خطة ترامب بعد إقرارها في مجلس الأمن تجاذبات حول القوة الدولية وسط مخاوف من وصاية جديدة على غزة

لا تزال القوة الدولية لتأمين قطاع غزة

المتوافق عليها في مجلس الأمن ، تثير جدلا واسعا وردود فعل متباينة وتطرح كذلك تحديات عديدة قبيل البدء بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف اطلاق النار. فالاحتلال الإسرائيلي يصرّ على أن يكون صاحب القرار الأول في تحديد تركيبة هذه القوة وطبيعة مهامها. ويرفض مجرم الحرب نتنياهو أية مشاركة تركية، في حين تميل واشنطن إلى إشراك دول عربية وإسلامية، بينها قطر وتركيا وذلك لتأمين مشروعية إقليمية لخطة يرى كثيرون أنها تشكل وصاية من نوع آخر ونكبة أخرى تضاف الى الكوارث السياسية التي حلت في المنطقة مؤخرا بسبب المشاريع الصهيونية . أما مصر والأردن وإندونيسيا فهي تشترط تفويضا أمميا يضع القوة تحت إطار قوات "حفظ السلام". وهو ما سعت إليه الولايات المتحدة بالفعل من خلال حصولها أمس الأول على موافقة من مجلس الأمن، باعتباره بوابة لإضفاء شرعية دولية على هذه القوة.
ووفق متابعين فإن أمريكا تريد قوة تؤدي دورا بديلا عن الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة غزة، بينما ترى المقاومة الفلسطينية أنها احتلال جديد لغزة بآليات جديدة. وهو ما يظهر الخلاف الأكبر حول ملف نزع سلاح المقاومة، الذي تراه "إسرائيل" الشرط الحاسم للانتقال إلى المرحلة الثانية، فيما تعتبره فصائل المقاومة خطًا أحمر ينذر بانهيار الاتفاق.
منذ لحظة إعلان وقف إطلاق النار في غزة يوم 10 أكتوبر 2025، بدا أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقطاع غزة تقف أمام عراقيل جمة ، محاطة بتجاذبات سياسية وأمنية معقدة. كما ان استمرار الهجمات الإسرائيلية، التي خلّفت مئات الشهداء خلال الأسابيع الأولى من وقف النار، وضع التنفيذ أمام اختبارات صعبة.
ووفق مراقبين فإنّ المفارقة أن الانتهاكات الإسرائيلية لم تُقابل بردّ فعل حازم من الوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي يُفترض أنها الضامن الأساسي للاتفاق. بل إن تصريحات ترامب التي وصف فيها الغارات الإسرائيلية بأنها ''دفاع عن النفس'' عكست ميلا أمريكيا واضحا لتفهم رواية الاحتلال ، وهو ما اكد الشكوك حول جدّية واشنطن في حماية وقف إطلاق النار وإلزام جميع الأطراف ببنوده.
ووفق خبراء فقد عملت الإدارة الأمريكية خلال الفترة الأولى من وقف إطلاق النار على ثلاثة محاور، بهدف تثبيت الهدنة وتهيئة المناخ للتحوّل إلى المرحلة الثانية من الخطة. إذ كان الهدف الأول لواشنطن هو إنجاز عملية تبادل الأسرى خلال 72 ساعة من بدء وقف النار. ورغم أن الملف كان قابلا للحسم سريعا، فإن تجاهل الأمريكيين المتكرر للخروقات الإسرائيلية أضعف من مكانة الاتفاق، وخلق حالة من عدم الثقة بين الأطراف المعنية.
ثانيا أقامت واشنطن مركزا للتنسيق الأمني، لتتبع مدى التزام الأطراف بوقف إطلاق النار والإشراف على تفاصيل التنفيذ. غير أن هذه الخطوة لم تترجم إلى قدرة فعلية على ردع إسرائيل، التي واصلت قصف مناطق في غزة، في ظل غياب إجراءات أمريكية تُلزمها بوقف تجاوزاتها.ثالثا توالت زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين لإسرائيل، في مؤشر على قلق واشنطن من إصرار حكومة الاحتلال الإسرائيلية على تجاهل بنود الاتفاق. ورغم هذه التحركات، بقيت النتائج محدودة: فالقصف لم يتوقف، وشاحنات الإغاثة التي كان يفترض أن يبلغ عددها 600 يوميا لم يتجاوز ما دخل منها 100 شاحنة في بداية نوفمبر.
