ففي مرحلة أولى نجح الآباء المؤسسون للجامعة التونسية في وضع قواعد سليمة للتكوين الجامعي، تدريسا وبحثا، بما ساهم في الارتقاء بالتحصيل المعرفي كمّا وتنويعا وجودة، وفي تأهيل أعداد متعاقبة من الخرّيجين أشعّوا على المجتمع والبلاد تكوينا وتنويرا وبناء، بما اكتسبوه من فكر حرّ ناقد وعقل باحث مبدع. وقد آلت إسهامات عدد من الجامعيين التونسيين وإشعاعُهم إلى تتويجهم على الساحة الدولية الجامعية وغير الجامعية.
غير أن المرحلة الأخيرة شابتها مظاهر سلبية تراجع معها ألَقُ الجامعة ودورها كقاطرة للتنمية الشاملة والمستدامة بالبلاد. ومن بين تلك المظاهر نذكر :
المفارقةَ الواضحة بين أقلّية متناقصة من المؤسسات الجامعية المُميَّزة وأغلبية متفاقمة من مؤسسات تُفرز خريجين بتكوين متراجع وفي اختصاصات ضعيفة التشغيلية.
الخللَ الوظيفي الناجم عن عدم الالتزام بالمعايير العلمية الضرورية لممارسة المهنة في حقلي التدريس والبحث، ويكون ذلك عادة على علاقة بالإخلالات المسجّلة عند انتداب الأساتذة والباحثين وترقيتهم.
- سلعنة المعرفة واستفحال ظاهرة الدروس الخصوصية في الوسط الجامعي.
وقد أدّت هذه المظاهر إلى تراجع المردود النوعي للجامعة وتدحرجِ الجامعات التونسية على لوائح الترتيب العالمية. ويعود ذلك لعدد من العوامل المتضافرة، من أهمّها تتابع الإصلاحات المُسقَطة وغير المدروسة التي لم تُمكّن من مواجهة التحديات الكمية والنوعية داخل الجامعة، وذلك في ظلّ نظام سياسي ما انفكّ ينزع نحو المزيد من الاستبداد وما يلازمه من حوكمة مزعومة وتضييق على الحقوق والحريات، ومنها الحرية الأكاديمية، وتواصل الأمرُ على تلك الحال إلى ما بعد قيام ثورة ديسمبر2010- جانفي 2011.
اعتبارا لكلّ ذلك أصبح المجتمع عموما والأوساط الجامعية على وجه الخصوص قلِقين على مستقبل الجامعة التونسية.
ودرءا لمزيد تآكل المكاسب الجامعية وسعيا لدعمها خدمة للبلاد ولكلّ المجتمع دافع الجامعيون وممثلوهم بمختلف المجالس والهيئات، إلى جانب شخصيات جامعية اعتبارية عن الصرح الجامعي حتى يظلّ قائما في أداء الرسالة التي شُيّد من أجلها، ورائدا عبر القِيم التي يُشيعها، ومُحرّكا لتنمية البلاد وتحديثها.
في هذا الإطار واقرارا منها بأنّ المعرفة قيمة كونية، بادرت الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية منذ أكثر من سنتين بتنظيم عدد من اللقاءات والنّدوات العلمية بعدّة جامعات تونسية شاركت فيها عديد الكفاءات من البلاد التونسية ومن خارجها وذلك قصد بلورة هذا «الميثاق الجامعي».
ينصّ الميثاق على المبادئ والقيم التي يجب توفّرها لإرساء قواعد السلوك السليم والتصرّف الرشيد والتعامل المسؤول بين مختلف مكوّنات الجامعة حتى تؤدّي مهامها على الوجه الأكمل في إنتاج المعارف وتبليغها ونشرها بالداخل والخارج وتفعيلها بأرجاء البلاد وفي المجتمع. ولقد بدأ التفكير في صياغة هذا الميثاق مباشرة بعد حدوث الثورة التي أدخلت البلاد في مرحلة انتقال ديمقراطي من سماتها ضمان الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي بمقتضى دستور 2014.
يمثّل «الميثاق الجامعي» مرجعا مُكمّلا للقوانين التي تضبط صلاحيات مختلف الهيئات والمؤسسات الجامعية، وواجبات مختلف العناصر المكوّنة للوسط الجامعي وحقوقها انطلاقا من الدستور، مرورا بالمعاهدات والتوصيات الصادرة عن الهيئات الأممية والندوات الدولية المتعلّقة بقطاعي التعليم العالي والبحث العلمي، ووصولا إلى القانون المنظم للجامعات والقوانين الأساسية الخاصة بمختلف المهن بالجامعة والأنظمة الداخلية للمؤسسات. ويتميّز هذا الميثاق بتثبيته لمبادئ وقِيَم أخرى تبلورت في شكل أعراف وتقاليد وأخلاقيات جامعية يوحي بها الضمير الأكاديمي ويُقرّها المجتمع الجامعي.
