالإحباط الشديد من منعهم دخول القطاع، الذي حرمهم من تقديم صورة شاملة عن الحرب من الميدان، وما تركته من آثار على المنطقة. ويعتمد الإعلام الدولي على الصحافيين الفلسطينيين في القطاع والعاملين في الإعلام واتصالاتهم مع المدنيين الفلسطينيين وعمال الإغاثة والعاملين الصحيين، وما ينشر من تقارير في منصات التواصل الاجتماعي التي تحتاج لجهد من أجل التأكد من صحتها. وبحسب لجنة حماية الصحافيين، فقد قُتل على الأقل 63 صحافيا وعاملا في المؤسسات الإعلامية في غزة منذ بداية الحرب. ويجد الصحافيون الفلسطينيون صعوبة في التغطية ''لأن الحركة صعبة وخطيرة''.
جوع وأوبئة وموجة نزوح
واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ''الفيتو'' الجمعة ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى "وقف إطلاق نار إنساني فوري" في قطاع غزة ّ، مما عرضها لانتقادات وغضب دوليين وسط دعوات لضرورة مراجعتها لموقفها من الحرب الدائرة وانحيازها الواضح لسلطات الإحتلال التي تنتهك القانون الدولي ولا تلتزم بقرارات صادرة عن منظمات دولية .
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ''أوتشا'' أعلن في وقت متأخر الخميس أن 14 مستشفى فقط من أصل 36 في قطاع غزة لا تزال تعمل.
وحذرت ألكسندرا ساييه من "سيف ذا تشيلدرن" من أن "أولئك الذين نجوا من القصف يواجهون الآن خطر الموت الوشيك بسبب الجوع والمرض".وأضافت "تخبرنا فرقنا عن ديدان يتم انتشالها من الجروح وأطفال يخضعون لعمليات بتر أطراف دون تخدير"، أو يصطفون بالمئات لاستخدام "مرحاض واحد" أو يجوبون الشوارع بحثا عن الطعام.
ومن جهتها وصفت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، العام 2023 بأنه "الأكثر دموية" في الضفة الغربية، منذ بدء الأمم المتحدة في تسجيل وتوثيق عدد ضحايا ممارسات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة، في عام 2005.
جاء ذلك في تقرير، صدر مساء أمس الأول الأربعاء، ويوثق الأوضاع الإنسانية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ، تزامنا مع مرور أكثر من شهرين على اندلاع الحرب الإسرائيلية ضد القطاع، وتصاعد حدة المداهمات والاعتقالات التي تنفذها القوات الإسرائيلية في الضفة.وقالت الأونروا إن 2023 بمثابة "العام الأكثر دموية بالنسبة لحالات مقتل فلسطينيين في الضفة الغربية، منذ أن بدأت الأمم المتحدة في تسجيل الضحايا في عام 2005".
وأضافت: "وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، قتل 271 فلسطينيا على يد قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية، بينهم 69 طفلا، بالإضافة إلى 8 فلسطينيين قتلوا على يد المستوطنين الإسرائيليين".كما أشارت إلى تسجيل مقتل فلسطينيين اثنين آخرين، لكن دون معرفة المسؤول عن مقتلهما سواء كانوا من "الجيش الإسرائيلي أو مستوطنين"، وبذلك تكون الوكالة الأممية رصدت 281 وفاة في الضفة منذ 7 أكتوبر الماضي، وفقا للبيان.
فيما بلغ عدد المعتقلين خلال الفترة ذاتها 4 آلاف فلسطيني.وفيما يتعلق بالأوضاع في قطاع غزة، كشفت المنظمة الأممية أنه "ما لا يقل عن 288 نازحا يقيمون في منشآتها بقطاع غزة لقوا حتفهم، وأصيب ما لا يقل عن 998 آخرين، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر الماضي".وأوضحت أن 98 من منشآتها في المنطقة الوسطى لقطاع غزة ومدينتي خان يونس ورفح (جنوب)، باتت تأوي أكثر من 1.1 مليون نازح، بحسب المصدر ذاته.
وفي السياق، أفادت "الأونروا" بأنّ "ما يصل إلى 1.9 مليون شخص وهو ما يعادل أكثر من 85 بالمائة من سكان قطاع غزة، نزحوا في جميع أنحاء القطاع، بعضهم نزح عدة مرات بحثا عن الأمان" منذ بداية الحرب.كما تم رصد "نحو 1.3 مليون نازح داخليا يقيمون في 155 منشأة تابعة "للأونروا" في جميع محافظات قطاع غزة الخمس، بما في ذلك الشمال ومدينة غزة".وعلى صعيد آخر، أكدت الوكالة الأممية مقتل 135 من طاقمها في قطاع غزة، بحسب البيان ذاته.
