الجيل المسرحي الجديد في تونس: نحت لملامح تجربة متجددة تقطع من السائد

يعتبر المسرح التونسي مسرحا رائدا عربيا وافريقيا فالتجربة التونسية لها خصوصياتها الجمالية والفكرية ،

يختلف المسرح التونسي عن غيره من التجارب المسرحية على مستوى الجراة في الطرح والاداء، وشهد المسرح التونسي ولادة تجارب فنية جديدة ومخرجين لهم مشاريع مسرحية متمردة على السائد والنمطية، جيل واكب الثورات التقنية ووظفها جيدا لتقديم فعل مسرحي ناقد ومواكب للعصر.

للجيل الجديد من المسرحيين رؤيته الخاصة للمسرح وللفنون، له طريقته في التعبير عن الشخصيات وكتابة ملامحها وابجدياتها، جيل يؤمن بالفكرة والممثل وينحت بجدية وعمل تجربة مسرحية متجددة تؤمن بالانسان وتننتصر له.

بحث فني مختلف ورغبة في صناعة فرجة بديلة

يصنع الجيل الجديد من المسرحيين الشباب جماليات مسرحية تقطع مع السائد، ويحاول البحث والتجديد على مستوى الصورة والفكرة المطروحة ايضا، اغلب الاعمال المسرحية يسيطر عليها البعد الاجتماعي فالمسرحي ابن بيئته وللمسرحي القدرة على تحويل هواجس المجموعة الى فرجة وطرح جمالي يزيد من الرغبة في طرح السؤال عن قيمة المسرح اليوم ومدى اهميته ولمن ينجز هذا الفعل؟.
الجيل الجديد من المسرحيين التونسيين له القدرة على تطويع التراجيدي الى كوميدي وبعث نفس من السخرية في اصعب المواقف واكثرها تعقيدا، جيل عايش العديد من الثورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تحولات عديدة عرفها المجتمع التونسي والعالم تشبّع منها هذا الجيل عبر وسائل التواصل الحديثة فاصبحت له القدرة على معرفة العالم وكلّ التحولات التي اثّرت ايجابا على المادة المسرحية التي اشتغل عليها هذا الجديد فنيا والمخضرم عمريا.
وتعتبر الاعمال المعروضة في تظاهرة "مواسم الابداع" واجهة لحركة مسرحية جديدة، تونسية المنشإ عالمية التوجه، اعمال تأخذ من الواقع التونسي وتشكّله مع مشاكل العالم ليكون الطرح الجمالي جد مختلف، اعمال تنطلق من الهنا وتحلق بجمهورها الى الهناك حيث السؤال الملحّ عن قيمة الفن وجدواه في عصرنا الراهن، وتدافع اغلب الاعمال التي ينجزها الجيل المسرحي الجديد عن حق الاختلاف وتدافع عن كينونة المسرح وتؤكد قيمة السؤال والابعاد الفلسفية في قراءة الاعمال المسرحية.
الاعمال المسرحية للجيل الجديد تختلف مضامينها، لكنها تشترك في فكرة الدفاع عن انسانية الانسان وجدلية الفكرة، فلا وجود لمقدس او ممنوع امام طوفان فني يشتغل عليه المسرحيون الشبان، نحن امام جيل من مبدعين يبحثون عن التفرد في اشتغالاتهم المسرحية على غرار اوس ابراهيم ومحمد كواص واسماء ثابت وامينة الدشراوي وعلي بالناصر ومؤيد غزواني لكل منهم مدرسته المسرحية التي ينسجم معها لكن جميعهم يطرحون بديلا جماليا ينطلق من مضامين تونسية ليقدم أفكار انسانية ولكل منهم مشروعه الفني الخاص وتراكمات يطورها من عمل الى اخر.
