غزة في مواجهة مشروع الضمّ تصاعد التوتر الدولي حول التوسّع الاستيطاني في الضفة الغربية

تتفاقم معاناة أطفال غزة بسبب البرد القارس والهجمات

وسوء التغذية الناجم عن القيود المستمرة بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في فلسطين . وأكدت المنظمة بأنه على الرغم من وقف إطلاق النار في غزة، الا أن معاناة الأطفال تتواصل. يأتي ذلك في الوقت الذي أثار فيه قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلية بالمضي قدما في إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة موجة انتقادات دولية واسعة، بعد أن دعت 14 دولة غربية "إسرائيل" إلى التراجع عن هذه الخطوة ووقف التوسع الاستيطاني، معتبرة أنه انتهاك للقانون الدولي وتهديد للاستقرار الإقليمي . وزعم الكيان أن ''القرارات الأخيرة تأتي في سياق اعتبارات أمنية، في ظل ما تعتبره تهديدات متزايدة'' . وتشمل الخطوة الإسرائيلية الموافقة على إنشاء 11 مستوطنة جديدة، إلى جانب إضفاء الصفة القانونية على عدد من البؤر الاستيطانية القائمة، في إجراء اعتبر من قبل أطراف دولية تكريسا لسياسة فرض الأمر الواقع على الأرض في إطار مسعى صهيوني مستمر لتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في فلسطين. في المقابل، حذر محللون أيضا من أن هذه الإجراءات تهدف إلى منع أي مسار قد يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.
في السياق ذاته، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء هذه التطورات، ودعت ''إسرائيل'' إلى العدول عن القرارات التي من شأنها تعقيد الوضع الميداني وتقويض فرص التهدئة، لا سيما في ظل وقف إطلاق النار الهش في قطاع غزة.
وشددت الدول الموقعة على البيان الدولي، ومن بينها دول أوروبية وأمريكية شمالية، على أن التوسع الاستيطاني يقوض آفاق السلام ويضعف إمكانية التوصل إلى حل سياسي دائم، مؤكدة تمسكها بدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وبحل الدولتين كإطار وحيد لتحقيق سلام عادل وشامل وقابل للحياة.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه القضية الفلسطينية حالة جمود سياسي، وسط مخاوف متزايدة من أن تؤدي الخطوات الأحادية إلى إعادة رسم الواقع الجغرافي والسياسي في الضفة الغربية، بما يعمّق الوضع ويزيد من صعوبة إحياء المسار التفاوضي في المستقبل بما يضمن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
شريط عازل يهدّد الهدنة
هذا وتفتح التصريحات الإسرائيلية الأخيرة بشأن إقامة شريط أمني داخل قطاع غزة وعدم الانسحاب منه، فصلا جديدا من التعقيد السياسي والإنساني، في وقت لا تزال فيه الهدنة القائمة هشة، ويكافح سكان القطاع لالتقاط أنفاسهم بعد أشهر طويلة من التصعيد.
وأثار إعلان وزير الحرب الإسرائيلي عن نية بلاده البقاء داخل غزة بشكل دائم، وفرض واقع أمني جديد، يثير مخاوف واسعة من تقويض أي أفق حقيقي للتهدئة أو إعادة الإعمار. فالشريط الأمني المزمع إنشاؤه لا يُنظر إليه فقط كإجراء عسكري، بل كخطوة تعمّق السيطرة على الأرض، وتحدّ من حرية الحركة، وتزيد من عزلة القطاع المحاصر أصلا.
وتواجه المرحلة الثانية من الاتفاق، التي يُفترض أن تشمل انسحابات إضافية ونشر قوة دولية، تحديات حقيقية في ظلّ التصريحات التي توحي برغبة في تثبيت وجود عسكري صهيوني طويل الأمد في الأراضي المحتلة. ويثير ذلك تساؤلات حول جدوى أي ترتيبات انتقالية أو هياكل حكم جديدة، ما دامت السيطرة الفعلية على الأرض باقية للكيان الصهيوني على حساب أصحاب الأرض.