معضلة الإدارة الانتقالية
إلى جانب ملف القوة الأمنية، يبرز موضوع الهيئة الإدارية الانتقالية للقطاع بوصفه أحد أكثر الملفات تعقيدًا. فمصر طرحت لائحة من الأسماء المرشحة، لكن الخلافات حول شكل الإدارة وصلاحياتها لا يزال يتسع، في ظل ضغوط إسرائيلية .
هذا التضارب في الرؤى يجعل تشكيل إدارة موحدة للقطاع أمرا بالغ الصعوبة، ويفتح الباب أمام تجاذبات قد تعرقل تنفيذ الخطة بالكامل. إذ يشبّه بعض المحللين خطة ترامب بالرؤية صعبة التنفيذ الذي يحظى بتأييد واسع من دون وجود تصور واضح لكيفية إتمامه. وعلى الرغم من توقف الحرب الشاملة التي أنهكت غزة على مدى عامين، مع تسجيل خروقات صهيونية مستمرة، فإن الخطة لا تزال محمّلة بعقبات قد تقود إلى انتكاسة خطيرة.
فالتلويح الإسرائيلي بإعادة الحرب في حال لم يتم تسليم سلاح المقاومة، وتجاهل حكومة نتنياهو المستمر لالتزامات اتفاق وقف النار، كلها إشارات تعزز مخاوف العودة إلى مربع الصراع.وتبدو خطة ترامب في غزة مبادرة تتأرجح بين فرص هشة لتثبيت الاستقرار ومخاطر جديّة تهدد بانهيار كامل للمسار السياسي. فغياب الانسجام بين الرؤى الأمريكية والإسرائيلية، وتضارب المصالح الإقليمية، وتعقيدات الملفات الأمنية والإدارية، كلها عوامل تجعل مستقبل الخطة مفتوحا على احتمالات متعددة، أخفّها تأخير التنفيذ، وأشدّها عودة حرب الإبادة الصهيونية.
خفايا ''القوة الدولية''
وفي قلب مشروع القرار الأمريكي تقف فكرة إنشاء ''قوة استقرار دولية مؤقتة'' في غزة، والتي مهمتها وفق المقترح ، حماية المدنيين وتأمين الحدود والإشراف على إعادة الإعمار، أمام تحديات كبرى . لكن قراءة أكثر عمقا تكشف أن هذه القوة قد لا تكون مؤقتة كما يروج لها، وأنها قد تتحول إلى جسم أمني وعسكري يمتد وجوده لسنوات طويلة، ما يفتح الباب أمام إعادة صياغة الواقع الأمني والسياسي في القطاع.
وتشير بنود المسودة إلى أن القوة ستكون متعددة الجنسيات، وأن اختيار الدول المشاركة فيها يتم بالتنسيق المباشر مع واشنطن. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستحتفظ باليد العليا في توجيه عملها وتحديد مهامها الدقيقة، بما ينسجم مع رؤيتها للحل الأمني والسياسي في غزة.

مجلس سلام لغزة أم احتلال جديد؟
من البنود المثيرة للجدل أيضا اقتراح إنشاء ''مجلس سلام'' لإدارة غزة خلال المرحلة الانتقالية. المجلس يُفهم منه، عمليًا، أنه سيكون بمثابة حكومة مؤقتة يتم تشكيلها بإشراف دولي، مهمتها إدارة مؤسسات القطاع وتنسيق إعادة الإعمار ومتابعة الملف الأمني.
