لسنة 2025 مجرّد لحظة احتفال واعتراف بنصوص استحقت التتويج، بل مثّل مناسبة لطرح أسئلة جوهرية حول الكتابة ومعاييرها. فما بين جوائز مُنحت وأخرى حُجبت، تتداعى التساؤلات: ماذا نكتب اليوم؟ وما الذي يستحق فعلا أن يُكافأ؟ هل أن بعض الحقول المعرفية ما تزال قاصرة عن إقناع القراء واللجان؟
في دار الكتب الوطنية، انتظم يوم الجمعة، 26 ديسمبر 2025، حفل الإعلان عن جوائز تشجيع الدولة للإنتاج الأدبي والعلمي في دورتها الثالثة تحت إشراف وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي، وبحضور كتّاب وباحثين ونقّاد...
قبول 56 ترشحا
في لقاء معرفي وثقافي جمع بين من يكتبون الأدب باعتباره شغفا وجوديا، ومن يغوصون في البحث العلمي بوصفه ممارسة معرفية مسؤولة، تم الإعلان عن جوائز تشجيع الدولة للإنتاج الأدبي والعلمي. وفي كلمتها، اعتبرت وزيرة الشؤون الثقافية أن التتويج ليس مجرد تكريم فردي، بل فعل رمزي يرسّخ مكانة الكاتب في مجتمع كثيرا ما يدير ظهره للمعرفة العميقة. والتتويج بجوائز الدولة، في هذا السياق، ليس نهاية مسار، بل اعتراف يشجّع على الاستمرار، ويمنح العمل الفكري شرعية مضاعفة.
وبلغة الأرقام ، بلغ عدد الترشحات 69 إصدارا، قبلت لجان التحكيم 56 منها، توزعت بين 37 عنوانا في مجال الإبداع الأدبي (الرواية، القصة، الشعر، والتأليف المسرحي)، و12 عنوانا في مجال الدراسات العلمية (الإنسانيات، الآداب، الفنون والجماليات، وتحقيق المخطوطات)، إلى جانب 7 عناوين في مجال الكتابة الموجهة للناشئة.
سفيان رجب يفوز بالجائزة الوطنية للرواية
توزعت جوائز تشجيع الدولة للإنتاج الأدبي والعلمي على عدد من الأسماء التي بصمت المشهد الثقافي بإصدارات لافتة، حيث فاز سفيان رجب بالجائزة الوطنية للرواية عن «ساعة نوح»، ونال المهدي بن معتوق الجائزة الوطنية للقصة عن «مغامرات معلم في الأرياف»، فيما آلت الجائزة الوطنية للتأليف المسرحي إلى فيصل حامدي عن «حالة حليلة». أما جائزة الشعر، فكانت من نصيب خولة بن سيك سالم عن ديوانها «أغنيات لمواسم الحنين»، في حين فاز خميس بن عمارة بالجائزة الوطنية للدراسات في الآداب عن مؤلفه «تجربة في الإبداع والحدث». كما لفت فوز إسمهان الفرجاني بجائزة الكتابة الموجهة للناشئة عن روايتها «أنت جميلة» إلى أهمية هذا الحقل، الذي غالبا ما يُهمّش، رغم دوره المركزي في تشكيل الذائقة والوعي منذ الطفولة.
ولم يخلُ الحفل من لحظة وفاء، حيث تم تكريم أعضاء لجان التحكيم، من أساتذة ودكاترة وباحثين على غرار سمير المرزوقي وفوزية صفار الزاوق ووفاء غربال وإبراهيم بن مراد وعلي الغيضاوي ومحمد مختار العبيدي وآمال الڨرامي وحافظ محفوظ ونافلة ذهب ونجاة ادهان وغيرهم ، تقديرا لما بذلوه من جهد في قراءة الأعمال وتقييمها، في مهمة دقيقة تتطلب خبرة علمية وذائقة نقدية ونزاهة فكرية.
جوائز محجوبة تستدعي التساؤلات
عكست جوائز تشجيع الدولة للإنتاج الأدبي والعلمي ، من جهة، حيوية الإنتاج الثقافي الوطني، ومن جهة أخرى صرامة لجان التحكيم، حيث تم حجب خمس الجوائز لعدم استجابتها للشروط أو لغياب الترشحات.
وقد تم حجب الجائزة الوطنية للتأليف في ميداني المعاجم والموسوعات والجائزة الوطنية للدراسات المغاربيّة لأنه لم ترد في شأنها ترشحات. كما يأتي قرار حجب ثلاث جوائز أساسية، في مجالات الدراسات في الفنون والجماليات، والدراسات في الإنسانيات، وتحقيق المخطوطات، ليطرح الأسئلة حول واقع البحث الأكاديمي اليوم، لا من زاوية الكمّ، بل من زاوية النوع والجرأة المنهجية. فهل تعاني هذه الحقول من تراجع في الإنتاج؟ أم أنّ الإشكال يكمن في انغلاق بعض المقاربات على نفسها، وعجزها عن تجديد أدواتها أو مخاطبة أسئلة الحاضر؟ أم لعلّ المسافة بين الباحث والمؤسسة الثقافية ما تزال واسعة، تُنتج نصوصا صحيحة أكاديميا، لكنها فاقدة للروح والرؤية؟
من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى قرار الحجب بوصفه موقفا نقديا شجاعا يقتضي أحيانا الامتناع عن التتويج بدل تمرير أعمال لا تضيف جديدا نوعيا. غير أنّ هذا الموقف، على وجاهته، يظل منقوصا ما لم يُرفق بنقاش وحوار حول أسباب هذا الفراغ، وبسياسات تحفيزية تعيد الاعتبار لهذه المجالات التي تشكّل العمود الفقري للمعرفة الإنسانية.
في المحصلة، تظل جوائز تشجيع الدولة للإنتاج الأدبي والعلمي رهانا ثقافيا على الكتابة بوصفها فعل مقاومة للنسيان والتهميش، ومحاولة لإعادة الاعتبار للكتاب كفضاء للتفكير، فالمجتمعات لا تُبنى إلا بما تكتبه عن نفسها وما يبقى منها من أثر مكتوب.