هذا الصرح الحضاري الذي يحمل رؤية ثقافية وفكرية تقوم على الانفتاح على النوافذ والضفاف الأخرى يشّع كمنارة علمية وأكاديمية . ويضيء على زوايا الفكر والتأمل ويحلق بزائريه الى أماكن بعيدة في عمق التاريخ المشترك بين الصين والدول العربية .
في عام 2011 انطلقت مبادرة الحزام والطريق على درب طريق الحرير التاريخي القديم . وهو العام نفسه الذي تأسس فيه بيت الحكمة في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي في شمال غربي الصين . ويمثل المشروع الثقافي المتعدد الأوجه لمبادرة الحزام والطريق . يقول نائب رئيس بيت الحكمة عصام ايدام آدم أحمد، من السودان ان بيت الحكمة هي مجموعة للتبادل الثقافي بين الصين والدول العربية موضحا :" ان المؤسسة تعمل بشكل أساسي على التعريف بالحضارة الصينية وتعزيز التبادل الثقافي بين الطرفين بتعليم الدولي للغة الصينية وترجمة الكتب الهامة سواء الصينية او العربية ولها فروع خارج الصين وداخلها وتتوزع بين دول المقر الرئيسي إضافة الى مقر في بيكين وغيرها من المدن ويمتلك فريق مكون من عديد الخبراء والموظفين العاملين في عدة مجالات". وتابع في حديثه لوفد من الصحفيين العرب في زيارة الى ينتشوان :"تسعى المؤسسة الى السير على خطى الحكومة الصينية وأفكار الرئيس الصيني وتفسير الحكمة الصين ورسالتها تنشيط التبادلات الثقافية بالإضافة الى خلق روابط بين الشعوب لتعزيز الوحدة . وتأمل ان تكون رائدة في مجال المؤسسات الثقافية واما مجالات عملها فهي الكتب واللغة الصينية وإنتاج المرئيات وغيرها من الأنشطة الثقافية:"
وتابع بالقول :"قامت المؤسسة بترجمة أكثر من 1500 كتاب موزعة بين المجالات السياسية والثقافية والكلاسيكيات القديمة وغيرها ، بالإضافة الى الكتب المعاصرة وكتب الأطفال . وقامت بتوزيع ودبلجة العديد من برامج الأطفال في التلفزيون بلغ عددها 110 عمل . وفي البداية كات تركيزنا منصبا على اللغة العربية وفيما بعد توزعت المجالات لتشمل اللغات الفرنسية والانغليزية والفارسية والاسبانية وغيرها . وعملنا على ترجمة عديد الكتب التي تتحدث عن أفكار الرئيس الصيني حول الحكم والإدارة. بالإضافة الى سلسلة فهم الصين".
وقال ان اهم كتاب لقي شعبية في الدول العربية هو كت كتاب "جاكيشان لا تكبر ابدا "والأجسام الثلاثة وهي احدث الاصدارت.بالإضافة الى كتب تتناول شخصيات عامة مشهورة في مجال الطلب الصيني ".
وقال ان مؤسسة بيت الحكمة لها 6 فروع منها 3 داخل الصين و3 أخرى بالدول العربية في مصر والمغرب ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتعمل في مجالات الترجمة والنشر بالصينية والعربية، وكذلك الصناعات الثقافية، وتعليم اللغة الصينية، والدراسات والبحوث الاستراتيجية."
وقال ان من المخططات المستقبلية للمؤسسة ترجمة المزيد من أعمال الأدب الصيني للجمهور العربي وكذلك ترجمة الأعمال العربية للصينيين من أجل تعميق الفهم بالآخر بكل أريحية وبعيدا عن التصنيفات المسبقة الخاطئة او المسيسة ".
وفي رده على سؤال المغرب حول تطوير العلاقات بين بيت الحكمة وتونس قال انه يتطلع الى تعاون ثقافي أفضل مع تونس وقال انه تم عرض عديد الأعمال الصينية المدبلجة الى اللغة العربية في القناة التونسية الرسمية . ويطمح للتعاون مع عديد دول النشر في تونس. اما عن أهمية التبادل الثقافي في خضم التحديات المشتركة أجاب بالقول :" انه من المهم بمكان معرفة الآخر ومعرفة الصين بعيدا عن التصنيفات المسبقة السطحية .وقال ان العرب لا يعرفون ماذا يجري في الصين من تطور. لذلك فإن دور الثقافة يتجلى في تعميق الفهم بين الشعوب وخلق مستقبل مشترك أفضل لمجتمعاتنا".
واضافة الى بيت الحكمة تضم مدينة ينتشوان عاصمة منطقة نينغشيا ذاتية الحكم العديد من المعالم الهامة ، منها متحف ينتشوان الذي يعرض العديد من القطع الأثرية الهامة التي تتحدث عن تاريخ هذه المنطقة وشعبها الذي ينتمي الى قومية هوي المسلمة . كما يعرض المتحف التراث اللامادي من تقاليد المأكل واللباس وطريقة حياة هذه القومية من العصور القديمة الى الحاضر . وقصة تطور هذه المنطقة ذاتية الحكم في الصين المتعددة الثقافات والأديان والقوميات.
في الساعة الحادي عشر ليلا يطرق مطر ينتشوان الصيفي نافذة الغرفة في الفندق ويلامس معه الروح لتشّع أعمق وأكبر وأوسع ...هنا على شفة الكون نقف أمام حكاية أسطورية ولقاء أبدي بين الثقافات. فهذه المدينة التي تقع في شمال غربي الصين كانت نقطة مفصلية على طريق الحرير القديم الذي ربط الصين بالدول العربية والإسلامية قبل أكثر من ألفي، كما أنها المنطقة الذاتية الحكم الوحيدة لقومية هوي ذات الأغلبية المسلمة على مستوى المقاطعات.
استطاعت مدينة ينتشوان المبهرة بجمالها وسحرها الخاص ان تجمع كل الفصول في آن واحد ...فمطرها الغزير في فصل الصيف ينقل الزائر الى أحلام وأساطير شعبها الأول بروح تجمع بين أصالة الماضي وانفتاح الحاضر ...هنا الحياة لها طعم آخر بالوان الفرح والبهجة المفعمة برائحة الأشجار والنباتات التي تزين كل الأمكنة . فكانت ينتشوان بالفعل جسرا للتلاقي الحضاري بكل معالمها الإسلامية والثقافية والحضارية .