بناء على الموعد الذي حدده الوسطاء، أي الولايات المتحدة وقطر ومصر. وكانت الساعات الفاصلة بين حرب الإبادة ووقف اطلاق النار، هي الأطول والأثقل على الغزاويين وعلى الأسرى الفلسطينيين الذين انتظروا طويلا لحظة الافراج والتحرر من غياهب السجون .
وفي ظل مخاوف من تراجع الاحتلال ونكثه بوعوده واتفاقياته مجددا ، وعلى وقع دوي الانفجارات حتى الدقيقة الأخيرة من بدء سريان الاتفاق، وقف الغزاويون طويلا في صفوف الانتظار الطويل ، بفرح مجبول بحزن المأساة لفقدان الأحباء والأهل، وعيونهم مسلّطة على ما تبقى من أحيائهم ومنازلهم . وبعد 15 شهرا من حرب الإبادة الصهيونية استطاعوا أن يستعيدوا بعضا من أنفاسهم وأن يجدوا الوقت لرثاء الشهداء والبحث عن مصير المفقودين ولملمة الجراح والأنقاض معا . ليستوعبوا حجم الكارثة الانسانية التي عاشوها وتعايشوا معها بصمود غير مسبوق .
لقد تقاسم الجميع امس بداية عودة الروح مجددا الى أجسادهم المنهكة والى أرضهم التي نزفت طويلا بعد عام ونيف من التنكيل النفسي والجسدي.
تقول الأرقام بان 6 بالمئة من سكان القطاع استشهدوا في هذه المحرقة الصهيونية وكان الهاجس الأكبر هو ان تحدث نكبة نزوح أخرى بعد التهجير القسري ، خاصة ان الاحتلال ركز على إقامة مواقع عسكرية دائمة في نتساريم وفيلادلفيا وفي عديد المخيمات ، وعلى جعل غزة بعد الحرب سجنا كبيرا للغزاويين بعد اجتثاث المقاومة .
ولكن كل مخططات حكومة الاحتلال ذهبت مع بزوغ شمس التاسع عشر من جانفي، فالواقع على الأرض يكشف بان نتنياهو هو من سيرحل وستبقى غزة رغم كل الدمار . فقد أثار الاتفاق أزمة حكم كبيرة في الداخل الإسرائيلي مع اعلان حزب الوزير اليميني المتطرف إيتمار بن غفير عن انسحابه من الائتلاف الحاكم في إسرائيل احتجاجا على اتفاق وقف إطلاق النار الذي وصفه بأنه "مشين" في غزة. واعتبر بن غفير اتفاق وقف إطلاق النار هو بمثابة "استسلام لحماس" منددا بـ"إطلاق سراح مئات القتلة" و"التخلي عما وصفه إنجازات "الجيش الإسرائيلي"في الحرب"
وخيمت الشكوك امس على البدء بتنفيذ الاتفاق خاصة ان نتنياهو هدد بأن وقف إطلاق النار لن يبدأ قبل أن تقدم حماس قائمة بأسماء الرهائن في حين اكدت حماس التزامها بكل بنود الاتفاق وان التأخر في تسليم القائمة يرجع لأسباب "فنية ميدانية".
يمهد هذا الاتفاق لنهاية حرب هي الأطول في تاريخ المنطقة وغيرت الكثير من المعادلات الاقليمية مع توسعها الى باقي دول الإقليم خاصة لبنان. وستستمر المرحلة الأولى من الاتفاق ستة أسابيع، وسيتم خلالها إطلاق سراح 33 من أصل 98 رهينة متبقين، نساء وأطفال ورجال فوق الخمسين عاما ومرضى وجرحى، مقابل إطلاق سراح ما يقرب من 2000 سجين ومعتقل فلسطيني. وتشمل هذه القائمة 737 سجينا من الذكور والإناث والقصر. وفي المقابل يتم اطلاق سراح ثلاث رهائن من الإناث عن طريق الصليب الأحمر.
وتبدو المرحلة القادمة في غزة مثقله برهانات صمود هذا الاتفاق وبتحديات إعادة الاعمار في هذا القطاع المنكوب. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أسطولا من أكثر من مائة شاحنة سوف يستغرق 15 عاما لتطهير غزة من نحو 40 مليون طن من الأنقاض. كما يؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن إعادة بناء المنازل التي دمرت خلال الحرب في غزة قد تستغرق حتى عام 2040 ، مع تكلفة إعادة الإعمار الإجمالية في جميع أنحاء القطاع تصل إلى 40 مليار دولار. ويشير التقرير الأممي إلى أن أكثر من 70 بالمئة من مساكن غزة، تضررت، إلى جانب المدارس والمستشفيات والشركات.
وتقول وكالات الإغاثة إن أغلب سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة نزحوا عن ديارهم، وتكدسوا في بقعة صغيرة محرومين من أبسط الاحتياجات الحياتية فضلاً عن غياب الأدوية وانهيار المنظومة الطبية والصحية بالكامل .
فبعد وجع الحرب وآلامها يجد الغزاويون أنفسهم أمام واقع جديد مع تدمير شامل يجعل الحياة في غزة أصعب من أي وقت مضى ، ولكن الأمل بالبقاء وإرادة الصمود والتسمك بغصن الزيتون المقدس هو من سيرشدهم الى نهاية النفق .