• مبادئ الميثاق الجامعي وقيمُه
القسم الأول: في معنى الحرية الأكاديمية واستقلالية الجامعة وحوكمتها
في معنى الحرية الأكاديمية
هي الحرية المُعترف بها للجامعيين في ممارسة التدريس والبحث والتأطير بمقتضى قواعد أخلاقية ومعايير أقرّتها الأوساط العلمية الدولية طبقا لتوصيات الندوة العامة لليونسكو لسنة 1997 الخاصة بوضع مدرّسي التعليم العالي والندوة العالمية حول التعليم العالي لسنة 1998.
والحرية الأكاديمية هي في جانب منها امتداد للحريات والحقوق الأساسية المضمونة للمواطن طبقا للدستور والمواثيق الدولية، ولا سيما منها الحقوق المتعلّقة بالتفكير والتعبير والاجتماع والتنقّل والتنظّم، وكذلك حق الجامعي-المواطن في النقد وفي الانخراط في الدفاع عن قضايا وأنشطة ذات صلة بممارسته لوظيفته، دون أن يَلحَق بشخصه تتبّع أو عقاب.
بناء على كلّ ذلك يتمتّع الباحث والمدرّس الباحث والطالب الباحث في إطار أدائهم لمهامهم بجملة من الحريات الخصوصية وهي:
- حرّية البحث والتدريس ومناقشة الدروس والبحوث ونشرها وذلك في مناخ من التسامح واحترام الاختلاف في الآراء بعيدا عن كلّ أشكال الرقابة والقيد.
- الانفتاح على الجامعات الأجنبية بتبادل الأساتذة والطلبة لإلقاء الدروس والقيام بأبحاث.
- الانفتاح على اللغات والثقافات الأجنبية.
- حرّية المشاركة في المؤتمرات الدولية حول اهتماماتهم العلمية والبيداغوجية والبحثية والسفر إلى الخارج، واستخدام شبكة الإنترنت والمشاركة في ملتقيات علمية عن بعد.
- حرّية إنجاز أعمال إبداعية وابتكارية.
ويترتّب عن ذلك جملة من الحقوق تتمثّل في:
- الحق في مكتبات مزوّدة بمصادر ومراجع منوّعة وكافية وبوثائق ثرية ومُحيَّنة وبمخابر تتوفّر على التجهيزات الضرورية لإجراء البحوث.
- الحقّ في النّفاذ إلى المعلومة ومصادرها أينما وكيفما كانت، بما في ذلك إجراء البحوث الميدانية والاستقصائية لدى الإدارات والمؤسّسات والمواطنين.
- الحقّ في فضاء جامعي تتوفّر به شروط السلامة المهنية من مختلف المخاطر الممكنة، خصوصا بمخابر البحث.
- الحقّ في العمل والإبداع داخل حرم جامعي تتوفّر به شروط الحصانة الأكاديمية من كلّ أشكال الاعتداءات التي يمكن أن تقوم بها أطراف من داخل المؤسسة، أو من خارجها.
- ضمان وحفظ حقوق التأليف وبراءات الاختراع للأعمال المصادق عليها من قِبل هيئات علمية مؤهّلة في الغرض.
مقابل ذلك، وكما هو الشأن بالنسبة لكلّ حرية، لا تستوفي الحرية الأكاديمية كلّ معانيها وأبعادها إلاّ بعدد من الضوابط والواجبات التي تُلازمها، فيكون على الجامعي :
إذكاء الفكر النقدي لدى الطالب وتنمية ملكات المبادرة والإبداع لديه وحثّه على الإصداع برأيه.
- عدم استعمال المعلومات التي يحصل عليها الباحث والمدرّس الباحث والطالب الباحث في غير الأغراض العلمية والبيداغوجية.
- الالتزام بالبرامج التكوينية والبحثية المقرّرة سلفا من قِبل الهيئات المؤهّلة للغرض.
- الارتقاء المستمرّ بمحتوى الدرس تحيينا وتعميقا، وتجديدُ طرائق التدريس على ضوء المستجدّات العلمية التي جُرّبت فصحّت.
- الإقرار بأهمّية العمل الجماعي وممارستُه مع زملاء له داخل القسم ومع زملاء من الأقسام والاختصاصات الأخرى المعنية، داخل المؤسسة وخارجها، لما يتيحه ذلك من فتح آفاق علمية أرحب وتلاقح فكري أنجع.
- الإقرار بأهمية البحث العلمي بمختلف أنواعه ومجالاته، ودوره في الارتقاء بمستوى التعليم الجامعي وبمستويات التعليم الأخرى.
