د. إدريس لكريني مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات لـ''المغرب'' "هذا العدوان الذي يمارس ضدّ الشعب الفلسطيني محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية"

''هذه الحرب أكدت أن إسرائيل لا يمكن أن تنعم بالأمن طالما أن هناك شعبا تخترق حقوقه وتنتهك بيوته وحرمته"

"عدوان غزة أعاد البريق للقضية الفلسطينية وكشف حقيقة إسرائيل وحقيقة صانعي القرار هناك وكشف الوجه الإجرامي لهذا النظام العنصري"
"هذه الحرب أظهرت الوجه القبيح للكثير من الدول الغربية التي لطالما حاولت تقديم الدروس لكثير من الدول بدفعها إلى احترام حقوق الإنسان"

 

قال د. إدريس لكريني مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، وأستاذ العلاقات الدولية وإدارة الأزمات في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض ، في حوار لـ''المغرب'' أنّ هذا العدوان الإسرائيلي الذي يمارس ضدّ الشعب الفلسطيني محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، على اعتبار أنّ المجتمع الدولي بات مقتنعا بأن تحقيق السلام وتعزيزه يبقى مرتبطا في جزء كبير منه باحترام مبادئ الشرعية الدولية وقواعدها ويظل مرتبطا بتنازل إسرائيل وتوقفها عن سياستها الإستيطانية وعن سياساتها الإحتلالية .

لو تقدمون قراءتكم للحرب في غزة بعد 68 يوما من اندلاعها ؟

عملية طوفان الأقصى التي تمت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بداية شهر أكتوبر تمثل تحولا جذريا في إستراتيجية المقاومة الفلسطينية وتمثل ردة فعل إزاء تراكم الخروقات التي ترتكبها إسرائيل سواء من خلال الاستمرار في بناء المستوطنات والتنكر للاتفاقيات المبرمة وممارسة الحصار على الفلسطينيين واعتقال المقاومين وتهويد القدس ومحاولة طمس القضية الفلسطينية بالإضافة إلى الاستمرار في التضييق على المدنيين بكل الأشكال .
هذه العملية أكدت أن إسرائيل لا يمكن أن تنعم بالأمن طالما أن هناك شعبا تخترق حقوقه وتنتهك بيوته وحرمته ، مما يعني أن الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يكون على حساب حقوق الفلسطينيين .من ناحية أخرى تبين أنّ إسرائيل رغم الإمكانيات التي تمتلكها عسكريا وتكنولوجيا والمساعدات الوفيرة الدعم غير المحدود الذي تتلقاه من الغرب ، لا يمكن لها أن تبني سلاما أو استقرار وأمنا مستداما خصوصا وأن الشعب الفلسطيني يؤمن بقضيته ولا يمكنه التخلي عنها .
يمكن قراءة المشهد الراهن من عدة زوايا: أولا إسرائيل حاولت أن تتذرع بحقها في الدفاع عن النفس الذي تضمنه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لكن ميدانيا خلال حرب غزة تبين أن الأمر يتعلق بعمل عدواني تتوافر فيه كل أركان الجريمة العدوانية وجرائم الحرب سواء تعلّق الأمر بتهجير الساكنة وقصف المساجد أو دور العبادة بشكل عام وقصف المدارس والمستشفيات واستهداف الأطفال وتجويع المدنيين وحرمانهم من المواد الأساسية والمساعدات .
هذه كلها جرائم يحرمها ويجرمها القانون الدولي على وجه عام والقانون الدولي الإنساني على وجه الخصوص، ومن ناحية أخرى تبين أن إسرائيل رغم إمكانياتها وقدراتها لم تستطع كبح المقاومة التي استمرت في مواجهة الاحتلال واستمرت في قصف الكثير من المناطق المحتلة داخل إسرائيل بالصورة التي تثبت أنّ الفلسطينيين يؤمنون بحقوقهم المشروعة.
من ناحية أخرى هذه العمليات رغم قساوتها ورغم الآثار الإنسانية الخطيرة التي خلفتها ورغم التدمير الكبير الذي لحق بغزة والذي يذكر بمدينتي ''هيروشيما'' و''ناكازاكي'' اللتان تعرضتا للسلاح النووي منتصف أربعينيات القرن الماضي، إلاّ أنّ هذه المحطة أعادت البريق للقضية الفلسطينية وكشفت حقيقة إسرائيل وحقيقة صانعي القرار داخل إسرائيل وكشفت الوجه الإجرامي لهذا النظام العنصري الذي يُمارس أقصى مظاهر الإساءة لحقوق الإنسان والإساءة للأطفال وللقوانين الدولية وللمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومن ناحية ثانية أظهرت هذه العمليات عن التناقض والمفارقة التي تفصل بين الخطابات المنادية باحترام حقوق الإنسان والشعارات التي تطلقها العديد من الدول الغربية في هذا الخصوص، ومابين الصمت المريب الذي واجهت به الجرائم الخطيرة التي استهدف خلالها الأطفال والنساء والمرضى في المستشفيات وتهجير الناس من بيوتهم بما يكشف هذا الوجه القبيح للكثير من الدول الغربية التي لطالما حاولت تقديم الدروس لكثير من الدول بدفعها إلى احترام حقوق الإنسان. في حين أنها اليوم لا تتردد الكثير من الدول الغربية مثل ألمانيا وبريطانيا وأمريكا عن دعم العمليات التي تقوم بها إسرائيل ضدّ الأطفال ولم تضغط ولم تتجه نحو دفع إسرائيل لوقف هذه الحرب وإتاحة الفرصة للمبادرات السلمية ولإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة ّ، ومن ناحية أخرى كشفت هذه العمليات العسكرية عن أزمة المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والتي ظلت عاجزة بعد أن منعها استخدام حق ''الفيتو''من الإستئثار بالتزاماتها وبمهامها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ومواجهة هذه الجرائم وإدانتها أمام المجتمع الدولي.

