مشروع القرار الأمريكي حول غزة أمام مجلس الأمن مخاوف من وصاية دولية وتحذيرات فلسطينية من تكريس الاحتلال

بالتزامن مع تصويت مجلس الأمن على مشروع

قرار أمريكي جديد يتعلق بغزة، حذرت الفصائل الفلسطينية من هذا المشروع معتبرة أنه محاولة لإعادة تشكيل مستقبل القطاع عبر ترتيبات أمنية وسياسية تعيد إنتاج الهيمنة الخارجية' وتسهّل تمرير رؤية تتوافق مع المصالح الصهيونية.

أما فيما يتعلق بموقف قادة الكيان الصهيوني ، فقد عاد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من وزرائه إلى التأكيد، على رفضهم المطلق لفكرة إقامة دولة فلسطينية، حتى في صيغتها المستقبلية التي تطرحها الخطة الأمريكية.
ويتضمن مشروع قرار قدّمته واشنطن، لأول مرة منذ أشهر تبنّي العناصر الأساسية لخطة السلام التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما فيها الإشارة إلى ''إمكانية قيام دولة فلسطينية في مرحلة لاحقة''.
وفي مستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومة الاحتلال، أعلن نتنياهو أن موقفه من القضية لم يتغير، قائلا: "موقف إسرائيل الرافض لإقامة دولة فلسطينية على أي جزء من أرضنا ثابت… ولا أحتاج لأحد كي يعطيني دروسا في هذا الموضوع".
ولم تقتصر حدة الموقف على نتنياهو وحده، بل انعكست أيضا في تصريحات وزراء نافذين في حكومته المتطرفة. فوزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش هاجم رئيس الحكومة علنا، واتهمه بالسكوت خلال الأسابيع الماضية بعد اعتراف فرنسا وعدة دول أخرى بدولة فلسطين في سبتمبر الماضي. ودعا سموتريتش عبر منصة ''إكس'' إلى صياغة رد ''صارم وواضح'' يؤكد للعالم أن 'إسرائيل 'لن تسمح مطلقا بقيام دولة فلسطينية '' وفق زعمه.
أما وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير فذهب أبعد من ذلك، معلنا أن حزبه ''القوة اليهودية'' لن يستمر في أي حكومة تقبل بقيام دولة فلسطينية''.كما جدّد كل من وزير الحرب يسرائيل كاتس ووزير الخارجية جدعون ساعر معارضتهما المطلقة لأي خطوة باتجاه الدولة الفلسطينية.
جوهر مشروع القرار الأمريكي
ويحمل مشروع القرار الأمريكي بصمات واضحة لخطة ترامب، فهو يستند إلى الاتفاق الأخير الذي أدى إلى وقف إطلاق النار في غزة في 10 أكتوبر، بعد حرب إبادة صهيونية امتدت لعامين. ويتضمن المشروع بنوداً أبرزها نشر قوة استقرار دولية داخل قطاع غزة، وإنشاء مجلس سلام برئاسة ترامب لإدارة غزة مؤقتا حتى نهاية عام 2027، وأيضا الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق الذي رعته واشنطن الشهر الماضي، والذي مثّل أساس وقف القتال بعد السابع من أكتوبر 2023.
هذا وشهدت المرحلة الأولى من الاتفاق إطلاق سراح آخر 20 رهينة إسرائيليا أحياء، واستعادة جثث معظم الرهائن الذين قُتلوا في غزة. وفي المقابل، أفرج الاحتلال إسرائيل عن نحو 2000 أسير فلسطيني، وأعادت 330 جثمانا إلى قطاع غزة.
ووفق مراقبين يأتي هذا الجدل في وقت يتصاعد فيه الضغط الدولي على "إسرائيل" بعد اعتراف عدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين. لكن الائتلاف اليميني المتشدد داخل الكيان يرى في ذلك تهديدا مباشرا لبرنامجه السياسي، ما يدفعه إلى التشدد أكثر في مواقفه، خصوصا عشية قرارات أممية قد تحمل ملامح مسار سياسي جديد.

رفض فلسطيني
مع التصويت في مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة، تتصاعد حدة التحذيرات الفلسطينية من خطورة البنود المطروحة، والتي قالت الفصائل أنها محاولة لإعادة تشكيل مستقبل القطاع عبر ترتيبات أمنية وسياسية ''تعيد إنتاج الهيمنة الخارجية'' وتسهّل تمرير رؤية تتوافق مع المصالح الصهيونية .
