بل هو قلب يخفق بالانتماء إلى الوطن وفداء الأرض بالروح والدم. وهو ما يبرّر التفاعل الكبير مع كل محاولة لإنشاده بطريقة مختلفة أو لعزف لحنه بإيقاعات غير معتادة... ومرة أخرى يثير النشيد الوطني التونسي الجدل في افتتاح أيام قرطاج الموسيقية بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي.
على إيقاع نغمات آلة البيانو بإمضاء أنامل العازف جهاد الخميري، غنّى الفنان محمد علي شبيل النشيد الوطني التونسي على طريقته بصوت طربي لا يخلو من طابع أوبرالي في افتتاح الدورة العاشرة لأيام قرطاج الموسيقية مساء السبت 18 جانفي 2025.
"نشيد مقدس" وتجديد موسيقي
لا اختلاف في الطاقات الصوتية للفنان محمد علي شبيل ولا في تفرد موسيقاه التي تجمع بين الأصالة والتجديد مع الوفاء للأغنية التونسية. إلا أن غنائه للنشيد الرسمي التونسي في مرافقة موسيقية لآلة البيانو أثار استهجان البعض باعتبار أنه لا يجوز "إفراغ النشيد الوطني من إيقاعه الحماسي، ومن غير المستحب إنشاده على غير الطريقة المتوارثة عبر الأجيال".
وليست هي المرة الأولى التي يتم فيها تقديم النشيد الوطني في طابع موسقي غير معتاد ، ففي صيف سنة 2019 ومن قصر الجم، التقت ثلاثة من أجمل الأصوات التونسية، وهم لطفي بوشناق وأمينة فاخت وصابر الرباعي لتعيد غناء النشيد الرسمي في ثوب جديد وفي فيديو كليب بمناسبة عيد الجمهورية. وكانت هذه البادرةقد جاءت من طرف مصالح الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان (منصة الخطاب البديل) بالاشتراك مع وزارة الدفاع الوطني (طاقم الموسيقى العسكرية) ووزارة الشؤون الثقافية (الأوركستر السنفوني التونسي ومسرح الأوبرا) ومؤسسة التلفزة التونسية ومؤسسة الإذاعة التونسية.
وبعد أن تم إطلاق هذا الفيديو الكليب انهمرت التعاليق بين الاستحسان والاستهجان... حيث اعتبر الموسيقار ربيع الزموري وقتها أن النشيد الرسمي هو "نشيد مقدس لا يكون إلا رسميا ولا يجوز التزيين والتسلطن في إنشاده..."
وسبق أن حاول بعض قادة الأوركستر في تونس على غرار الشاذلي القرفي وحافظ مقني وغيرهم العزف على أوتار النشيد الوطني بطريقة أخرى لكن أغلبية الجمهور كانت لا تعترف إلا بالنسخة الأولى لنشيد تونس.
مطالب لتغيير النشيد الرسمي التونسي
لا تقتصر محاولات التجديد في النشيد الوطني على الموسيقى، بل طالت الشعر باعتبار أنّ النشيد الرسمي التونسي كتبه الشاعر المصري مصطفى صادق الرافعي ولا يحتوي سوى على بيتين لشاعر تونس الكبير أبو القاسم الشابي ، وهما : إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ. فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ. ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي. ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ."
فقد سبق في سنة 2019 أن تعرضت الشاعرة التونسية سنية الفرجاني لانتقادات واسعة، بعدما طالبت بتغيير النشيد الوطني بكلمات تونسية خالصة ،على اعتبار أن شعراء تونس أولى بنشيد وطنهم."
وحدث أن وصلت محاولات التعديل أو حتى تغيير النشيد الوطني الوطني إلى قبة البرلمان، ففي سنة 2012 كان نائب الشعب الراحل الطاهر هميلة الذي كان عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في جلسة المجلس بتبديل النشيد الوطني معتبرا " أن النشيد الوطني الحالي وجد لظرفية معينة وهي فترة الاستعمار وكان يدعو إلى مواجهة المستعمر والوقوف في وجه الطغيان ... أما في الفترة الحالية فقد تغير السياق ولم يعد النشيد مواكبا لتغييراته.."
والنشيد الوطني التونسي (حماة الحمى) كتبه أغلب كلماته مصطفى صادق الرافعي، وتمّت إضافة بيتين لشاعر تونس الأكبر، أبو القاسم الشابي، ولحّنه أحمد خير الدين. واعتمد رسميا في سنة 1987.
توزيع جديد للنشيد الوطني في مصر ولبنان
أمام الجدل الحاصل في تونس بعد كل ظهور للنشيد الوطني الرسمي في شكل موسيقي جديد، أعلنت الفنانة المصرية "أنغام" عن فخرها بأداء النشيد الوطني المصري "بلادي بلادي" بتوزيع جديد بتوقيع المايسترو هاني فرحات وتوزيع حسن الشافعي وإخراج مازن المتجول.
من مصر إلى لبنان ، أعلن المؤلف والمنتج الموسيقي اللبناني غدي الرحباني عن إطلاق توزيع جديد للنشيد الوطني اللبناني، في عزف "الفرقة الفلهارمونية" لمدينة سان بطرسبورغ، بقيادة المايسترو العالمي نيقولاي الكسييف. يذكر أن النشيد الوطني اللبناني من شعر رشيد نخلة ومن تلحين وديع صبرا. ويأتي هذا التغيير في النشيد الوطني اللبناني تزامنا مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيسا جديدا للبنان.