"اثر الفراشة" عنوان مسرحية موجهة للاطفال نص واخراج لعاطف الحمداني،وهو عمل مسرحي مسكون بالالوان وبرسائل عديدة تعلم الطفل معنى استعمال العقل والحفاظ على الطبيعة.
مسرح الطفل فن هادف، جمهوره صعب لانه يتوجه الى شريحة عمرية لا تعرف "المجاملة" فإما ان تقنع الطفل بالعرض او سيتجه الى التشويش والمغادرة، مسرح الطفل فن ملتزم يدافع عن حق الطفل في الثقافة وحقه في فرجة تحترم عقله وتدافع عن القيم الكونية التي يجب ان يعرفها الطفل قبل تبنيها، رسائل متعددة خبرها المسرحي عاطف الحمداني في تمثيل مع كل من اماني المبروكي وحسان الحناشي ومريم الزياني والفة خليفة ونوح الرمة ونزار الكشو، و موسيقى لمنتصر عويني واضاءة رياض توتي.
بين دفات الكتاب تكون اجمل رحلات الخيال
"اثر الفراشة" مسرحية مكتوبة بلغة عربية بسيطة موجهة للطفل، عمل مشحون بالالوان والعديد من الرسائل التربوية والتثقيفية، احترم المخرج المعايير الضرورية لانجاز عمل موجه للطفل، فكان النص جميلا وشاعريا وكان "الكوستيم" يتلاءم مع الاحداث المطروحة بالاضافة الى التجديد في الموسيقى مع الإضاءة وتفاصيل السينوغرافيا لتقديم مشهدية تبهر الطفل وتشجعه على الخيال أيضا.
مجموعة من المشاهد والصور تتغير حسب احداث المسرحية، خامة صوت الممثل تتماهى مع الشخصية، يكون الصوت لينا لدى الشخصيات الطيبة ويصبح اكثر شدة لدى غيرها من الشخصيات الشريرة، في النص لعب الكاتب على الموروث الشعبي لدى الطفل "قصة الغولة" مع حكايات من الادب العالمي، مع مزج بين الكثير من الافكار لخلق نص مسرحي ممتع ومشاهد تحترم عقل المتلقي الصغير.
اختلفت التجارب المسرحية للممثلين، تباينت اعمارهم وكذلك علاقتهم بالتمثيل لكنهم اشتركوا في تقديم مادة ابداعية مقنعة، "اثر الفراشة" مسرحية تنقل رحلة شاقة يخوضها ثلاثة اخوة "لينا" و"بديع" و"سريع" بحثا عن "التفاح" من الغابة المسحورة لشفاء والدهم الملك "سلطان" من لعنة اصابته واصابت نسله دائما.
الأميران يجدان في نفسيهما القوة الجسدية والسرعة والقدرة البارعة على استعمال السلاح لكنهما يرفضان ان تصاحبهما الأخت الصغرى، فيصر الوالد ويؤكد ان القوة في العقل لا في الجسد، ومع تتالي الأحداث يكتشف الجمهور انّ الطفلة "لينا" هي الأقدر على فك المشاكل وتجاوز الصعوبات لرجاحة عقلها وثقافتها الواسعة التي اكتسبتها من الكتاب، ليوجه الكاتب رسالته الى الطفل لتحفيزه على المطالعة لأنها كنز للطفل منها يتعلم الحكمة والذكاء وهي تلك أولى رسائل المسرحية.
لينا الشخص والشخصية: حارسة الهوية ومدافعة عن الحقوق
"لينا" اسم الشخصية، الطفلة الذكية القادرة على انقاذ والدها ومملكته، لينا طفلة قارئة نهمة ومحبة للعلم والمعرفة، لينا مبتسمة رغم الخوف، تفضل مساعدة الغرباء وإنقاذهم على إسكات جوعها، ترفض تصرفات اخويها المتسرعة وتنصحهم باستعمال العقل قبل اتخاذ القرارات، وحدها القادرة على محاكاة "الغولة" حتى تسمح لهم بالوصول لشجرة التفاح، اختيار اسم الشخصية لم يأت من "الفراغ" بل جاء هو استحضار لشخص المناضلة الراحلة "لينا بن مهني" فبين الشخصية المسرحية وشخصية لينا الكثير من التشابه الى حد التطابق أحيانا خاصة في صفات الشجاعة والمقاومة.
"لينا" بطلة اثر الفراشة وبطلة كل الحكايات، لينا ليست فقط الشخصية بل هي رمز للانثى، الأخت والحبيبة والام والشريكة والوطن، فالنساء هن حاميات الارض وحارسات الفكرة، النساء بشجاعتهنّ المفرطة وذكائهن الخارق يقدرن على إنقاذ الأوطان والسلطان كما في المسرحية.
تعددت الرسائل التربوية في مسرحية "اثر الفراشة" ومن بينها الدفاع عن البيئة وحماية الطبيعة بسب المتغيرات البيئية، في المسرحية توجد شخصية شريرة، بشعة هي "الغولة" او "الساحرة" الموجودة في الغابة المقدسة، ساحرة ترفض المساس بحيوانات الغابة وثمارها ونباتاتها، تجمّد من يمسّ الغابة وتحوله الى "حجارة"، تبدو شخصية شريرة تحاول احباط الخيّيرين، مع تقدم الاحداث يكتشف الطفل انها ليست غولة "انا لست ساحرة بل فقط انسانة تريد حماية الغابة من الاشرار، هناك الكثير من الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض ومن واجبي حمايتها" كما تصرّح للينا، ليكتشف الطفل ان الساحرة مجرد امراة اختارت حماية الغابة وحراستها باستخدام بعض الخدع الفيزيائية والنفسية لاخافة كلّ من يرغب في تهديد الحياة البرية.
حماية الطبيعة والمحيط من الرسائل الضرورية اليوم في ظل انتشار التلوث والتغيرات المناخية التي اثرت سلبا على الانسان والحيوان، حماية الطبيعة وتعليم الطفل التصالح مع الطبيعة وحماية الارث الغابي باتت من المواضيع التربوية التي يعمل عليها مسرح الطفل في تونس واستطاع عاطف حمداني في مسرحيته تمرير هذه الرسالة بالكثير من الذكاء والحكمة.
"اثر الفراشة" عمل موجه للطفل، مسرحية تنقد الكثير من الهنات وتدافع عن القيم الانسانية الجميلة مثل الصدق والنزاهة والاجتهاد، عمل يدافع عن كينونة الطفل وعن حقه في الابداع باختيار شخصيات ذكية وقادرة على النجاح، عمل تونسي يرشح بأفكار قيمية كونية تحترم عقل الانسان وذكاءه، تجربة مسرحية جديدة لعاطف الحمداني الممثل الذي خبرته الساحات وعرفته من خلال اعمال مسرح الشارع التي قدمها صلب جمعية "فني رغما عني" و"اثر الفراشة" حلم مسرحي وقيمي جديد يضاف للمشهد المسرحي التونسي.