للجيل الجديد مدرسته الفنية الثورية، جيل لا يؤمن بالأفكار الجاهزة ولا القوالب المعمول بها، وهو قادر على كسر النمطية والتمرد على السائد لتأسيس فرجة بديلة تنسجم مع الثورات التكنولوجية التي يعايشها ومنظومة العالم القرية التي أصبح جزءا منها، يصنع لنفسه توجها فنيا مختلفا جدا عن الموجود ويطرح بديلا جمالي مختلفا فيوظف كل الفنون لخدمة المسرح واولها الصورة السينمائية والتكنولوجيا الحديثة ليقدم عرضا مقنعا ومبهرا في الوقت ذاته.
جيل يثور على قداسة النص ويتوجه الى لغة الجسد، يتمرد على فكرة الديكور ويعوضها بالإضاءة والموسيقى، يؤمن بالتخصص ويدافع عن قدرة الممثل على ايصال كل الشيفرات دون الحاجة الى بذخ في المنطوق.
جيل له افكاره والرغبة الحقيقية في تأسيس مدرسة تشبه رؤاه لكنه يصطدم في الكثير من المرات بسيطرة الجيل السابق على مفاصل الإدارة وعلى المشهد المسرحي عموما (الانتاج والتوزيع)، يحاول الجيل الجديد إثبات قدرته على النجاح وسط منظومة من البيروقراطية رافضة للاختلاف والتجديد الذي يمارسه هذا الجيل الصاعد، ومن هذا الصدام يتوّلد ابداع وجماليات ثورية وصور فلسفية مغايرة للسائد.
الممثلون رهان ناجح في المسرح التونسي
يعتبر الممثل عماد العمل المسرحي وقدرة الممثل وطاقته الجبارة على الركح من مميزات ورهانات المسرح في تونس، ويعتبر الممثلون في اغلب الاعمال المقدمة ضمن مهرجان "مواسم الابداع" يعتبرون الرهان الكاسب في العمل المسرحي، جيل من الممثلين لكل قدرته وطريقته في ايصال الشخصية ومقومات النجاح وكيفية اقناع المتلقي بها وهم يشتركون في الرغبة الحقيقية للوصول الى ذاكرة الجمهور والتربّع فيها.
نجح الممثلون في نحت المسارات العامة للأعمال المسرحية المقدمة، كتبوا نجاحات الأعمال الجديدة خاصة، فعلى الركح أبدع اسامة غلام ويسرى الطرابلسي في مسرحية "الفيرمة" لغازي الزغباني ونجحت اصالة كواص في نحت ملامح شخصية "كان" في مسرحية "حاجة اخرى" اخراج محمد كواص وقدمت شخصية لدمية بلاستيكية ونجحت في ايصالها الى المتفرج دون الحاجة الى الصراخ او التشنّج.
على الركح ابدعت هيفاء الكامل في تقديم شخصيتها في مسرحية "شعلة" اخراج امينة الدشراوي وتماهت الممثلة مع شخصيتها حدّ التناص، كما اثبت مروان المرنيسي و فريال بوبكر واسلام بن سالم قدرة متميزة على نحت مسارات الشخصية وايصال مشاعر الخوف والصدق في مسرحية "قودزيلا: الظاهرة" اخراج اوس ابراهيم.
للممثلين في المسرح التونسي خاصة منهم الشباب وعي جد خاص بالشخصيات، يقبلون عليها بنهم الطفل لاكتشافها لذلك نجد مروان ميساوي يبدع كلما صعد على الركح وكذلك بوبكر الغناي له القدرة على الدخول الى اعماق الشخصية وتناقضاتها لتقديمها امام جمهور المسرح.
للجيل الجديد من الممثلين بصمته الخاصة على الشخصية، يضفي عليها الكثير من ملامحه الخاصة جسديا ونفسيا، في "ما يراوش" على سبيل الذكر هناك شبه كبير بين اسامة الماكني واسامة الحنايني وايهاب بن رمضان والعرائس التي يحركونها وتنطق بالسنتهم، ممثلون اصحاب قدرة على الانتقال من مدرسة تمثيلية الى اخرى بسلاسة دون الحاجة الى الكثير من التشنج والصراخ، هم متمكنون من شخصياتهم وافكارهم وهم قادرون على الدفاع عن جودة الممثل في جماليات المسرح التونسي.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115