إلى أين يسير الوضع وهل حقا الحديث عن نهاية للحرب على المدى القريب خيار مستبعد؟
مسار هذه العمليات مرتبط بمدى استيعاب الإسرائيليين لهذه الدروس التي تحدثت عنها ومدى وعيهم بأن القوة العسكرية لا تنجب ولا تؤدي إلا لحلول مؤقتة. فالفلسطينيون أثبتوا منذ حوالي قرن من معاناتهم أنهم رغم الصعوبات وكل المجازر والمذابح التي ارتكبت في حقهم أنهم صامدون ومؤمنون بقضيتهم وبأنهم لن يتخلوا عنها مهما وصلت العنجهية الإسرائيلية ومن يدعمها. ولذلك اعتقد أن مسار تطور الأحداث مرتبط بشكل أساسي بمدى استيعاب إسرائيل والدول الغربية لأهمية الحوار وأهمية الرجوع إلى القانون الدوليّ، وإلى قرارات الأمم المتحدة المرتبطة بشرعية الحقوق الفلسطينية وبإرساء حل الدولتين والذي يتيح للفلسطينيين العيش بكرامة والعيش كما باقي شعوب العالم بسلام وطمأنينة دون تدخل أو ضغط أو إساءة من أية دولة خاصة إسرائيل .

مسار العمليات أيضا مرتبط بردود الفعل الدولية خصوصا أنّه على امتداد الأيام الماضية المجتمع الدولي اليوم بات متأكدا من غطرسة السلطات الإسرائيلية، وأصبح متأكد من حجم الجرائم التي يعانيها الفلسطينيون .وبالتالي أصبح واعيا بأنّ المسؤول عن تعقّد ملف القضية الفلسطينية مرتبط بالجرائم الإسرائيلية وأن هناك محتل ينبغي أن يتوقف عن أعماله الإجرامية وأن يمنح الفلسطينيين حقهم في إقامة دولتهم المستقلة .
كل هذا مرتبط بموقف المجتمع الدولي على المستوى الشعبي هناك مواقف متقدمة جدا تدعم الحقوق الفلسطينية ، وأيضا هناك الكثير من الدول التي استدعت سفراءها أو قطعت علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي. بل أكثر من ذلك الكثير من الدول خصوصا العربية والإسلامية أصبحت تجد نفسها محرجة أمام شعوبها الأمر الذي سيدفع حتما باتجاه فرض مزيد من الضغوطات لبلورة حل عادل للقضية الفلسطينية .
قد يكون هذا العدوان الذي يمارس ضدّ الشعب الفلسطيني محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية على اعتبار أنّ المجتمع الدولي بات مقتنعا بأن تحقيق السلام وتعزيزه يبقى مرتبطا في جزء كبير منه باحترام مبادئ الشرعية الدولية وقواعدها ويظل مرتبطا بتنازل إسرائيل وتوقفها عن سياستها الإستيطانية وعن سياساتها الإحتلالية .
أيضا الأمر مرتبط بردود فعل الفلسطينيين باعتبار أن هذه المحطة تقتضي تظافر الجهود وتجاوز الانقسام في صفوف الفلسطينيين، والمرافعة ضد خصم عنيد وضدّ طرف هو المسؤول الرئيسي عما وصلت إليه الأمور .
كيف ترون التعامل الدولي مع الحرب، وهل حقا استبيح القانون الدولي بشكل غير مسبوق في هذه الحرب؟