ومن المقرر أن يعرض المجلس ، المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاصة بغزة، والتي تتضمن نشر قوة متعددة الجنسيات داخل القطاع، إلى جانب وضع خطوط أولية لمسار سياسي يقود إلى إقامة دولة فلسطينية.وتشير المسودات المتداولة إلى دور موسّع لهذه القوة الدولية، بالتنسيق مع إسرائيل ومصر، بهدف ''تثبيت الاستقرار'' واستبدال وجود جيش الاحتلال الإسرائيلي. كما تتحدث الخطة عن إنشاء جهاز شرطة فلسطيني يتم تدريبه واختباره تحت إشراف دولي.
وعبّرت الفصائل والقوى الفلسطينية عن رفضها للمشروع في مذكرة سياسية صدرت مساء أمس الأول الأحد، معتبرة أنّ الصياغة المطروحة "تنتزع من الفلسطينيين حقهم في إدارة قطاعهم، وتستبدل مؤسساتهم الوطنية بهيئات فوق وطنية ذات صلاحيات واسعة". وأكّدت تلك القوى أنّ إدارة الإعمار والمساعدات، وفقا للمقترح، ستتحول إلى أداة ضغط خارجي تتحكم بها جهة دولية، ما يفتح الباب أمام ''إعادة هندسة المشهد الداخلي في غزّة على حساب البنية السياسية والاجتماعية القائمة".
كما انتقدت الفصائل إغفال المشروع لأي دور لوكالة الأونروا رغم كونها الجهة الأممية المخولة تاريخيا بإدارة شؤون اللاجئين، معتبرة ذلك مؤشرا على محاولة ''سوية ملف اللاجئين تدريجيا'' عبر تهميش الوكالة.
ووفق مراقبين من أكثر البنود إثارة للجدل في الخطة الأمريكية، هو ما يتعلق بإلزام القوة الدولية بدعم عملية نزع السلاح في غزة. وترى الفصائل أن المساس بسلاح المقاومة ''تجاوز لأساسيات الصراع'' وتفويض للقوة الدولية بالعمل في إطار يخدم الأمن الصهيوني. وشددت على أن أي نقاش حول السلاح يجب أن يبقى جزءا من حوار وطني داخلي لا ينفصل عن التسوية السياسية الشاملة التي تضمن إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ووفق مراقبين تخشى القوى الفلسطينية من أن تتحول القوة الدولية، وفق الصيغة المقترحة، إلى جهاز يدير القطاع بصورة عملية، عبر تنسيق مباشر مع الاحتلال، بما يخلق ''سلطة فوق وطنية'' تتجاوز المؤسسات الفلسطينية الرسمية.
وطالبت بأنّ يقتصر أي وجود دولي على حماية المدنيين وضمان تدفق المساعدات والفصل بين القوات، دون أن يتطور إلى إدارة أمنية أو سياسية تمسّ بالسيادة الفلسطينية أو تؤسس لوجود عسكري أجنبي دائم.
وتشير مسودة المشروع إلى إنشاء صندوق ائتماني دولي لإعادة إعمار غزة بإشراف البنك الدولي وجهات مانحة أخرى. ورغم ترحيب بعض الأطراف بالبعد المالي للمبادرة، ترى الفصائل أن هذا الترتيب يفتقر إلى الضمانات التي تمنح الجانب الفلسطيني دوراً مركزياً، وتخشاه بوصفه ''تفويضا مفتوحا'' للمانحين للتحكم بمسار الإعمار دون إشراك فعلي لأصحاب الأرض.
لم يقتصر الدعم للمشروع على واشنطن، إذ أعلنت دول بينها تركيا وقطر ومصر والإمارات والسعودية والأردن وباكستان دعمها للمقترح خلال بيان مشترك صدر في نيويورك.
اتفاق هشّ ومرحلة متعثرة
ويأتي هذا الحراك السياسي في ظل استمرار وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر ، لكنه يشهد خروقات إسرائيلية متكرّرة. وتتهم الفصائل إسرائيل بعرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق السابق، والمتعلقة بترتيبات الانسحاب وإدارة القطاع، وهو ما يزيد من حساسية النقاش حول الدور الدولي المقترح.
