ما الاختلاف بين الظاهر والباطن وفقا لمنظوره؟
من يمتلك مشروعية التأويل برأي ابن رشد؟
مثّلت هذه الأسئلة المبهمة منبر جدل إشكالي نُظّم مؤخرا ببيت الحكمة، حيث نظّم قسم العلوم الإسلامية بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون محاضرة حول الفهم الفلسفي لمتشابه الشّرع على رأي ابن رشد للأستاذ مقداد عرفة منسية، تلك التي تتنزّل ضمن اهتمام أكاديمية «بيت الحكمة» بالشؤون العلمية والفكرية المختلفة كما ورد في افتتاحية رئيس المجمع الدكتور عبد المجيد الشرفي. ومن الطبيعي أن تثير مسائل المتشابه والتأويل والأقاويل البرهانية والخطابية والجدلية والفهم الفلسفي للشرع إشكالات لامتناهية، وإن سلّمنا بأنّ « الشريعة هي الأخت الرّضيعة للفلسفة»، إذ تطرح في هذا الإطار أسئلة على النحو التالي: من يفكّك المبهم؟ ما هي المجالات التي تحتمل مناهج التصديق البرهاني؟ من يرسم المسافة بين المنقول والمعقول؟
أجاب الأستاذ مقداد عرفة منسية على تلك الإشكالات، مركّزا على «الرؤية الإصلاحية» للمشروع الفلسفي الرشدي(ابن رشد)، وتتجلّى مقوّمات الإصلاح لدى الفيلسوف حسب المحاضر في حسم قضايا معرفية وتصحيح مفاهيم سائدة أبرزها تصنيف الذوات العارفة التي يقسّمها صاحب «تهافت التهافت» إلى فئة الجمهور بوصفها «صنفا لا يدرك الباطن»، وفئة الجدل المؤوّلة للنّص الديني وقد تفعل ذلك تحت تأثيرات ايديولوجية، ثم فئة البرهان المؤهّلة «لفهم مقاصد الشارع» . لقد شدّد في هذا السياق الأستاذ منسية على أنّ تصحيح الانحرافات الدينية والعلمية يشترط الالتزام بالمعايير والأصناف المعرفية ومناهج التصديق، فما تدركه نخب القياس المنطقي والبرهان العقلي واستنطاق الباطن عصي عن العوام، فكم هي عديدة الفئات التي استعادت النّصوص لحسابها الخاص منصّبة نفسها سلطة مالكة لصكوك الغفران؟ ألا يحتاج التأويل واستنطاق الباطن إلى قدرة حجاجية؟ ألسنا بحاجة إلى أدوات معرفية ودربة تجريدية للتمييز بين «المعنى الموجود بنفسه» والمعنى الذي نأخذه «على جهة التمثيل»؟
وعليه يدعو المحاضر إلى ضرورة فهم «الآلية المتوخّاة من الشارع في وضع الشرع وصياغته أوّلا، وفي تحديد خاصيات خطاب الشرع ثانيا»، طارحا من خلال هذه المفاهيم أسئلة تظل مفتوحة، وإن اعتقدنا في حسمها لاعتبارات عقائدية أو ايديولوجية، لأنّ ضفاف الميتافيزيقا بلا حدود، وعوالم المعنى مترامية الأطراف، وغالبا ما تكون بحاجة إلى مراجعات مطّردة وإن كانت على طاولة الراسخين في العلم.