تصريحات إسرائيلية تنسف الهدنة
وأعادت تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي الأخيرة بشأن عدم الانسحاب من قطاع غزة، وإقامة منطقة أمنية عازلة ومستوطنات في شماله، إلى الواجهة مخاوف عميقة من تحول الحرب المستمرة إلى مشروع احتلال طويل الأمد، يتجاوز الأهداف العسكرية المعلنة ليصل إلى فرض واقع سياسي وجغرافي جديد على حساب الشعب الفلسطيني.
إذ يرى مراقبون أن إعلان إسرائيل نيتها البقاء الدائم داخل غزة يتناقض بشكل صريح مع أسس اتفاق وقف إطلاق النار، ومع الجهود الدولية الرامية إلى الانتقال نحو مرحلة ثانية تقوم على التهدئة وإعادة الإعمار. كما يعكس توجها واضحا نحو تكريس السيطرة بالقوة، في قطاع يعاني أصلا من دمار غير مسبوق وأزمة إنسانية خانقة.
ويرى محللون أنّ الحديث عن ''منطقة أمنية عازلة'' لا يعني سوى اقتطاع مزيد من الأراضي، وتشديد الخناق على السكان، وحرمانهم من حقهم في العودة إلى مناطقهم، لا سيما في شمال القطاع الذي تعرّض لتدمير واسع وتهجير قسري خلال الحرب. فالتجارب السابقة تؤكّد أنّ المناطق العازلة تتحوّل في الغالب إلى أدوات دائمة للسيطرة، لا إلى ترتيبات مؤقتة.
وتكتسب هذه التصريحات خطورة مضاعفة حين يتمّ ربطها بمشاريع استيطانية علنية، على غرار إقامة تجمعات ذات طابع عسكري–ديني، في إعادة إنتاج لنموذج الاستيطان الذي فُرض في الضفة الغربية، والذي يسعى من خلاله الاحتلال إلى تفتيت الجغرافيا الفلسطينية وتقويض أي إمكانية لإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة.
في المقابل، يعيش سكان غزة واقعا مأساويا، حيث خلّفت الحرب آلاف الشهداء والجرحى، غالبيتهم من النساء والأطفال، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية. ومع استمرار الخروقات اليومية لوقف إطلاق النار، يبدو أن الأمن يُستخدم كمبرر لمواصلة الضغط العسكري، بدل أن يكون مدخلاً لحماية المدنيين وإنهاء معاناتهم.
كما تثير هذه التصريحات تساؤلات جدية حول جدوى أي مسار سياسي قادم، في ظل إصرار إسرائيلي على فرض السيادة بحكم الأمر الواقع، وهو ما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، ومع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، ويقوض بشكل مباشر حل الدولتين الذي لا يزال يشكل الإطار القانوني الدولي المعترف به.
نسف منازل في خانيونس ورفح
هذا ويستعد الوسطاء للدخول في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المحاصر، مع وصول وفد إسرائيلي إلى القاهرة، على ما أفادت وسائل إعلام عبرية أمس الأول، بينما يواصل جيش الاحتلال عمليات نسف المنازل في مناطق شرق خانيونس وفي مدينة رفح جنوبي القطاع.
وقالت هيئة البث العبرية إن مسؤول اسرائيلي، اجتمع مع مسؤولين مصريين وقطريين الأربعاء في القاهرة وبحث معهم الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، ومسألة إعادة جثة آخر أسير إسرائيلي في القطاع. وفي السياق، أفاد مصدر ، بأن المرحلة الثانية قد تبدأ مطلع جانفي المقبل، وذلك في ضوء اللقاء المرتقب عقده بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الولايات المتحدة نهاية الشهر الجاري.
وعلى صعيد آخر حذّر مدير عام مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، محمد أبو سلمية، من تداعيات أزمة نقص الوقود على مستشفيات القطاع، وذلك نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي في منع إدخاله لليوم الرابع على التوالي.
