إيران تعلّق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية رسالة تصعيد بعد "العدوان النووي" أم ورقة تفاوض جديدة؟

في خطوة تعكس تصعيدا دبلوماسيا خطيرا أعلن الرئيس الإيراني

مسعود بزشكيان تعليق تعاون بلاده مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على خلفية ما وصفه بـ"انحياز الوكالة وازدواجية معاييرها" في التعامل مع الملف النووي الإيراني، خاصة بعد الهجمات الإسرائيلية-الأمريكية على منشآت نووية وعسكرية داخل البلاد الشهر الماضي. وبحسب وكالة "تسنيم" الإيرانية، فإن بزشكيان صادق رسميا على قانون أقرّه البرلمان الأسبوع الماضي، يُلزم الحكومة بوقف التعاون مع الوكالة، بعد سلسلة من الاتهامات الموجهة لها بالتواطؤ، والتغاضي عن العدوان العسكري الذي طال منشآت خاضعة للرقابة الدولية.

ووفق مراقبين فان قرار بزشكيان ليس مجرد موقف احتجاجي ضد الوكالة، بل يُفهم كرسالة إستراتيجية موجهة إلى المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، مفادها أن إيران لن تستمر في الالتزام بقيود رقابية دولية في وقت تُقصف فيه منشآتها النووية وتُغتال كوادرها العلمية.وفي اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتهم بزشكيان المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، بأنه "لم يتصرف بحيادية" و"غضّ الطرف عن هجمات غير قانونية" استهدفت الأراضي الإيرانية، بدلًا من أن يدينها، في انتهاك واضح للقانون الدولي، بحسب تعبيره.

التصعيد النووي...

تأتي هذه التطورات على خلفية واحدة من أخطر موجات التصعيد العسكري بين إيران و"إسرائيل"، بدعم مباشر من واشنطن. ففي 13 جوان، شنت إسرائيل، بمشاركة أمريكية، هجوما واسع النطاق على الأراضي الإيرانية استمر 12 يوما، استهدف مواقع عسكرية ونووية، وأسفر عن اغتيال عدد من العلماء والقادة العسكريين.
الرد الإيراني لم يتأخر، إذ استهدفت طهران مقار استخباراتية وعسكرية إسرائيلية، بعضها في الخارج، ثم صعدت الهجوم لتضرب قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر بعد أن أعلنت واشنطن أن برنامج إيران النووي "تم تحييده".في 24 جوان ، أعلنت الولايات المتحدة وقفا لإطلاق النار مع إيران، ما هدّأ التصعيد العسكري مؤقتا، لكن القرار الإيراني بتجميد التعاون النووي جاء ليعيد منسوب التوتر إلى مستويات مقلقة.
دلالات القرار
ويرى خبراء أن قرار تعليق التعاون لا يعني بالضرورة انسحابا كاملا من معاهدة عدم الانتشار النووي ، لكنه يفتح الباب واسعا أمام احتمال تقليص الرقابة على منشآت حساسة، أو حتى تسريع العمل على البرنامج النووي دون إشراف دولي، وهو ما قد يعيد طهران إلى مربع العزلة ما قبل الاتفاق النووي لعام 2015.
غير أن توقيت القرار يشير أيضا إلى بُعد تفاوضي، إذ تسعى طهران لاستثمار ورقة "الردع النووي" في مواجهة ضغوط غربية متزايدة، لا سيما في ظل مساعٍ أمريكية – بقيادة ترامب – لإعادة هندسة الشرق الأوسط بعد هدنة غزة واتفاق وقف إطلاق النار مع إيران.

وتلعب الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقليديا بمثابة دور الصندوق الأسود للأنشطة النووية حول العالم. وأي إضعاف لوجودها الرقابي في إيران يعني تراجعا في قدرة المجتمع الدولي على تتبع البرنامج الإيراني، وهو ما قد يدفع الأطراف الغربية – وخاصة إسرائيل – إلى العودة لسياسة الضربات الاستباقية، في حال غياب الشفافية أو ازدياد الشكوك حول نوايا طهران النووية.
في الأثناء فرنسا، التي كثّفت اتصالاتها مع طهران وواشنطن مؤخرا، تحاول دفع الطرفين إلى العودة لمسار تفاوضي أوسع، يشمل البرنامج النووي والأمن الإقليمي. بينما تتحرك روسيا بصمت عبر قنواتها الخاصة، محذّرة من أي مساس بالتوازن الأمني في الخليج.
ويُرجّح أن يكون ملف تعليق التعاون مع الوكالة بندا رئيسيا في أي محادثات لاحقة، سواء جرت عبر وساطة أوروبية أو عبر ترتيبات أمنية إقليمية جديدة قيد التشكل.
ويمثل تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الذرية رسالة قوية مزدوجة، فهي ترفض أن يُستهدف برنامجها النووي دون ثمن، وتؤكد أن الضمانات الدولية ليست من طرف واحد. في الوقت نفسه، تستخدم هذه الخطوة كورقة ضغط لإعادة صياغة معادلات القوة في الإقليم، وتثبيت موقعها كلاعب لا يمكن تجاوزه.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115