مطالبة بالتعويض تحت ما يسمى قانون جاستا.
قانون جاستا هو مشروع قرار قدمه كل من عضوي مجلس الشيوخ الأمريكي شارل شومر وجون كورنر وعنوانه «العدالة ضد رعاة الإرهاب»وجاستا هي اختصار للحروف الأولى باللغة الإنجليزية للمصطلح المذكور. وقبل أن ندخل في تفاصيل المشروع دعنا نتحدث قليلا عن العلاقات السعودية الأمريكية.
قبل اكتشاف النفط في السعودية كانت الولايات المتحدة غير مهتمة بتلك الدولة الصحراوية الشاسعة قليلة السكان والموارد وكانت تعين موظفين صغارا لمتابعة الملف السعودي. بعد إنشاء شركة أرامكو للتنقيب عن النفط عام 1933 وبعد اكتشاف النفط أقيمت أقوى العلاقات وأمتنها بين البلدين. أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية كاملة مع السعودية عام 1940 وانتقل السفير الجديد بيرت فيش من القاهرة إلى جدة لتأمين النفط والنظام السعودي أثناء الحرب العالمية الثانية. ورغم توتر طفيف في العلاقات بين البلدين عند إنشاء الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين. لكن العلاقات بقيت صلبة للغاية وخاصة في بداية الحرب الباردة حيث كان هناك تخوف حقيقي من المد السوفياتي. وضعت الولايات المتحدة حماية النظام السعودي على رأس أولوياتها وقد طمأن ترومان الملك عبد العزيز بن سعود أن لا
خوف على نظامه من الخطر السوفياتي. وتعزز الوجود العسكري الأمريكي في السعودية وبقية دول الخليج، فقد وقعت السعودية عام 1951 اتفاقية حماية أمنية وسمحت بموجبها بإبقاء قوة عسكرية في البلاد؟
لقد لعبت السعودية دورا محوريا في محاربة الفكر الماركسي من جهة ومن جهة أخرى وقفت في وجه الحركات القومية التي كانت منتشرة آنذاك في عموم الوطن العربي ووضعت في سلم أولوياتها الوقوف في وجه عبد الناصر والأحزاب القومية كلها وتشجيع الحركات الإسلامية كما أنها إحتضنت قيادات الإخوان المسلمين الهاربين من مصر وسوريا وشجعت الحركات الإسلامية الأصولية لإيجاد حاجز أيديولوجي ضد المد القومي آنذاك. ولذلك بقيت السعودية من الناحية الاستراتيجية عضوا فاعلا في منظومة أمن الخليج رغم كل العوائق التي شابت العلاقة وخاصة بعد وقف إمداد النفط بعد حرب 6 أكتوبر المجيدة. لكن ساعة الامتحان جاءت بعد إحتلال الجيش العراقي للكويت بتاريخ 2 أغسطس حيث وجدت السعودية نفسها تحتضن أكبر «أرمادا» في تاريخ الحروب ينطلق من أرض عربية ضد أرض عربية أخرى.
تغير الأمور بعد الحرب الباردة
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتعرف على 15 شخصا من السعودية تغيرت كل الأمور وأصبحت نظرة الشعب الأمريكي للسعودية نظرة مختلفة تماما وأصبحت بلدا يصدر التطرف والايديولوجيات الراديكالية التي تعمل باسم الدين. لقد حفرت الأحداث صورة نمطية سلبية ومن الصعب تغييرها بسهولة رغم تجنيد شركات الضغط وصناعة الرأي العام بهذه المهمة.
من جهة ثانية قررت إدارة أوباما منذ الدورة الأولى أن تخفف من إعتماد البلاد على النفط من جهة ومن جهة أخرى زيادة الإنتاج المحلي بحيث يصبح الاعتماد على بلد واحد غير وارد وهو ما نجح فيه أوباما مؤخرا حيث أصبحت الولايات المتحدة تستورد كميات أقل من النفط السعودي. فقد ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط ليصل إلى 8.2 مليون برميل يوميا بزيادة 3 % عن مجموع ما كانت تنتجه عام 2011. ولاية تكساس ستتفوق قريبا على كل ما تنتجه الكويت. كما قامت الولايات المتحدة باستبدال كميات من نفط دول الخليج من «النفط الخفيف» من نيجريا وليبيا والجزائروأنغولا.
النقطة الثالثة والمهمة وهي أن الولايات المتحدة محرجة من إقامة علاقات حميمية مع نظام لا يحترم أدنى وأبسط حقوق الإنسان كحقوق الطفل وحقوق المرأة ومعاملة العمال الوافدين ويفتقر الى المحاكمات العادلة وحق التظاهر السلمي وحق التعبير وحرية الصحافة وكل أيقونات حقوق الإنسان. ان التدخل الذي مارسه النظام السعودي ضد ثورات الربيع العربي لإجهاضها و«نجح في ذلك تقريبا» قد سبب ضيقا وحرجا للولايات المتحدة حيث ترى أن النظام القائم على عائلة كبيرة تملك بيديها كل مقاليد الأمور في بلد غني لا ينتمي إلى عصر الحريات والانترنت وصحافة المواطن وحرية التعبير والرأي والتجمع يعمل على وأْد حركات ديمقراطية نابعة من إحتياجات حقيقية لتلك الشعوب. كما أنفقت المملكة ما مجموعه 130 مليارا في الداخل لامتصاص النقمة والاحتقان الداخليين.
على هذه الخلفية كانت زيارة الرئيس أوباما القصيرة للمملكة في 2014 أقرب إلى الزيارات البروتوكولية. ملفات الخلافات عميقة بين الطرفين من بينها سوريا وإيران ومصر والحركات الإسلامية ووضع حقوق الإنسان وغيرها لكنها يمكن أن تحل فيما لو ترجل النظام السعودي عن صهوة جواده ونزل من عليائه وبدأ في بناء الدولة الحديثة القائمة على دستور واضح وتعددية فكرية وتداول على السلطة واحترام حقوق الإنسان. صحيح أن المخاوف الأمنية لدى السعودية في تصاعد لكن الصحيح أيضا أن المواقف الأمريكية في تباعد عن المواقف السعودية بنفس الدرجة.
ثم جاءت الاتفاقية الإيرانية مع الدول الخمس زائد ألمانيا ضربة للسعودية التي كانت تراهن مثل إسرائيل على إمكانية إفشالها داخل الكونغرس وعندما أستطاع أوباما أن ينجح في تمرير الاتفاقية أسقط في أيدي السعودية واحتارت كيف يمكنها أن تتعامل مع دولة إيران القوية ذات الاقتصاد الضخم وخاصة أن مليارات الدولارات المجمدة ستعود لتضخ مزيدا من الحيوية في الاقتصاد الإيراني.
أضف إلى أن الملفات المفتوحة في اليمن وسوريا وانخراط السعودية في هذين الصراعين قد كلف خزينة الدولة مليارات الدولارات تزامن كل ذلك مع انخفاض أسعار النفط مما أجبر الحكومة على اتخاذ إجراءات تقشفية وتخفيض الرواتب وتجميد العديد من المشاريع.
عبد الحميد صيام باحث في الشؤون الأمريكية