التجربة التشكيلية لسعد المهزرس في تطاوين

الثقافة فعل مقاومة وصمود والتمسك بالهوية والأرض

تمظهر من تمظهرات المقاومة وفضاء ناسامو سامو بشنني تطاوين طريق إبداعي للباحثين عن الجمال في اهازيج الجبال وحكايات النساء والذاكرة اما الفنان سعد المهزرس فعنوان دائم لثقافة المقاومة بالفن والدفاع الحقيقي عن لامركزية الفعل الابداعي في هذا الوطن.

سعد المهزرس فنان تشكيلي عصامي التكوين اختار قريته لشنني مساحته للرسم ولبعث الحياة في المنازل الصامتة، توجت مسيرته بالعديد من اللوحات المنطلقة اساسا من فكرة الدفاع عن طبيعة المكان، فنان له تجربة ثرية يخوض هذه المدة تجربة تشكيلية جديدة في رواق ناسامو سامو ذاك البيت الذي بعثت فيه الحياة وبعث من ركامه ليكون فضاء للحياة ولصخب اللون والفكرة.

المكان تيمة تشكيلية

تتناثر المنازل اعلى الجبل، بعضها لازال عامرا بسكانه واخرى بهت لونها لطول هجرانها، الجبل شامخ يحرس القرية وبقاياها مخبرا زوار المكان ان هنا كانت حياة جميلة، هنا في شنني اميرة الجبال كان صخب الاطفال واهازيج النساء تصنع الحياة ولازالت القرية عامرة ببقايا صخب الاطفال والذكريات الكثيرة المخزنة في قلوب النساء واحاديثهنّ، وكل التفاصيل الجميلة المدينة تلتقطها عدسة العاشق والمقاوم سعد المهزرس صاحب فضاء "ناسامو سامو" يرسمها ويبعث في القرية الصامتة ضحكات الالوان.
سعد المهزرس فنان تشكيلي اختار قريته الجبلية ليبعث فيها فضاء ثقافي سماه ناسامو سامو، الفضاء الذي فتح ابوابه للحياة منذ 2016، ولازال يقاوم ليزرع الحب واللون في شنني، سعد المهزرس ذاك العصامي العاشق للريشة والمكان، طفل في جسد كهل لازال يحلم بعودة الصخب والفرحة الى كل شبر في القرية شبه المهجورة، بالوانه يقدم باقة من الحياة لزوار المكان، بريشته يعيد الحياة الى بعض المنازل التي هجرها اهلها كليا ونزلوا الى القرية الجديدة، فالمكان في لوحات سعد المهزرس جزء من الهوية والوجود.
يعتبر المكان مرجعا فنيا اساسيا، وبين التجريب والواقعية تتدرج ريشة الفنان لتصنع عوالم تشكيلية مبهرة، في اعماله الجديدة اصبح الاخضر بتدرجاته سيد اللوحة، ملامح لاجساد انسانية وحيوانية كلها تحمل ثقلا ما، والاسود ينتشر على كامل خلفية العمل كما يحضر اللون الاحمر والقليل من الازرق فالتعامل مع محمل الالوان اصبح مختلفا وبات التجريب سيد الفكرة وريشة الفنان تلامس العقل قبل الروح والذاكرة البصرية.
يحاور اللون ويناور الفكرة ليرسمها متمردة، يسكنه الصراخ لاجل الوطن والارض وكل القضايا الانسانية العادلة فيحول ذاك الصراخ الى اعمال تشكيلية مشحونة بطاقة من الغضب، في احدى اعماله الجديدة يرسم الموت والتحدي كما تلتقطه ريشته، يحاور اعماق البحر واسماكه وما التهمته من اجساد حالمة واجهضته من افكار لم تكتمل بعد لصانعيها.
ظلمة البحر وظلامه تنقلها ريشة الفنان بطريقة سريالية تتموج فيها الالوان فيميل الى استعمال البني والاصفر مع ملامح لافواه مفتوحة وصدى لصرخات تكاد تسمعها بمجرد الوقوف امام العمل، فالفن التشكيلي اختزال للالم ولعوالم انسانية عديدة تجعلها الريشة ساكنة وتحنطها على العمل الفني فتبهر الناظر اليها وتدفعه الى السؤال عن قيمة الفن واهميته وكيف يستطيع الفنان تحويل الوجع الى لون مميز.

الانطلاق من الطبيعة والعودة اليها ميزة الفنان

لسعد المهزرس عوالمه الفنية الخاصة به فهو يحمل المكان في ثنايا القلب وعلى اللوحات، ينطلق من المكان ليشكله لونيا وخطيا كما يشاء، يرسم الطبيعة النقية التي لم يشوهها الانسان، يعيد الحياة الى قصور تطاوين وحكايات من سكنوا تلك الجبال في تموجات الخط المختلفة فالمكان ذاكرة ولوحاته تحرس الذاكرة الجماعية من الاندثار، للفنان طريقته ايضا في التلوين فهو اختار الطبيعة قبلته الاولى في اعماله القديمة المعروضة داخل الرواق استعمل التشكيلي النباتات الجبلية ومنها اخرج الوانه الاولى وصنع ريشة الرسم من سعف النخيل كما اعتمد على رمال الوادي وحصى الجبل الصغير كمادة لونية طبيعية ينثرها على العمل ولا علاقة لهذا التوجه بالمال بل يتعلق اساسا بحب كبير للطبيعة ولتفاصيل المكان الثرية بالحياة كما يقول الفنان.
تعتبر الطبيعة ملجئ الفنان للحلم ولاستلهام مواضيع تثري عمله الفني والانساني، الطبيعة في تطاوين لا تزال بهية ولا تزال الاراضي ممتدة لم يعبث بها الانسان لتكون مادة تشكيلية جد مميزة ووجود سعد المهزرس وانتمائه لطبيعة جبلية وقرية شامخة منذ القديم زاد اعماله بصمة من الصمود التي ينقلها من خلال حركة اللون، فالطبيعة في شنني مصدر للابداع والطبيعة بكل مكوناتها تعتبر مادة تشكيلية تغري الفنان لمزيد الرسم.
هنا "ناسامو، سامو" رواق فني مقاوم، فضاء للحياة يتوسط قرية شنني ويرحب بزوارها من التونسيين والاجانب ويحملهم الى رحلة عبر التاريخ والجغرافيا والحضارة عبر الفن وبقايا المنازل وحكايات اطفالها.
في ناسامو-سامو يصبح الفن ضد فكرة الفن نفسها، وتجاهد الصورة كي تنجو من جحيم فكرتها لتحقق فرادة وجود لا يتكرر ولا يمكن التنبؤ بأبعاده، إنه الرسم كفعل مستمر وليس كنتيجة، منطق العمل الفني لدى باسكيا ذلك الفنان الأمريكي الذي تأثر به شديد التأثر ابن قرية شنني الفنان سعد المهزرس.
والرواق ملجئ للفنانين الباحثين عن طبيعة جديدة وبيئة متجددة ليعرضوا لوحاتهم ويتاملوا افكارهم عن قرب فالرواق بعث ليكون مساحة للحب والابداع والشموخ في قرية جبلية تقاوم للبقاء.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115