وقال برنامج الأغذية العالمي إن خطر "المجاعة" مرتفع. بدوره، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه "بالنظر إلى الظروف المعيشية ونقص الرعاية الصحية، يمكن أن يموت عدد أكبر من الناس بسبب الأمراض مقارنة بالقصف" في غزة.وحذر من أمراض عدة بما في ذلك التهابات الجهاز التنفسي الحادة والإسهال والطفح الجلدي وجدري الماء، التي ظهرت بسبب الاكتظاظ ونقص الغذاء والماء والنظافة الأساسية والأدوية.
وبحسب كيارا ساكاردي من منظمة العمل ضد الجوع، فإن "الوضع يقوض كرامة الناس لأنهم لا يستطيعون تنظيف أنفسهم أو تنظيف أطفالهم"، داعية إلى وقف إطلاق النار وإرسال مساعدات عاجلة.وقال جيمس إلدر المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في مقابلة أجريت يوم الثلاثاء "بدأت العاصفة الكاملة للمرض. والآن صار السؤال القائم هو إلى أي مدى سيزداد الأمر سوءا".
وأظهرت بيانات من منظمة الصحة العالمية أنه في الفترة من 29 نوفمبر إلى العاشر من ديسمبر قفزت أعداد حالات الإصابة بالإسهال لدى الأطفال دون سن الخامسة 66 بالمائة لتصل إلى 59895 حالة، وزادت 55 بالمائة بين بقية الفئات من السكان في نفس الفترة. وقالت الوكالة التابعة للأمم المتحدة إن الأرقام غير مكتملة حتما نظرا لانهيار جميع الأنظمة والخدمات في غزة بسبب الحرب.
معاناة المرضى
وقال رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر بخان يونس بجنوب غزة أحمد الفرا إن القسم مكتظ بالأطفال المصابين بالجفاف الحاد الذي يؤدي إلى الفشل الكلوي في بعض الحالات، فيما تفاقم عدد حالات الإصابة بالإسهال الحاد إلى أربعة أمثال العدد المعتاد.
وأضاف أنه علِم بوجود 15 إلى 30 حالة إصابة بالتهاب الكبد الوبائي إيه في خان يونس خلال الأسبوعين الماضيين، وأوضح أن "فترة حضانة الفيروس تتراوح من ثلاثة أسابيع إلى شهر، لذلك بعد شهر ستكون هناك قفزة في عدد حالات التهاب الكبد الوبائي إيه".وفي الوقت نفسه تم إغلاق 21 من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة، مع بقاء 11 تعمل بشكل جزئي وأربعة تعمل بشكل طفيف، وفقا لأرقام منظمة الصحة العالمية حتى العاشر من ديسمبر.
وقالت ماري أور بيريوت منسقة الطوارئ الطبية لعمليات منظمة أطباء بلا حدود في غزة إن المنظمة الطبية الخيرية غادرت مركزا للصحة في خان يونس قبل عشرة أيام لأن المنطقة كانت ضمن أوامر الإخلاء الإسرائيلية، إذ كانت تتولى علاج حالات التهابات الجهاز التنفسي والإسهال والأمراض الجلدية.
وقالت إن شيئين صارا الآن لا مفر منهما "الأول هو أن وباء يشبه الزحار سوف ينتشر في أنحاء غزة إذا واصلنا هذه الوتيرة من الحالات، والآخر هو أنه لا وزارة الصحة ولا المنظمات الإنسانية ستكون قادرة على دعم مواجهة تلك الأوبئة".
وحذر باحثون في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي في تقرير صدر في السادس من نوفمبر ، بعد مرور شهر على هجوم حماس على إسرائيل الذي أدى إلى اندلاع حرب غزة، من مدى تفاقم الآثار الصحية غير المباشرة للصراع مع مرور الوقت.
وقالوا إنه بعد مرور شهرين على الحرب، سيتزايد عبء سوء تغذية الرضع بسبب عدم التغذية والرعاية، كما سيزداد سوء تغذية الأمهات. وأوضحوا أنه "مع مرور الوقت، تتزايد فرصة إدخال مسببات الأمراض التي قد تؤدي إلى انتشار الأوبئة. ومن بين عوامل الخطر الاكتظاظ وعدم كفاية" المياه والصرف الصحي.
ويقول عمال إغاثة إن ما توقعه الخبراء في لندن هو تماما ما يحدث الآن. وقال ثلاثة خبراء إن أمراضا مثل الزحار والإسهال المائي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى وفاة عدد من الأطفال يماثل ما قتلته عمليات القصف الإسرائيلية حتى الآن.