كما استنكر البابا لاوون الرابع عشر الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة خلال عظته في عيد الميلاد، في نداء مباشر على نحو غير معتاد خلال قداس. وقال أول بابا من الولايات المتحدة، "كيف لنا... ألا نفكر في الخيام في غزة، التي ظلت لأسابيع مكشوفة أمام المطر والرياح والبرد؟".
وأدان البابا لاوون الرابع عشر "الركام والجروح المفتوحة" التي تخلفها الحروب، مشيراً على وجه الخصوص إلى الوضع الإنساني في غزة. وتحدّث البابا في أثناء قدّاس في كاتدرائية القديس بطرس عن "هشاشة السكان العزّل الذين اختبروا العديد من الحروب، المتواصلة أو تلك التي انتهت، مخلّفة الركام والجروح المفتوحة".
وهذه المرة ليست الأولى التي يستذكر فيها البابا لاوون الرابع عشر قطاع غزة، إذ شدد أكثر من مرة على ضرورة وقف الحرب وعلى ضرورة إيصال المساعدات وعلى معاناة أهالي وأطفال القطاع، وخلال حفل تنصيبه الرسمي في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان في ماي الماضي، لفت إلى أزمة الجوع جراء الحصار الإسرائيلي. وقال: "لن ننسى إخوتنا الذين يعانون ويلات الحروب. الأطفال والعائلات والمسنون الذين نجوا بصعوبة من الموت في غزة، يواجهون حالياً الجوع".
ومن جهة أخرى قال مصدر مصري مسؤول، وفق "العربي الجديد"، إن السلطات المصرية تتابع عن كثب نشاط المجموعات المسلحة المحلية المتعاونة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل قطاع غزة والتي تنتشر في عدة مناطق تمتد من رفح جنوباً، المحاذية للحدود المصرية، وصولاً إلى شمال القطاع، في تطور وصفه المصدر بـ"المقلق" في ضوء التحولات الجارية على الأرض.

آلاف الأسرى يواجهون التعذيب والتجويع
في الأثناء أفادت مؤسستان فلسطينيتان، الخميس، أن ما يزيد على 9 آلاف و300 أسير ومعتقل فلسطيني محتجزون في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، يواجهون "تعذيبًا ممنهجًا، وتجويعًا، وعمليات إعدام بطيئة".
وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية (حكومية) ونادي الأسير الفلسطيني (أهلي) في بيان جديد عن شهر ديسمبر 2025 ، إن "أكثر من 9 آلاف و300 أسير ومعتقل فلسطيني محتجزون في سجون ومعسكرات الاحتلال الإسرائيلي، يواجهون تعذيبًا ممنهجا، وتجويعا، وحرمانا من العلاج، وعمليات إعدام بطيئة".
وكشفت البيان بعد زيارات ميدانية لعدد من السجون عن "تصاعد مستمر في عمليات القمع، بما يشمل الاعتداء بالضرب، واستخدام القنابل الصوتية، والكلاب البوليسية، والصعق بالكهرباء، إضافة إلى حرمان الأسرى من الفورة (الخروج من الزنازين إلى الساحة) واحتياجات أساسية مثل الغذاء والعلاج والملابس".
وأوضح أن "الأسيرات في سجن الدامون وعددهن 50، تعرّضن لعمليات قمع ممنهجة تشمل رش الغاز، والضرب، والتقييد بالأصفاد، وإجبارهن على الجلوس في البرد القارس، مع حرمانهن من الفوط الصحية والرعاية الطبية، بمن فيهن الأسيرات المصابات بأمراض مزمنة كالسرطان".وفي سجن جانوت حيث يحتجز عدد من قيادات الحركة الأسيرة، من بينهم أحمد سعدات (الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، قال البيان إن الأسرى "محتجزون في ظروف قاسية، مع استمرار التعذيب والعزل الانفرادي، وحرمان من العلاج، ما أدى إلى إصابات جسدية متعددة، من بينها كسور الأضلاع وآلام حادة في الظهر".
