لأوانها وهي سابقة في تاريخ تونس وكذلك الانتخابات التشريعية ،حيث كانت لها مهمّة البتّ في ما يعرف قانونا بالنزاع الانتخابي،تجربة ليست الأولى من نوعها ولكن في كلّ مرّة تطرح معها سلسلة من الصعوبات التي يمكن تصنيف إلى صنفين، قصور الإطار القانوني ونقص الموارد اللوجستية والمالية.
• الجزء الاوّل : صعوبات اعترضت القضاء الإداري بسبب قصور القانون الانتخابي:
خضع القضاء الإداري الانتخابي خلال فترة النزاعات الأخيرة لسنة 2019 إلى وضعية إستثنائية غير عادية من خلال ما أظهرته الأحكام الانتخابية المضمنة بالنصوص الدستورية والتشريعية والترتيبية من عدم قدرة على استيعاب إحداثيات جديدة أفرزها الواقع السياسي التونسي.(وسنكتفي في هذه المداخلة بأهمها بالنظر إلى وزرها الكبير على عمل القضاء الإداري الانتخابي) فوفاة رئيس الجمهورية اللاحق لضبط رزنامة الانتخابات التشريعية و الرئاسية:
1/ فرضت تحت ضغط احترام الآجال الدستورية المضمنة بالفصل 84 من الدستور وتزامن إجراء صنفي الانتخابات في زمن متقارب.
وقد أدت هذه الوضعيّة إلى بتّ القضاء الإداري الانتخابي في 6 أطوار انتخابية في أربعة أشهر : ما بين 6أوت 2019 إلى 6 نوفمبر 2019 وهي وضعية فريدة في النظم الانتخابية المقارنة .مع الملاحظ انّ الفترة المشار إليها تزامنت كذلك مع إجراء انتخابات بلدية جزئية و التي ترجع نزاعاتها -كذلك- للقاضي الإداري الانتخابي.
هذه الوضعيّة تصدّى لها و أنجزها القضاء الإداري (قضاة وإداريين ) بكامل الحرفية والشعور بالمسؤولية الوطنية ولكن بإمكانيات ذاتية لا ترتقي إلى ما هو مطلوب في المعايير الدولية لحسن سير القضاء (وسنأتي على بيان ندرة الإمكانيات المتاحة للقضاء الإداري ).
ومن الضروري تعديل الأحكام المتعلقة بضبط الرزنامة الانتخابية في اتجاه توضيح فرضيات الجمع أو التباعد بين مواعيد مختلف أصناف الانتخابات والترتيبات اللازمة و المناسبة لها.
2/كما فرض حدث وفاة رئيس الجمهورية اللجوء إلى اختصار الآجال وتوحيدها بخصوص جميع مراحل الانتخابات السابقة لأوانها و النزول بها إلى أدناها.وقد تمّ في وقت قياسي اللجوء إلى تعديل تشريعي (القانون الأساسي عدد 76 لسنة 2019 المؤرخ في 30 أوت 2019).ورغم أن واضع التعديل التشريعي بحث في اختصار الآجال على مستوى أطوار التقاضي فقد تمّ رفع تحفظات واضحة من قبل القضاء الإداري تتعلق بضمانات المحاكمة العادلة حتى لا يتحوّل التقاضي لديه إلى مجرّد وضع أختام على قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وقد عمل القضاء الإداري رغم ضيق الآجال طبق الضمانات القضائية المعمول بها في الآجال العادية والمتعلقة بما هو مخوّل له من سلطات التحقيق و البحث والتحري خاصة في ما يتعلّق بحقوق الترشح للانتخابات الرئاسية (البحث في سلامة التزكيات الشعبية و كذلك مرفقات ملفات الترشح المستوجبة.....).
الآن وقد انتهت فترة البت في النزاعات الانتخابية فعلى المشرع الجديد التفكير مليّا والسعي إلى تغيير الآجال المنصوص عليها بالدستور بخصوص الانتخابات السابقة لأوانها سواء الرئاسية او التشريعية خاصة وأن الإشكال قد يطرح بشكل أكثر حدة وخطورة لو تحققت إحدى فرضيات الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها.فمن المعلوم انه طبق القانون الانتخابي الحالي فكل طور قضائي يستوجب أجل 5 أيام للانتهاء من النظر في الطعن الانتخابي , وبالنظر إلى أنّ عدد الطعون في التشريعيات هو أضعاف ما هو عليه في الرئاسيات فقد يكون من المستحيل في ظل الهيكلة القضائية الحالية احترام آجال البت في الطعون أو أن نقبل بأن يتحول التقاضي الانتخابي إلى مجرّد مصادقة إدارية على قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وفي ذلك إهدار لحقوق الناخبين و المترشحين و لمصداقبة كامل المسار الانتخابي.
• الجزء الثاني : صعوبات اعترضت القضاء الإداري الانتخابي بسبب قلة الإمكانيات المادية واللوجستية :
*كان من المفروض أن يتزامن إسناد اختصاص البت في النزاع الانتخابي ضمن آجال ضيقة ومختصرة بتوفير الظروف الملائمة للقضاة و للإدارة القضائية لحسن سير فترة البت في النزاعات الانتخابية غير أن ذلك لم يتمّ مما جعل المحكمة الإدارية تتحرّك ضمن الإمكانيات المتاحة وفي بعض الحالات بحلول مبتدعة.
