من زاما إلى روما… ثم العودة إلى باردو: 30 قطعة أثرية تعيد رسم ملامح "زاما" القديمة

 

 

بعد رحلة ترميم امتدّت خمسة أشهر في العاصمة الإيطالية روما، عادت آثار "زاما" إلى تونس في أحسن حالاتها وأبهى صورها لتضيف قيمة أثرية وتاريخية كبرى لمحتويات متحف باردو. وقد شهد المتحف الوطني بباردو أمس الاثنين 17 نوفمبر 2025 حدثا ثقافيا لافتا، تمثّل في استلام 30 قطعة أثرية نادرة تم اكتشافها في موقع "زاما" من ولاية سليانة .

 

بعد أن تم نقلها إلى روما قصد ترميمها في إطار برنامج تعاون بين وزارتي الثقافة التونسية والإيطالية، عادت 30 قطعة أثرية إلى متحف باردو. وقد تم الاستلام تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وبحضور ممثّلين عن الوزارة وعن المعهد الوطني للتراث وممثلي الديوانة.

 

زاما خلال الفترتين النوميدية والرومانية

 

كان المعهد الوطني للتراث قد أعلن عن اكتشاف 30 قطعة أثرية جديدة في موقع "زاما" تعود إلى الفترتين النوميدية والرومانية. وتتميّز زاما بخصوصية تاريخية جعلتها محور اهتمام الباحثين منذ عقود، إذ كانت مسرحا لمعركة زاما الشهيرة سنة 202 ق.م التي شكّلت نقطة تحول في ميزان القوى بالبحر الأبيض المتوسط بعد هزيمة حنبعل أمام سكيبيو الإفريقي.
وتمثّل القطع المُكتشفة نموذجا دقيقا لغنى الإرث المادي للمنطقة. فهي تتراوح بين منحوتات وأدوات طقسية استخدمت داخل المعابد، وتعود إلى فترة ما بعد الميلاد، ما يعكس التنوع الديني والثقافي الذي شهدته زاما خلال الفترتين النوميدية والرومانية. كما أن هذه المجموعة ليست سوى جزء من أكثر من 400 قطعة تم العثور عليها داخل معبد مكتشف حديثا، وهو ما يفتح الباب أمام المزيد من الدراسات الأثرية والقراءات التاريخية المتجددة.

 

من زاما إلى الكولوسيوم… ترميم ومعرض دولي

 

نُقلت القطع الأثرية المكتشفة في موقع زاما إلى روما في شهر مارس الماضي ضمن اتفاقية تعاون بين وزارتي الثقافة في تونس وإيطاليا، حيث خضعت لعمليات ترميم دقيقة في مخابر متخصّصة بلغت كلفتها حوالي 300 ألف يورو. وبعد اكتمال الترميم، عُرضت هذه القطع في الموقع الأثري للكولوسيوم بين 5 جوان و5 نوفمبر 2025 ضمن معرض دولي حمل عنوان "مانيا ماتر من روما إلى زاما". وهو عنوان يحيل إلى رمزية الأم الكبرى في المعتقدات القديمة، وإلى الرحلة الحضارية المشتركة بين الضفتين.
يتجاوز هذا المعرض كونه مجرد عرض لاكتشافات أثرية تونسية، ليقوم بإعادة إدماج زاما في السردية التاريخية للبحر الأبيض المتوسط من خلال تسليط الضوء أحد أشهر المواقع الأثرية في تونس.

شراكة استراتيجية لإحياء موقع زاما

 

يمثل استعادة القطع الأثرية لموقع "زاما" بعد ترميمها استعادة لجزء من الذاكرة، ولشواهد ملموسة على تاريخ متنوع تداخلت فيه الهويات والطقوس والحضارات. كما يؤكد أن مواقع مثل زاما ليست مجرد بقايا جامدة، بل فضاءات حيّة قادرة على إلهام الرؤى المستقبلية التي ترتكز على الثقافة باعتبارها رأسمالا وطنيا واستراتيجيا.
وأمام الإهمال الذي يواجهه موقع زاما بالقياس مع مكانته التاريخية ، كان مدير المعهد الوطني للتراث طارق البكوش قد أكد وجود برنامج أوسع يشمل ترميم الموقع وتحويله إلى وجهة ثقافية وسياحية بارزة. فإلى جانب الدعم الإيطالي في مجال الترميم والتنقيب، تشمل الشراكة مع الجانب الإيطالي تنظيم معارض متنقلة للتعريف بالتراث التونسي عالميا، وتطوير مسالك سياحية جديدة في زاما ومحيطها.

وبعد عرض قطع "زاما" في روما، من المنتظر تنظيم معرض خاص لهذه القطع النادرة بمتحف باردو، على أن ينتقل هذا المعرض لاحقا إلى عدد من العواصم العالمية من بينها نيويورك وفيلادلفيا وباريس... بهدف تعزيز دور التراث في التنمية الثقافية والاقتصادية.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115