إتجهت أحاديث الخبراء ونقاشات مراكز الفكر من تناول سيناريوهات اليوم التالي في غزة إلي تحليل المرحلة الثالثة من العمليات العسكرية الإسرائيلية والتي تسعي تل أبيب من خلالها إلي تثبيت مناطق عازلة وقبضة أمنية قوية على القطاع تحول دون أي تهديد مسلح بإتجاهها .
ومع ذلك فقد أقر جيش الحرب بأن عدد القتلى الذين سمح بنشر أسمائهم بلغ 556 قتيلاً منذ بدء الحرب ، و221 منذ بدء العملية البرية علي قطاع غزة ، وأثار مقتل 21 جنديا هذا الأسبوع في وسط قطاع غزة لعاب اليميني المتطرف ' بن غفير ' للتصريح بأن تلك الواقعة تؤكد أنه لا ينبغي أن تخفف تل أبيب من تصعيد العمليات القتالية في غزة، حتي يتم تدمير الهيكل العملياتي للجناح العسكري لحماس .
لا يمكن إغفال أن مقتل 21 جندياً مثل صدمة لوسائل الإعلام ونشر الصحفي ' باراك رافيد' أن حكومة نتنياهو قدمت إقتراحاً للوسطاء الإقليميين بإستعدادها وقف مؤقت لمدة تصل إلي شهرين مقابل إطلاق كافة الرهائن المتبقين في غزة علي مراحل ، وفي تقدير الصحفي المقرب من واشنطن أنه على الرغم من عدم تضمين ذلك الطرح اتفاقاً لإنهاء الحرب إلا أنها تعد أطول فترة توقف تعرضها تل أبيب علي حماس منذ بداية الحرب، علماً بأن هناك تقديرات عدة تشير إلي أن تل أبيب ليس لديها تصوراً واضحاً لسيناريوهات ما بعد الحرب نتيجة للإنقسامات السياسية والحزبية .
لم تنجح الضغوط الدولية في إجبار سلطة الإحتلال علي رفع يدها عن مسارات إيصال المساعدات الإنسانية وعرقلة عمل منظمات الإغاثة ، ومازالت النقاشات في دوائر صنع القرار بالدول الأوروبية وأجهزة الإتحاد الأوروبي تتناول عدة أفكار حول تجنب التصعيد الإقليمي ودعم إعادة إعمار في غزة وإعداد خطة سلام شاملة تتضمن الأمن المستقبلي لكل من دولة الاحتلال ودولة فلسطينية مستقلة بما يسمح بتعزيز التعاون الأمني والإقتصادي في المنطقة ( تلوح تل أبيب بعدم تمديد اتفاقية مد الأردن بالمياه ) ، ويدرك القائمون علي بحث تلك الأفكار صعوبة عقد مفاوضات مباشرة بين الجانبين في هذا التوقيت في ظل عدم تقديم بديل لحماس وعدم توفر إرادة سياسية لدي تل أبيب للدخول في تسوية سياسية علي أساس حل الدولتين ( لدي رئيس وزراء الإحتلال ووزراء حكومته أن استخدام القوة المفرطة يمثل النهج الأنسب بهدف القضاء علي حماس ) .
أما عن المساعي التي تبذلها واشنطن لإظهار اهتمامها بعملية السلام بصرف النظر عن دعمها لحرب تل أبيب علي غزة ، أشار ' آلون بينكاس' في مقال رأي بجريدة 'هآرتس' عن تقديره بأن الإدارة الأمريكية غير صائبة في مساعيها لطرح مسألة حل الدولتين بشكل متكرر في الأيام الماضية خاصة أن نتنياهو قد يستغل ذلك الأمر لخدمة مصالحه السياسية الشخصية ، وأضاف أن حل الدولتين قد يمثل التسوية الأمثل والأكثر إستدامة للقضية الفلسطينية إلا أن واقع الأمور يبرهن علي أن الوصول لمثل ذلك الحل لا يزال بعيداً .
كما ذهب 'بينكاس' في تحليله إلى أن واشنطن لديها نوايا حسنة من ذلك الطرح وإن كان التوقيت لا يراعي الصدمة النفسية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي في أعقاب هجوم حماس ، وأن السابع من أكتوبر لا يمثل هزيمة للجيش والمخابرات والرؤية الأمنية الإسرائيلية فقط بل غياب الثقة وإحلال الشعب الإسرائيلي ، ووفقاً لتقديرات 'بينكاس' الذي سبق أن عمل مستشاراً لرئيس الوزراء الأسبق ' إيهود باراك ' أن إنتقال المجتمع من حالة الصدمة النفسية إلي مرحلة الإدراك لأهمية تغيير المفاهيم القائمة علي تجاهل الحقوق الفلسطينية يجب ان يتم -بشكل تدريجي - وألا يتم تكثيف الضغط الدولي -بصفة خاصة من جانب الحليف التقليدي واشنطن - حتي يتسنى بلوغ مرحلة الإدراك المطلوب بشكل فاعل وضمان منع نتنياهو من استخدام حيلته المعروفة بكونه الوحيد القادر على حماية إسرائيل من سيناريو إقامة دولة فلسطينية ( بعض الشخصيات في حكومة دولة الإحتلال لا يعترفون بوجود الفلسطينيين ) .