«معهد المرأة العالمي الاول للقيادة «وذلك بهدف مواجهة العنف، بانواعه، ذلك العنف الذي يستهدف النساء والفتيات، وتبدأ الحملة كل سنة يوم 25 نوفمبر الى غاية يوم 10 ديسمبر، ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الذي يؤكد على «ان جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأنه لا يجب التمييز بينهم بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين».
• أرقام مفزعة:
رغم مرور عقود على بداية الحملة ورغم ما أحرزته المرأة من تقدم على مستوى التعليم والثقافة وتحمّل المسؤوليات، وكذلك على مستوى التشريعات والقوانين، فان العنف الذي يستهدف النساء في العالم ما انفك يتصاعد بشكل يدعو الى الفزع ، حيث ورد في تقرير الامم المتحدة الاخير (25 نوفمبر2019 ) تعرّض ثلث نساء العالم إلى العنف الجنسي والجسدي ، وتعرّض امرأة أو فتاة من بين ثلاث نساء في العالم الى الاعتداء الجنسي والجسدي ، مع ما يخلفه ذلك من آثار مدمرة على المستويين الجسدي والنفسي، والاخطر ان عادات وتقاليد المجتمع كثيرا ما تجبر الضحية على الصمت.
وامام تفاقم جرائم الاغتصاب والجنس القسري ضد المراهقات والنساء عامة وامام الصمت الذي يرافق ذلك ، حيث جاء في نفس الدراسة ان عدد المبلغات عن اغتصابهن لا يتجاوز 10 بالمائة في العالم ، وامام غياب القوانين التي تجرّم هذا الفعل في اماكن كثيرة من العالم ، حيث ان 41 بالمائة فقط من الدول تجرّم بشكل صريح الاغتصاب ، فقد أختير في هذه السنة اللون البرتقالي تحت عنوان «لوّن العالم برتقاليا : جيل المساواة ضد جرائم الاغتصاب»، وقد وقع الاتفاق ان تضاف لمسة برتقالية على المباني العامة ، رمزا لارادة اممية ترى مستقبلا اكثر اشراق ، خاليا من العنف ضد النساء .
الا ان الواقع لا يبشر بذلك ولا يقتصر العنف ضد المرأة على دول العالم الثالث، حيث تسيطر العادات والتقاليد الذكورية الموروثة دينيا واجتماعيا التي تحط من شأن المرأة ، بل أصبحت النساء في الدول المتقدمة اكثر فاكثر عرضة للعنف ، فقد خرجت عديد المظاهرات في فرنسا يوم 25 من الشهر الجاري للتنديد بتصاعد مظاهر الاغتصاب والقتل ، الدراسة التي أوردتها كاتبة الدولة المكلفة بالمساواة بين الرجال والنساء ، تنذر بالخطر ، اذ تفيد ان أكثر من 120 فرنسية تقتل سنويا عن طريق شريكها وان امراة تغتصب كل سبع دقائق ،في بلد عرف الحركة النسوية منذ بدايات القرن العشرين...
• «لا نولد نساء ، بل نصبح كذلك»
لا غرو ان تسوء أوضاع المرأة في بلدان تعتبر ريادية في الفكر والتنوير والمساواة ،فقد استهدفت العولمة وما تبعها تحرير سوق النساء بشكل خاص ، حين فاقمت من التشغيل الهش الذي يكنّ أول ضحاياه ، هن اللواتي يشتغلن في قطاعات مثل النسيج والفلاحة الموسمية والخدمات ، باجور منخفضة احيانا ودون حماية اجتماعية، في قطاعات خاصة لا تهتم الا بالربح وباليد العالمة منخفضة الثمن ،
اضافة الى استعمال جسد المرأة في الدعاية والاشهار مما يفقدها ، في عيون المجتمع ، ذلك البعد الانساني ، اي ان تكون كائنا بشريا محترما ، له عقل وقدرات و ارادة، وهذه الصورة النمطية التي ترى في المرأة جسدا استهلاكيا ، هي التي تضاعف من مخاطر الوصم والاحتقار وتنمي من مظاهر العنف الجنسي ، إذ أنه حين ترتبط خصائص المرأة باوصافها الجسدية، فقط،تُفرض تلك الصورة على مزاج المجتمع فيستبطنها .
• القوانين وحدها لا تحمي المرأة:
في تونس ، جاء القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017، الذي يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة ليكون رافدا جديدا للتشريعات والقوانين التي تحمي النساء وتتجه نحو المساواة ، الا ان التشريعات وحدها تعتبر غير كافية والارادة السياسية تبقى منقوصة دون توفير الآليات التي يمكن بواسطتها تطبيق تلك القوانين، وتبيّن ذلك سريعا، إذ بعد أشهر بعد سريان القانون اثبتت الدراسة الرسمية ان نسبة النساء ضحايا العنف الجنسي في تونس قد بلغت 43.8 ٪ وان نسبة 90 ٪ من النساء قد تعرضن للتحرش الجنسي في وسائل النقل العمومي...
وزيرة المرأة اعترفت بالنواقص في الصائفة الماضية وقالت ان النصف الاول من سنة 2019 سجل 40 الف شكوى قضائية تتعلق بالعنف ضد النساء... كما أكدت على وجود نقائص تتعلق ببعض الجهات المتقبلة لشكوى المرأة من العنف، حيث ترفض بعض الادارات تقبل هكذا شكاوي وذلك بتعلة الحفاظ على الاسرة،، اذ قالت ، في اوت الماضي ، ان «هناك حالات تبلغ فيه المرأة عن العنف المسلط ضدها ، لكن بعض الاشخاص يرفضون تسجيل شكايتها أو يرفضون مدها بشهادة طبية بدواعي الحفاظ على تماسك الاسرة» دون ان تبيّن الوزيرة ، ماهية الخطوات التي يجب اتباعها في هذه الحالة .
العنف السياسي بدوره تصاعد خلال الفترة الاخيرة مع صعود تيارات محافظة تحمل تصورات تقليدية لدور المرأة في الاسرة والمجتمع، وبدا ذلك واضحا منذ الانتخابات الاخيرة ،حيث تراجع موقع المرأة في مجلس نواب الشعب من 35 الى 23 بالمائة، ولم تترأس القائمات الانتخابية إلا 5 نساء فقط، ولا يتوقع الكثير من مشاركة المرأة في الحكومة القادمة، خاصة من خلال مشاورات رئيس الحكومة المقترح و التي اقتصرت الى حد الان على الرجال واستثنت رائدات في المجال الحقوقي والسياسي والاجتماعي...
ولئن نفخر أحيانا بأن التعليم في تونس قد أنصف المرأة -حيث تثبت الاحصائيات الاخيرة ان 50 بالمائة من الاطباء و40 بالمائة من القضاة و72 بالمائة من الحاصلين على ديبلوم في الصيدلة و 62 من الطلبة هن نساء- الا اننا نصاب بالاحباط حين نعلم ان نسبة البطالة في صفوف النساء التونسيات هي ضعف النسبة لدى الرجال وان نسبة تشغيلهن لا تتجاوز الثلاثين بالمائة.
الأكيد اليوم أن أشكال العنف التي تستهدف المرأة مترابطة ولا يمكن الفصل بين العنف الاقتصادي والسياسي والجسدي والجنسي ، والاكيد ايضا ان المجتمعات مهما بلغ تطورها العلمي والتقني ، لا يمكنها ان تحقق العدالة ولا التوازن المجتمعي المطلوب اذا كان نصفها يخضع للحيف والقهر.