1/-على مستوى الإجراءات:من المعلوم أن الطعن الانتخابي محكوم بجملة من الإجراءات التي تحدّد سلامة القيام به و تهيئة ملفات الطعن و حصول إعلام الأطراف المعنية به وأنّ أي خلل في إدارة تلك الإجراءات من قبل المحكمة قد يؤدي إلى تعطيل والنيل من حقوق المتقاضين وحتى من ضمانات المحاكمة العادلة.
- بخصوص تهيئة ملفات الطعن:يقتضي تجهيز ملف الطعن للفصل توفير جملة من المعطيات و الوثائق و التي يكون فيها لسيف الأجل المختصر أثره المباشر على سلطة التحقيق و البت المسندة للمحكمة.
مثال أول: بمناسبة النظر في الطور الاستئنافي في نزاعات الترشح للانتخابات التشريعية وجدت الدوائر الاستئنافية للمحكمة الإدارية ,في غياب آلية لنقل الملفات الابتدائية من المحاكم العدلية في الجهات إلى العاصمة في الوقت المناسب, أمام إشكالات وصلت إلى حدّ نقل تلك الملفات ووثائقها عن طريق «الهواتف الذكية» بين الزملاء رؤساء المحاكم الابتدائية العدلية ورؤساء الدوائر الاستئنافية بالمحكمة الإدارية .
وهذه الطريقة محفوفة بالمخاطر سواء بالخطإ (البشري) في ارسال كامل وثائق الملف أو عدم وجود الهواتف بالمواصفات اللازمة لدى الزملاء أو حتى بسبب عدم الحصول على الزملاء ....
مثال ثان : على اعتبار أن الطريقة الأسرع في طباعة وثائق الملف وتوزيعها على مختلف أعضاء الهيئة القضائية هو «السكانار» فإن ذلك يقتضي توفير أكثر من آلة من ذلك النوع مع تدعيمها بالعدد اللازم من آلات طباعة الأوراق.وقد عانى زملاؤنا الكتبة والإداريون من هذا النقص...
- بخصوص الاعلامات: تعدّ الاعلامات بمواعيد جلسات المرافعة و بالأحكام الصادرة عن مختلف الدوائر القضائية للمحكمة من أهم الإجراءات في سير النزاعات الانتخابية.
ويقتضي احترام هذا الإجراء توفير أكثر الوسائل الاتصالية وخاصة الخدمات عبر البريد السريع على مدار الساعة ومهما كان الزمن.وقد كان من الأجدر تجنيد إدارة البريد السريع طيلة فترة البت في الطعون لا أن تتولى المحكمة الإدارية تحمّل هذا العبء وابتكار وسائل تكلفها مجهودا بشريا وماديا إضافي.
- في خصوص العمل أيام العطل:
اقتضى البت في النزاعات الانتخابية العمل أيام العطل و الأعياد الرسمية وخارج أوقات الدوام الرسمي بالنسبة للقضاة أو الأعوان و عملة المحكمة الإدارية.وقد كان من المفروض إحداث منحة العمل الإضافي من قبل ويبدو أنّ هنالك توجّها نحو إقرارها في قانون المالية الحالي وهذا أمر محمود.
- في تأمين سلامة المحاكم:
على الرغم من أهمّية البت في النزاعات الانتخابية وحساسيتها وحتى خطورتها في بعض الحالات للحسم في المصير السياسي لأشخاص أو هيئات فإنّ الوضع يقتضي أن يرافق البتّ في مثل هذه الطعون حراسة أمنية لمقرات المحكمة غير أنّ عمل القضاة والإداريين بقي دون حماية وهذا أمر خطير ينبغي تلافيه في المستقبل.
2/- على مستوى الموارد المادية:
لا أحد ينكر دور القضاء في المسار الانتخابي (العدلي والمالي والإداري ) و اعتباره الضامن لمقبوليّة نتائج الانتخابات وهو بذلك حلقة رئيسية و لا ينبغي أن يعامل على أنّه الحلقة الأضعف أو بأيّ شكل فيه تهميش أو نيل من مكانته.
فمن غير المعقول أن ترصد ملايين الدينارات للادارة الانتخابية في حين يكون نصيب القضاء في فترة البت في الطعون الانتخابية صفر مليم رغم العبء المالي الإضافي الذي يتحمله في إنجاح كامل المسار الانتخابي.فلا بدّ على الأقلّ من رصد عنوان في الميزانية المسندة للانتخابات إلى جانب إدارة الانتخابات للقضاء الانتخابي في فترة البت في الطعون الانتخابية.
فإذا كانت الوضعيات التي عمل فيها القضاء الإداري الانتخابي قد نجح فيها رغم الصعوبات المادية واللوجستية فقد تأتي وضعيات أخرى تستحيل فيها المهمة في حماية شفافية و سلامة المسار الانتخابي ومبادئ المحاكمة العادلة لهذا السبب المادي .ها قد بلغنا فهل من متّعض ؟