مرايا وشظايا مجسّم فلسطين بين بساطة الجمالية وعمق الرمزية

ما بين تونس وفلسطين رباط وثيق أقوى من المنفى وأبقى من مقابر الموت هنا وهناك...

ولأنّ الفن قرين المقاومة ولسان الحقيقة أمام سرديات التضليل والتزييف، فقد أهدت تونس إلى شقيقتها فلسطين مجسم "أم الشهداء" تضامنا مع القضية وتكريما للمرأة الفلسطينية ومساندة لثورة غزة في وجه مغتصبي الأرض ومدنسي القدس...

في الساحة المقابلة لسفارة فلسطين بتونس، تم في الساعات الأخيرة الكشف عن مجسم "أم الشهداء" من إنجاز مسرح أوبرا تونس تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية.
ويأتي هذا العمل الفني التطوعي بإمضاء الفنان حسين المقدادي وبتنفيذ مشترك مع المصمم والفنان شكري التوجاني. يبلغ ارتفاع هذه المنحوتة 4.50 م وعرضه 4 أمتار، وهي مصنوعة من مادة الريزين المقوى بهيكل حديدي من الداخل.
تجسد هذه المنحوتة ملحمة "أم الشهداء" في فلسطين التي تزف أبنائها الواحد تلو الآخر بالزغاريد في كل مرة حتى وإن كان قلبها من الوجع ينزف! ترفع هذه المرأة وجهها في انحناء إلى السماء ويديها في انبساط تضرعا وابتهالا إلى الله للنجاة من الطغاة.. وربما هي صرخة ترسلها عبر المدى بأعلى صوتها حتى تهز عرش النائمين والصامتين من الرؤساء والسفراء...
تقف هذه المرأة الولاّدة للبطولة على الركام الذي يخلفه العدوان الغاشم في كل مرة ليصبح هذا الحطام تحت قدميها نقطة ارتكاز لتكون قوية أكثر فأكثر.
في الحقيقة يتسع مجسم "أم الشهداء" إلى أكثر من تأويل بتعدد زوايا النظر وباختلاف ذائقة الجمالية . لكن وإن كانت هذه المرأة حقا تلبس الثوب التقليدي في قطاع غزة فإلي مدى تشبه نقوشه وزخرفته الثوب الأصلي؟ وإلى مدى جاءت تفاصيله وفيّة لهذا الزيّ النسائي الشهير؟
ربما كان ثوب "أم الشهداء" سيكون أجمل وأقرب إلى جمالية فنّ التطريز في فلسطين المسجل على لائحة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في سنة 2021 لو جاء بكمّ يد طويل وليس قصيرا ، باعتبار أن كل فساتين فلسطين التقليدية على اختلاف الرسوم والنقوش والخامات من منطقة إلى أخرى هي ذات أكمام طويلة .
ولسائل أن يسأل ما جدوى الكوفية الفلسطينية حول الرقبة والمسدلة على كتفي مجسم "أم الشهيد" ؟ هل تأتي هذه الإضافة للتأكيد على أن المنحوتة هي فلسطينية الهوى والهوية؟ أم للتذكير برمزية هذه الكوفية ومعاني رموزها المتجذرة في تاريخ وجغرافيا فلسطين، حيث تتخذ شبكة الصيد في توثيق لمتانة العلاقة بين البحار الفلسطيني والبحر. في حين يدل ورق الزيتون على الصمود والقوة. أما الخطوط فتحيل إلى الطريق الذي يمثل ملتقى القوافل التجارية والثقافات المختلفة عبر العصور.
قد لا يحتمل مجسم "أم الشهيد" في نظر مصمميه المزيد من التعقيد، فيكفي الثوب الفلسطيني والكوفية الفلسطينية لمناصرة القضية. وربما كانت المنحوتة ستكون أكثر جمالية لو احتضنت القدس بين كفيها أو لوّحت بغصن الزيتون أوغيرها من الرموز الدلالة على المقاومة وملحمة الصمود... وفي كل الأحوال وبالرغم من الاختلاف في تقييم الجمال، يشهد مجسم "أم الشهداء" على وفاء تونس إلى فلسطين وبقائها على الوعد والعهد مهما تقادم الزمن.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115