دون ان يتمكن المجتمع الدولي من استصدار قرار بوقف الحرب العدوانية رغم موافقة 139 دولة في الجمعية العام للأمم المتحددة على مشروع قرار وقف اطلاق النار. لقد مارس الاحتلال الصهيوني كل أنواع الانتهاكات والتجاوزات للقانون الدولي والإنساني أمام أنظار العالم وسط تحذيرات من الانعكاسات الصحية الكارثية لحرب جعلت الأطفال رمادها الذي لا ينتهي. ومع مرور ثلاثة أشهر على الحرب في القطاع المنكوب ، حذرت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس في غزة امس الأربعاء من نفاد مخزونها من لقاحات الأطفال.
ويتحمل اليوم المجتمع الدولي مسؤولية تواصل هذه الكارثة مع فشله إلى حد اللحظة في إرساء هدنة إنسانية أو وقف لإطلاق النار في غزة ، رغم المطالب والدعوات لضرورة وقف المجازر والمذابح التي تمارسها سلطات الإحتلال ضد الفلسطينيين. وقد طالبت الأمم المتحدة بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في قطاع غزة وأبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل الحليفة لبلاده أن القصف "العشوائي" للمدنيين ينال من الدعم الدولي ، وهي خطوة قد تزيد من عزلة كيان الإحتلال مع تعالي الأصوات المنادية بضرورة إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية.
ومن جهتها أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 دولة عضوا مساء قرارا يدعو إلى وقف إطلاق النار وصوتت ثلاثة أرباع الدول الأعضاء بتأييده.وقال زعماء كندا واستراليا ونيوزيلندا في بيان مشترك يدعو إلى وقف إطلاق النار منفصل عن دعوة الأمم المتحدة في القرار "من غير الممكن أن يكون ثمن هزيمة حماس استمرار معاناة جميع المدنيين الفلسطينيين".
وصدر البيان، الذي وقعه رؤساء وزراء كندا جاستن ترودو، وكريستوفر لوكسون من نيوزيلندا، وأنتوني ألبانيز من أستراليا، قبل وقت قصير من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لصالح قرار للمطالبة بوقف إطلاق النار.وكانت كندا ونيوزيلندا وأستراليا من بين 153 دولة أيدت القرار، مما أدى إلى خلاف ملحوظ مع الشركاء في التحالف الاستخباراتي العيون الخمس، الولايات المتحدة، التي صوتت ضده، والمملكة المتحدة التي امتنعت عن التصويت.
وقال البيان: "نحن نعترف بحق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها، ويجب على إسرائيل أن تحترم القانون الإنساني الدولي. وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية".وأضاف: "نشعر بالقلق إزاء تقلص المساحة الآمنة المتاحة للمدنيين في غزة"، وتابغ أن "ثمن هزيمة حماس لا يمكن أن يكون المعاناة المستمرة لجميع المدنيين الفلسطينيين".وقال البيان المشترك إن "وقف إطلاق النار لا يمكن أن يكون من جانب واحد، ودعا حماس إلى إطلاق سراح الرهائن".
وذكر: "نحن ندعم الجهود الدولية العاجلة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وهذا لا يمكن أن يكون من جانب واحد، ويجب على حماس إطلاق سراح جميع الرهائن، والتوقف عن استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وإلقاء أسلحتها".
ولاقت الخطوة ترحيبا فلسطينيا رسميا بالقرار وحثت الدول على الضغط على إسرائيل للامتثال له. وكرر القيادي في حماس عزت الرشق ما ورد في بيان السلطة الفلسطينية وقال عبر تطبيق تيليجرام إن على إسرائيل "وقف عدوانها والإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد شعبنا".وصوتت الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تقولان إن وقف إطلاق النار لا يفيد سوى حماس، ضد هذا الإجراء إلى جانب ثماني دول أخرى.
وفي أكبر مؤشر علني على الخلافات بين واشنطن وسلطات الإحتلال، قال بايدن أيضا إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحاجة إلى تغيير حكومته المتشددة وإن إسرائيل "لا يمكنها في نهاية المطاف أن تقول لا" لقيام دولة فلسطينية مستقلة وهو أمر يعارضه متشددون إسرائيليون.
