ويشترك جميعهم في ولادة فعل ابداعي ينصت لبوح العقل وحكاياته، وتنهي المسرحية بمجرد عرضها على الخشبة، لتظل حيّة بطريقة مختلفة حين تلتقطها عدسة الكاميرا، فالصورة كتابة مسرحية اخرى للعمل المسرحي، الصورة صوت لجسد الممثل وانينه لحظة التماهي مع الشخصية "فهناك شيء واحد يجب أن تحتويه الصورة، إنسانية اللحظة".
الصورة كتابة اخرى للفعل المسرحي فهي الوثيقة البصرية التي ستعيش دائما، ترافق ذاك الفعل وبمناسبة الدورة الثانية لتظاهرة مواسم الابداع الذي ينظمها المسرح الوطني وجمعية عبد الوهاب بن عياد ومؤسسة ميكروكراد كرّمت الصورة من خلال معرض " مونولوغ/مونوكروم" للفنان قيس بن فرحات الموجود في رواق الفنون بالمسرح الوطني قاعة الفن الرابع.
تختزل الصورة الاف الكلمات، اقتنص بن فرحات لحظات انتشاء الممثل اثناء اللعب، وثق لتلك اللحظات الحسية والانسانية بعدسته، لتبقى تلك الطاقة ثابتة وحية دائما، "مونولوغ/مونكروم" تجربة فنية عمرها سبعة اعوام من التصوير للمسرح، صور تكاد الشخصيات والممثلين يغادرون الاطار الاسود ليعيدوا نفس اللعب وربما بطرق مختلفة، تجربة توثق للحظة الصدق والابهار، جولة بين اعمال تونسية واجنبية اختار الفنان ان تكون باللونين الابيض والاسود لانهما يرمزان الى الحياة.
"ملا حياة، وجايع تخرج منها حكايات، ضعف تخرح منه قوة، وظلم يجعلك كل يوم اكبر، كان خدمنا راهو ضغط وكي نرتاحو يولي فراغ، من 5الى 66 تتعدى في رمشة عين وبعد الموت تراقب فينا، تجري ورانا واحنا هاربين" بهذه الكلمات قدم الفنان لمعرضه الذي يوثق لاجمل لحظات الفعل المسرحي، لحظة تجلّي الممثل في سمائه.
تصنع الصور قراءات اخرى للاعمال المسرحية، يعيد المصور بعدسته الحياة لاعمال مسرحية سبق وان قدمت وانتهت عروضها وربما نسيها المتابعين، لكن الصورة تدغدغ اركان الذاكرة المظلمة وتشعّ نورا ليتذكر المتفرج تلك الاعمال ويستحضر جمالياتها ويقف للحظات امام اللوحة ربما متذكرا نصا او اداء الممثل او مشهد تقاسم سحره مع صناع الجمال، في معرضه يميل الفنان الى الصور الضبابية قراءة ضوئية اخرى للفعل المسرحي، ضبابية الشكل او الشخصية تعكس ثقافة المصور وقدرة على تحويل اللامرئي الى مرئي، تجربة تختزل الكثير من الابداعات والتصوير للمسرح، فالصور جميعها لها دلالتها الفنية والجمالية وكذلك الانسانية، اقتناص لحظات الفرحة والحب وتقديمها لمحبي الفن الرابع وجمهوره باسلوب تصويري فريد يبدع بن فرحات في استعماله فالتقاط الصزر هو تذوّق للحياة بشكل مكثّف كل مائة من الثانية كما يقول مارك ريبود.