ويعيد الطرح ،رغم تقديمه كصيغة توافقية ،التساؤل حول مستقبل السلطة الفلسطينية ودور فصائل المقاومة. فوجود مجلس يتمتع بصلاحيات واسعة سيضعف عمليا أي نفوذ محلي، ويمهّد لإعادة ترتيب المشهد الداخلي وفق اعتبارات خارجية، ما يثير مخاوف من دخول غزة في حقبة وصاية دولية غير معلنة.وتتضمن المسودة لأول مرة إشارة صريحة إلى ''قيام دولة فلسطينية'' في سياق الحديث عن الإعمار والإصلاح. ورغم أن هذا قد يبدو تقدما سياسيا مهما، إلا أن القراءة الدقيقة تكشف أن ذكر الدولة يأتي محاطًا بشروط أمنية وسياسية واضحة، أبرزها ربط تقدم العملية السياسية بإعادة الإعمار وتنفيذ إصلاحات إدارية.
هذا الربط يجعل بند ''الدولة الفلسطينية'' أقرب إلى ورقة ضغط أو مكسب سياسي مؤقت تستخدمه واشنطن لتهدئة المعارضة الدولية، بدل أن يكون التزاما جديا بخطوات ملموسة لتحقيقها. إذ يبقى احتمال قيام دولة حقيقية مرتبطا بإرادة سياسية لم تتضح معالمها بعد لدى الإدارة الأمريكية رغم تمسك المقاومة والسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بحقهم المشروع في دولتهم المستقلة.
مواقف دولية متباينة
وواجهت المسودة الأمريكية اعتراضات واضحة من روسيا والصين، إضافة إلى تحفّظات من دول عربية فاعلة. لا يقتصر مصدر الاعتراض على التفاصيل الأمنية، بل يتمحور حول منح الولايات المتحدة سلطة شبه مطلقة في إدارة المرحلة الانتقالية في غزة. فمثلا، يرى دبلوماسيون روس أن المسودة تمنح واشنطن ''تفويضا مفتوحا'' يشبه ما حصل في ملفات دولية سابقة، وأنها تستبعد قوى دولية منافسة من لعب دور حقيقي.
في المقابل، أصرت الولايات المتحدة على تمرير المسودة، لأنها تمنحها موقعا مركزيا في سياسة ما بعد الحرب، وتجعلها العرّاب الأول لأي عملية إعادة إعمار أو تسوية سياسية.

من يتحكم في إعادة الإعمار؟
يُعد الشق المالي أحد أهم أدوات النفوذ في المسودة. فالولايات المتحدة تقترح أن تُدار أموال الإعمار عبر مؤسسات دولية مثل البنك الدولي، ما يعني عمليا أن التحكم المالي سيكون بيد الجهات الغربية، وليس بيد السلطة الفلسطينية أو الدول الإقليمية.
ووفق مراقبين فإنّ هذا التوجه يُحوّل الإعمار من ملف إنساني إلى وسيلة ضغط سياسية، تستخدم لضبط الأطراف المشاركة في المستقبل السياسي لغزة.في ضوء كل هذه المعطيات، يبقى السؤال الجوهري هل تحمل المسودة الأمريكية فرصة لإنهاء معاناة أهل غزة أم أنها مقدمة لفرض حل دولي يغيّر هوية القطاع ووضعه السياسي؟
من جهته يرى المحلل ماهر عبد القادر المختص في الشأن الأمريكي أنّ المسودة تحمل الكثير من العناصر التي تذكّر بالبدايات الأولى لتدخلات دولية واسعة، حيث تبدأ المشاريع بغطاء إنساني ثم تتحول تدريجيا إلى وجود سياسي وأمني طويل الأمد.
وفي هذا السياق، أضاف عبد القادر أن أطراف عديدة تخشى من أن يكون هذا القرار بوابة لدور دولي قد يحد من السيادة الفلسطينية ويعيد تشكيل النظام السياسي في غزة بما يخدم مصالح القوى الكبرى.