وبين دعم دولي واسع للمشروع الأمريكي وتحفظات فلسطينية عميقة عليه، يبدو أن الخطة المطروحة قد تفتح بوابة جديدة للنقاش حول مستقبل غزة، لكنّها في الوقت ذاته تثير مخاوف جدية من إعادة إنتاج وصاية دولية تُقصي الفلسطينيين عن إدارة شؤونهم، وتمنح إسرائيل دورا مركزيا في ترتيبات ما بعد الحرب، وهي مخاوف تقول الفصائل إنها لن تتهاون حيالها.
فلسطين تدعو لتحرك دولي
من جانبها دعت الخارجية ومؤسسات حقوقية فلسطينية، أمس الاثنين، إلى تحرك دولي عاجل لوقف جرائم إسرائيل "الممنهجة" بحق الأسرى الفلسطينيين، بعد توجهها نحو إقرار مشروع قانون يسمح بإعدام أسرى.
جاء ذلك في بيان صادر عن الوزارة ومؤسسات حقوقية فلسطينية ألقاه الوكيل المكلف بالشؤون السياسية بالوزارة عمر عوض الله، خلال مؤتمر صحفي في مقرها برام الله وسط الضفة الغربية. وقال عوض الله إن "سلطات الاحتلال حولت مراكز الاحتجاز إلى بيئات قمع وتعذيب تهدف إلى تفكيك الإنسان الفلسطيني وتدميره جسديا ونفسيا".
وأضاف أن "منظومة الاحتلال التشريعية والتنفيذية والقضائية واصلت خلال العامين الماضيين ترسيخ أدوات لا قانونية لاستهداف الوجود الفلسطيني". عوض الله أوضح أن هذا يتم "عبر عشرات مشاريع القوانين والأوامر العسكرية، وفي مقدمتها مشروع قانون إعدام الأسرى".
ومن جهته، قال مركز غزة لحقوق الإنسان إن 10 آلاف فلسطيني توفوا بسبب الحرمان من العلاج جراء انهيار المنظومة الصحية والاستهداف المتواصل للمرافق الطبية.
وأشار المركز إلى أن ألف مريض توفوا خلال الـ25 شهرا الماضية وحدها نتيجة منعهم من السفر لتلقي العلاج خارج القطاع. وفي تعليق على تفاقم الأزمة، أكد المدير العام لوزارة الصحة في غزة الدكتور منير البرش، أن نقص الأدوية أصبح أخطر مظاهر الانهيار الصحي، موضحا أن العجز في الأدوية الأساسية تجاوز 56 بالمئة، وأن نقص المستلزمات الطبية وصل إلى 65 بالمئة. وأضاف أن ما يقارب 350 ألفا من مرضى غزة يعانون أمراضا مزمنة، ويحتاجون إلى علاج مستمر، واصفا استمرار هذا النقص بأنه "جريمة إبادة صحية"، ومؤكدا أن المرضى يواجهون الموت البطيء في ظل هذا الانهيار.
وعلى منصات التواصل، عبر كثيرون عن غضبهم من صمت العالم.
ألمانيا ترفع قيود تصدير الأسلحة
على صعيد آخر أعلن متحدث الحكومة الألمانية ستيفان كورنيليوس أن برلين قررت رفع قيود تصدير الأسلحة إلى ''إسرائيل'' التي كانت مفروضة بسبب هجماتها على غزة.
وفي حديث وفق وكالة الأنباء الألمانية، أمس الاثنين، أشار كورنيليوس إلى أن إعلان 8 أوت الماضي بشأن تصدير بعض الأسلحة إلى "إسرائيل" لم يعد ساريا نظرا لتغير الظروف، وأن القيود ستُرَفع بدءا من 24 نوفمبر الجاري.
وفي 8 أوت الماضي أصدر المستشار الألماني فريدريش ميرتس أمرا بفرض هذه القيود، مما أوقف الموافقة على تصدير الأسلحة التي قد تُستخدَم في حرب غزة، ردا على إعلان إسرائيل شنّ هجوم بري شامل ومنع إيصال المساعدات إلى غزة.وأوضح كورنيليوس أن وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل الساري منذ 10 أكتوبر الماضي، من بين أسباب هذا القرار.
يُذكر أن لوائح التصدير الألمانية تحظر عموما شحن الأسلحة إلى مناطق الحرب والأزمات، ولكن شحن الأسلحة لأوكرانيا و"إسرائيل" كان استثناءً.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115