القانون الدولي استبيح بشكل غير مسبوق نحن نعيش اليوم في مرحلة مفصلية تمثل محطة للوقوف عند مدى قدرة المجتمع الدولي بمؤسساته ومنظماته وكافة أدواته وقوانينه على إيقاف هذه الإنحرافات وعلى وقف هذه الجرائم التي تقع أمام أنظار ومسمع العالم بالصورة، التي إذا لم يتم التعامل معها بصرامة قد تشجع دولا أخرى نحو مزيد من الخروقات في دول أخرى مما يدخل العالم في متاهات وفوضى ويكرس إنهيار قواعد القانون الدولي ويكرس تجاوز قواعد القانون الدولي في تسوية المنازعات وتدبير النزاعات لحساب القوة في جميع مظاهرها أو لحساب قانون القوة الذي تمارسه الدول الكبرى ضدّ مصالح الدول الضعيفة بما قد يعيدنا إلى سنوات ما قبل تأسيس الأمم المتحدة وقد يؤدي إلى انهيار النظام الأممي وهذا اعتقد أن هذه المحطة تُسائل العقلاء في العالم وتسائل أيضا الدول المحبة للسلام لأجل تحمل مسؤولياتها والمرافعة بشأن وقف هذا العدوان، بما يدعم احترام قواعد القانون الدولي ويدعم أيضا احترام الشرعية الدولية وكذلك قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة خصوصا وان إسرائيل تحاول أن تبرّر ماتقوم به بالقانون الدولي نفسه .
هذا إساءة للقانون الدولي لأنه لا يمكن أن يسمح القانون الدولي بقتل الأطفال والنساء وقصف المدارس ودور العبادة والمستشفيات وتهجير المدنيين وهدم بيوتهم ووقف المساعدات الإنسانية وتجويع الساكنة .

مالذي يعيق برأيكم التوصل لهدنة مؤقتة في غزة ؟

ما يعيق الهدنة في غزة مرتبط بأمرين أساسيين أولا الحسابات السياسية الضيقة التي تحرك نتنياهو في أن يبرز للداخل الإسرائيلي وللفلسطينيين وللعالم انه قادر على زجر الفلسطينيين وقادر على مواجهتهم وصدهم وتقتيلهم، وأيضا لكسب نقاط انتخابية يمكن أن تجنبه المسائلة القانونية لاحقا لان الكثير من الدول والقوى الحقوقية في العالم تنادي بفتح تحقيقات لمحاكمة المتورطين في جرائم الحرب التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأيضا خلال محطات سابقة لا فقط في حرب غزة الدائرة الآن .
الأمر الثاني مرتبط بعجز المجتمع الدولي عن ردع إسرائيل خصوصا وأن مجلس الأمن لم يستطع إلى حدود الساعة أن يصدر قرارا يدين هذا العدوان على عكس الجمعية العامة التي تصدر مجرد توصيات اعتبرت مايجري عملا عدوانيا وانه من اللازم إيقافه .طبعا الجمعية العامة تعبر عن الضمير الجماعي العالمي على عكس مجلس الأمن الطي يعبر اليوم في جزء كبير منه عن وجهة نظر الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم إسرائيل في هذه الحرب.
اعتقد أنّ الجانب الآخر وجود دول أخرى غربية مع الأسف مازالت تتعامل بنوع من المرونة ودون تحمل المسؤولية التي تقتضيها مواجهة هذه الجرائم من صرامة ووضوح لوقف نزيف هذا العدوان .
كل هذه معطيات لن تصمد طالما أن الضمير العالمي اليوم بات يقظا سواء في شبكات التواصل الإجتماعي وكثير من المثقفين العالمين وكثير من السياسيين وكثير من القوى الحية في المجتمع الدولي الآن أصبحت تنادي بوقف هذا العدوان بل وأكثر من ذلك أصبحت تجد في هذه الجرائم مناسبة أو أساسا للمرافعة بشأن القضية الفلسطينية والدفاع بقوة عن القضية الفلسطينية والمطالبة بوقف الاحتلال .

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115