ووفق مراقبين فإن المسودة الأمريكية تبدو - في ظاهرها - مبادرة لاحتواء الأزمة، لكنها - في جوهرها -مشروع متعدد الطبقات، يدمج بين الأمن والسياسة والمال، ويمنح واشنطن موقعا متقدما في تقرير مستقبل غزة.وإذا ما تم تمريرها دون تعديلات جوهرية، فقد يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام مرحلة جديدة تُدار فيها ملفات القطاع بأدوات دولية أكثر منها محلية.في النهاية، يبقى مستقبل غزة رهين التوازن بين رغبات القوى الكبرى، ومواقف الدول الإقليمية، وإرادة الشعب الفلسطيني الذي يرفض أي مسارات تغير هويته أو تفرض عليه حلولا لا تُعبّر عن خياراته.
دعوات أممية لرفع القيود فورا
ميدانيا أفاد مسؤولون في الأمم المتحدة بأنّ الأمطار والفيضانات والبرد القارس في غزة زادت من تفاقم الوضع بالقطاع، مشددين على ضرورة رفع القيود فوراً لإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية. وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، في تدوينة على منصة إكس،: "الفلسطينيون في غزة يعانون من البرد والبلل بعد هطول الأمطار الأخيرة، ويزداد الإحباط مع ارتفاع منسوب الفيضانات وتدمير ما تبقى لهم من ممتلكات شحيحة"، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة وشركاءها يتحركون لتقديم المساعدة، لكن الحاجة أكبر بكثير، داعياً بالقول: "يجب رفع القيود المتبقية بشكل عاجل لإيصال المزيد من المساعدات" وفق الاناضول.
من جهة أخرى، قال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، إنّ موظفي المساعدة الإنسانية التابعين لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) يواصلون توزيع الخيام والأغطية البلاستيكية وغيرها من مواد الإغاثة الأساسية على العائلات المتضررة من الأمطار، مضيفاً أن مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط (UNSCO) خصّص مبلغ 18 مليون دولار من الصندوق الإنساني للأراضي الفلسطينية المحتلة لدعم العمليات الحيوية في جميع أنحاء غزة. وأوضح أن الأمطار الغزيرة والظروف الشتوية قد فاقمت الظروف المعيشية الصعبة في غزة، مشيراً إلى أن هذه الأموال ستسمح بالمضي قدماً في المشاريع المتعلقة بالاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والماء والصحة والمأوى في القطاع.
وخلال الأيام الماضية، ضرب منخفض جوي مصحوب برياح وأمطار قطاع غزة ما تسبب بغرق عشرات الآلاف من الخيام التي تؤوي نازحين الأمر الذي أفقدهم آخر ما يملكونه من مأوى وأمتعة، بعدما دمرت إسرائيل منازلهم خلال عامين من الإبادة. ويبلغ عدد النازحين في قطاع غزة، وفقاً لتقديرات المكتب الإعلامي الحكومي، 1.5 مليون فلسطيني، ويعيشون واقعاً مأساوياً بسبب انعدام مقومات الحياة وصعوبة الوصول إلى مستلزمات أساسية ونقص تقديم الخدمات الحيوية بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي.
ويتخذ هؤلاء النازحون بمعظمهم من الخيام التالفة مأوى لهم، فيما قدّر المكتب الحكومي، في نهاية سبتمبر الماضي، أن نسبة الخيام التي لم تعد صالحة للإقامة بلغت نحو 93%، بواقع 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفاً. وعلى مدار نحو عامين من الإبادة تضرّرت عشرات آلاف الخيام بفعل القصف الإسرائيلي الذي أصابها مباشرةً أو استهدف محيطها، فيما اهترأ بعضها بسبب عوامل الطبيعة من حرارة الشمس المرتفعة صيفاً والأمطار والرياح شتاء.
ومع غرق هذه الخيام، لم تتبق للنازحين الفلسطينيين أماكن بديلة للإيواء، إذ دمّرت إسرائيل خلال العامين الماضيين 90% من البنى التحتية المدنية، بخسائر أولية قُدرت بحوالي 70 مليار دولار. كذلك ترفض ''إسرائيل'' إدخال بدائل الإيواء، متنصلةً بذلك من التزاماتها التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115