وعلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط ، تستعد تونس خلال الأيام القليلة القادمة لحدث ثقافي بارز يتمثل في إعادة افتتاح متحف المسيحي المبكّر بقرطاج بعد مشروع تأهيل شامل أعاد إلى هذا الفضاء روحه الأولى وأهّله ليكون وجهة معرفية وسياحية تستجيب للمعايير العالمية في العرض المتحفي.
بعد غلقه للصيانة، يستعد المتحف المسيحي المبكّر بقرطاج لإعادة فتح أبوابه واستقبال زوّاره في غضون الأيام القادمة.
يوم 02 ديسمبر الافتتاح
يمتاز المتحف المسيحي المبكّر بتقديمه عرضا فريدا لنتائج حفريات الكنائس والمنازل والسيرك الروماني بقرطاج، إلى جانب مجموعة نادرة من الفخار المستخرج من الموانئ البونية. وتتميّز هذه المجموعات بدقة معلوماتها وبالمقاربة التربوية المعتمدة، التي تجعل الزائر أمام رحلة ممتدة من العهد البوني إلى بدايات المسيحية في شمال إفريقيا.
وتحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية، نفّذت وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية حملة تنظيف واسعة شملت محيط المتحف ومداخله ومساراته، في خطوة أرادت من خلالها تهيئة فضاء يليق بقيمة الموقع الذي يحتضن إحدى أهم مراحل التاريخ الديني والحضاري للمتوسط. ويأتي ذلك متزامناً مع استكمال تهيئة قاعات العرض وهيكل الاستقبال، بما يتماشى مع التطور الحاصل في طرق تقديم التراث وتفعيل دوره التعليمي.
وكان المدير العام للمعهد الوطني للتراث طارق البكوش قد زار، أول أمس، المتحف لمعاينة اللمسات الأخيرة من أعمال التهيئة التي أشرفت عليها دائرة التنمية المتحفية، بمشاركة خبراء تونسيين وأجانب في الآثار والتاريخ والفنون المتحفية. وقد أكّد أن المشروع يجسّد رؤية المعهد القائمة على تحويل التراث من مجرد ذاكرة حجرية إلى تجربة معرفية حيّة. وقد كانت هذه الزيارة فرصة للقاء الباحث الأمريكي الجنسية John Humphrey والذي قام بعديد الحفريّات طيلة عدّة سنوات صحبة عدد من خبراء الآثار التونسيين، و قد تمّ استخراج جزء هام من القطع المعروضة بالمتحف. وقد حرص المدير العام للمعهد الوطني للتراث على شكره على المجهودات المبذولة من قبله في المساهمة في اعداد البرنامج العلمي وإعادة العرض المتحفي. وكان هذا الباحث الأمريكي قد قدّم هبة ماليّة مهمة ساهمت في اثراء و تزويق المتحف المذكور الذي انطلق المعهد الوطني للتراث منذ 15 أفريل 2024 في أشغال تهيئة وتجهيز وتأثيث المتحف ومسلك الزيارة به استعدادا لافتتاحه.
ووفقا لمعهد التراث من المزمع افتتاح المتحف المسيحي المبكر يوم 02 ديسمبر 2025.
شواهد من الفترة البونية إلى القرون الوسطى
أطلقت على المتحف المسيحي المبكّر هذه التسمية لوجوده بمقربة من مركب مسيحي متكون من كنيسة وحوض تعميد تم اكتشافهما في إطار الحملة الدولية التي أشرفت عليها منظمة اليونسكو "لإنقاذ قرطاج" ويحتوي هذا المتحف على أدلة مادية تخص تاريخ المدينة من الفترة البونية إلى القرون الوسطى.
يعود تأسيس المتحف إلى سنة 1984، في إطار الحملة الدولية لإنقاذ قرطاج التي قادتها اليونسكو والمعهد الوطني للتراث. وعلى جدرانه الخارجية، تتوزع لوحات فسيفساء تنتسب إلى حفريات 1969–1970، فيما يضم داخله اكتشافات السيرك الروماني، بينها تاج عمود كورنثي، ومدافن للخيول، ولوحة فسيفسائية لسوّاقي عربات السباق. ويحتضن المتحف أيضا الصهريج السفلي الذي اكتُشف داخله تمثال غانيماد والنسر بعد العثور عليه مفككا إلى سبعة عشر جزءا قبل ترميمه.
بعد أكثر من سنة من الأشغال، سيكون افتتاح المتحف المسيحي المبكر رافدا جديدا للسياحة الثقافية، ودليلا على قدرة تونس على صون ماضيها وتطوير أساليب تقديمه بما يخاطب عصر اليوم.