موقف تركي
من جهته قال ياسين أكرم سريم نائب وزير الخارجية التركي، إن "ما نحتاج إليه في غزة ليس هدنة إنسانية مؤقتة، بل وقف دائم لإطلاق النار".
جاء ذلك في تصريح وفق الأناضول، أمس الأربعاء، على هامش مشاركته في اجتماع أقيم بمكتب الأمم المتحدة في جنيف، تحت عنوان "حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، وذلك ضمن "الذكرى السنوية الـ75 لاعتماد إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان".وأوضح سريم أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يبذل منذ فترة مساعٍ مع نظرائه المكلفين من منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية لـ"وقف المأساة الإنسانية في غزة وإبرام اتفاق سلام شامل".
وأكد سريم أن "العالم يشهد حالياً كيف تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي في يوم يُحتفل فيه بالذكرى الـ75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".وتابع قائلا: "المحزن أكثر هو صمت بعض الدول التي اعتادت على إلقاء المحاضرات عن هذه القيم العالمية إزاء العبث بحقوق الإنسان، تركيا لا تلتزم الصمت في مواجهة هذا الوضع (في غزة)، لكن أولئك الذين يلتزمون الصمت يجعلوننا نخجل من إنسانيتنا".
وأكد أن تركيا قامت بحراك دبلوماسي مكثف منذ اليوم الأول للأزمة، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، بهدف وقف العنف ومنع الصراع من الانتشار بشكل أكبر.وأردف: "وفي هذا السياق، نقوم بتنفيذ العديد من المشاريع الثنائية والمتعددة الأطراف، خاصة مع مصر، لتخفيف معاناة سكان غزة، ونواصل إرسال المساعدات الإنسانية بطائراتنا وسفننا. ونحن على وشك الانتهاء من إنشاء مستشفى ميداني في غزة".
واستطرد: "لقد أظهرت التطورات الأخيرة مرة أخرى أنه لا يمكن لأحد في العالم أن يشعر بالأمان ما لم تتحقق العدالة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. الاحتلال في فلسطين لن يدوم تحت أي ظرف من الظروف".
ومنذ 7 أكتوبر الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى مساء الثلاثاء، 18 ألفا و412 شهيدا، و50 ألفا و100 مصاب، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية فلسطينية.
وضع إنساني كارثي
أعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس في غزة الأربعاء نفاد مخزونها من لقاحات الأطفال، محذرة من "انعكاسات صحية كارثية"، في إعلان يتزامن مع دخول الحرب شهرها الثالث في القطاع بين إسرائيل وحركة حماس.
وقالت وزارة الصحة في بيان إن "نفاد التطعيمات سيكون له انعكاسات صحية كارثية على صحة الاطفال وانتشار الامراض وخاصة بين النازحين في مراكز الايواء المكتظة".وطالب البيان المؤسسات الأممية "بسرعة التدخل لتوفير التطعيمات اللازمة وضمان وصولها لكافة مناطق قطاع غزة لمنع الكارثة".ولم تكشف الوزارة اللقاحات التي نفدت.
من جانبها، قالت منسّقة الأمم المتّحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لين هاستينغز إنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف تنظر في ذلك"، موضحة في مؤتمر صحافي عبر تقنية الاتصال المرئي "إن التطعيمات هي أحد العناصر ذات الأولوية التي نحاول تقديمها لضمان قدرتنا على مواصلة حملة اللقاحات"، دون المزيد من التفاصيل.وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس حذر الأحد من الأثر "الكارثي للحرب" موضحا أن هناك مؤشرات مثيرة للقلق تدل على وجود أمراض وبائية ومن المتوقع أن يتفاقم الخطر مع تدهور الوضع واقتراب الشتاء.
وقال "النظام الصحي في غزة ينهار"، مع استمرار 14 مستشفى فقط من أصل 36 في العمل من خلال الإمكانات المتوافرة لديها، منها اثنان فقط في شمال القطاع.