وعن سجني جلبوع وشطة، أكد البيان "ارتفاع وتيرة القمع واستخدام الضرب والغاز والهراوات، مع استمرار سياسة التجويع والحرمان من العلاج، وهو ما أثر بشكل مباشر على صحة الأسرى، خصوصًا من يعانون أمراضًا مزمنة".
وأشار إلى "سياسة التجويع المستمرة في سجن النقب، حيث يُقدّم للأسرى ثلاث وجبات يوميًا بكميات ضئيلة، ما تسبب في هزال شديد ونقص حاد في الأوزان، وانتشار أمراض مثل الجرب – السكابيوس، إضافة إلى إصابة بعض الأسرى بفيروسات مجهولة المصدر دون علاج".ووثق بيان المؤسستين "أكثر من 1400 أسير محتجزين في سجون الاحتلال من قطاع غزة يتعرضون للتعذيب والحرمان من العلاج، وانتهاكات مستمرة للكرامة الإنسانية".
وأكد أن الأطفال (نحو 350) "محرومون من الزيارات والرعاية الطبية، ويتعرضون للضرب والتجويع ونقص الطعام والملابس، إضافة إلى تفشي الأمراض".
يونيسف: معاناة الأطفال في غزة مستمرة

ميدانيا قال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في فلسطين كاظم أبو خلف، إنه على الرغم من وقف إطلاق النار في غزة، فإن معاناة الأطفال تتواصل بسبب البرد القارس والهجمات وسوء التغذية الناجم عن القيود المستمرة.
وأوضح أبو خلف أن سكان قطاع غزة، ولا سيما المدنيين والنساء والأطفال، ما زالوا يعانون، وأن غزة تشهد منذ أكتوبر 2023 هجمات “قاسية للغاية”.وأضاف: “بحسب التقارير، قُتل أكثر من 80 طفلا بعد إعلان وقف إطلاق النار. الظروف المناخية لا تُطاق بالنسبة للأطفال، فدرجات الحرارة تنخفض باستمرار. وردتنا تقارير عن غمر المياه للخيام. ورغم كل الجهود التي تبذلها اليونيسف وغيرها من المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدة للمحتاجين، إلا أن الوضع لا يزال بالغ الصعوبة”.
وأكد أبو خلف أن الأطفال هم الأكثر تضررا من الهجمات الإسرائيلية، وأنهم عانوا ألماً لا يوصف جراء الهجمات المستمرة منذ عامين.وأفاد أبو خلف بأن أكثر من 20 ألف طفل استشهدوا وأُصيب أكثر من 44 ألفاً في الهجمات الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023، وأن الوضع في غزة لا يؤثر على أجساد الأطفال فحسب، بل على حالتهم النفسية وعقولهم.وأردف: “أصبح آلاف الأطفال أيتاماً. وفقد آلاف آخرون ساقاً أو ذراعاً، أو ربما كليهما. كما فقد جميع الأطفال في سن الدراسة، والبالغ عددهم 638 ألف طفل، عامين دراسيين”.وأردف: “يحتاج جميع الأطفال الذين يشكلون نصف سكان قطاع غزة، إلى شكل من أشكال الدعم النفسي والاجتماعي”.
ولفت إلى أن بعض الأرقام التي نشرتها منظمة الصحة العالمية مؤخراً، تشير إلى حاجة نحو 4 آلاف طفل للإجلاء من غزة لأسباب صحية.ومنذ 10 أكتوبر الماضي يسري وقف لإطلاق النار تخرق إسرائيل بنوده وتماطل بالانتقال إلى المرحلة الثانية منه متذرعة ببقاء رفات أحد جنودها في الأسر بغزة، رغم أن الفصائل الفلسطينية تواصل البحث عنه وسط الدمار الهائل الذي خلفته إسرائيل.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115