ونظم الحراك الشعبي عدة مسيرات سيارة في عدد من مدن لبنان من طرابلس شمالا الى صور جنوبا ، وأهم المطالب التي رفعت هي إعادة الأموال المنهوبة واستقلالية القضاء ووضع خطة اقتصادية تنقذ البلاد والعباد ومحاسبة الفاسدين. وطالب المحتجون ايضا بالحد من الفساد المستشري ومن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية .
وكانت الاحتجاجات قد شهدت تراجعا خلال الفترة الماضية بسبب جائحة كورونا وما فرضته من حجر منزلي، ولكن ذلك لم يمنع المحتجين من اطلاق صرخة غضب جراء تردي الوضع الذي زاده وباء كورونا سوءا .
فاليوم يعاني البلد من أزمة مالية صعبة مع تدهور أسعار العملة اللبنانية مقابل الدولار ووصلت الى مستويات جنونية لم تعرفها حتى في أشد أيام الحرب اللبنانية وأكثرها قتامة . ويحمّل اللبنانيون وزر هذا الانهيار للطبقة السياسية التي احتكرت الاقتصاد وعالم المال والأعمال وأدت الى دعم بروز نظام رأسمالي متوحش بكل ما للكلمة من معنى ، يتراجع فيه دور الدولة الراعية وتصبح فيه مجرد متفرج وشاهد على معاناة الشرائح المعدمة وتراجع الطبقة المتوسطة .
ولعل المشهد الأكثر قتامة لم يأت بعد خاصة مع توقعات البنك الدولي بأن 40 في المئة من اللبنانيين سيكونون في فقر بحلول نهاية هذا العام.
سبق ان دفع اللبنانيون غاليا من دمائهم وأرواحهم ثمن 16 عاما من الحرب الأهلية المدمرة التي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990. واليوم يدفعون مجددا من أموالهم واقتصادهم المنهك ثمن المعادلة الاقتصادية الخاطئة واهدار المال العام على مدى سنوات وهو ما أوصل البلد الى هذه الأزمة غير المسبوقة .
اليوم أمام هذا البلد تحديات صعبة وامتحانا كبيرا سيخوضه بعد زوال وباء كورونا لإعادة ترميم الوضع الاقتصادي الهش واطلاق خطة انقاذ وطنية شاملة للحفاظ على علم الأرز شامخا مرفرفا في الأجواء ، رغم كل الأعاصير السياسية والمالية والاقتصادية ...وربما بارقة الأمل اليوم تأتي من الأرقام التي تتحدث عن قرب الخروج من جائحة كورونا مع تراجع معدلات الإصابة خلال الأيام الماضية بعد ان سجّل لبنان 677 إصابة حتى الآن، بينها 21 وفاة.
فهل يستطيع بلد الأرز مقاومة «الجائحة» الاقتصادية الأصعب ؟