- حسن اختيار موضوع البحث حتى يكون طريفا، ونتائجه مُفيدة للبشرية عامة ويحقق إضافة لتنمية البلاد خاصة، إن بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
- الحرص على التميّز تدريسا وبحثا، وعلى تكوين مدارس رائدة في مناهج التعليم والطرائق البحثية.
في معنى استقلالية الجامعة وحوكمتها
إن استقلالية الجامعة وحسن حوكمتها كمؤسسة، تقابل الحرية الأكاديمية الفردية وضوابطها. فلا يمكن للجامعة أن تؤدّي دورها كاملا وهي في حالة تبعية عضوية لأية سلطة كانت لا تعترف بالفكر الحر ولا بحرية التفكير. وذلك لأن وظيفة الجامعة هي إنتاج المعرفة التي تنبني على تعدّد الأفكار وتنوّعها وتنطلق من بحوث موضوعية وميدانية بغاية الوصول إلى الحقيقة العلمية المؤسِّسة للمعرفة الكونية التي تجمع الإنسانية.
لقد سعى النظام السياسي في بلادنا في مناسبات عديدة إلى مراقبة الجامعة بطرق شتّى أهمّها فرض إصلاحات مسقطة وغير ناجعة والتضييق على هامش التصرّف الحر، ممّا أسهم في تراجع مردودها وأزاغها عن القيام بمهامها الأصلية.
وبفضل النفَس الجامعي المدافع باستمرار عن استقلالية الجامعة تحقّقت مكاسب تجلّت مباشرة بعد الثورة في إلغاء الجهاز الأمني والرقابة الإلكترونية وتعميم مبدإ الانتخاب على جلّ المؤسسات الجامعية ليشمل مختلف الهيئات المسيّرة لها. كما تضمّن الدّستور إقرارا بجملة من الحقوق والحرّيات في الغرض.
غير أن المكاسب التي تحقّقت لفائدة الجامعة واستقلاليتها تبقى في حاجة لتنزيل فعلي على أرض الواقع، يقطع مع ارتكاسات الماضي ويُرسي علاقة جديدة بين المؤسسة الجامعية وسلطة الإشراف تقوم على الشراكة والتشاور والتنسيق. ويتمّ تجسيم الاستقلالية الفعلية من خلال:
- إجراء المناظرات لقبول الطلبة الراغبين في التسجيل بها؛ ويكون ذلك على أساس الشفافية والمعايير العلمية.
- انتداب المدرّسين الباحثين ضمن الأسلاك القارة، والأعوان الإداريين والتقنيين والمهندسين والعمال الذين تحتاجهم حسب الكفاءة وعلى أساس الشفافية.
- ضبط برامج التدريس والبحث بعد التشاور مع كلّ الأطراف المعنيّة.
- اعتماد الأساليب والمقاربات البيداغوجية الأكثر نجاعة.
- اعتماد مبادئ تسيير إداري مجدية وتصرّف مالي مرن دون أن يتعارض ذلك مع قواعد المحاسبة العمومية، باتّباع طريقة المحاسبة البعدية.
- تطعيم ميزانية الجامعة بموارد خصوصية تتوفّر لها من إسداء خدمات تكوينية لفائدة محيطها الاقتصادي والاجتماعي، دون الوقوع تحت وصاية الخواص وتمويلهم أو الخضوع لإملاءات التنظيمات السياسية والمالية الداخلية منها أو الخارجية.
ويُعتبر اعتماد قواعد الحوكمة الرشيدة الضامن من الوقوع في أيّ من أشكال التصرّف المحظورة أو المبذّرة للطاقات البشرية وللفضاءات بالجامعة. ومن أهمّ تلك القواعد:
- مبدأ التسيير الذاتي التشاركي عن طريق انتخاب ممثّلي الأطراف المعنية سواء أتعلّق الأمر بالتسيير العلمي والبيداغوجي أم بالتصرّف المالي والإداري، بما يعطي مرونة وسهولة في قضاء شؤون المؤسّسة، من ناحية؛ وضمانات أكبر من الوقوع في الخطأ أو الجنوح للفساد، من ناحية ثانية.
- أن تكون الهيئات المنتخبة المشار إليها تقريرية، وأن تقوم بمتابعة تنفيذ الإجراءات المتّخذة في آجالها.
- اعتماد الشفافية في التعامل مع مختلف الملفّات العلمية منها والإدارية والمالية وإعداد تقارير ومحاضر في الغرض ونشرها، ثمّ وضعها على ذمّة من يريد الاطلاع عليها.
- احترام مبدإ المساواة والتّناصف في الهيئات التمثيلية للمجتمع الجامعي.
كما تقتضي الحوكمة إفراد جزء ملائم من ميزانية الجامعة ومن فضاءاتها للأنشطة الثقافية والرياضية لكلّ مكوّناتها البشرية، وخصوصا منهم الطلبة، وأن تحفّزهم على تعاطي تلك الأنشطة بمختلف الوسائل والإجراءات، مادّة وتأطيرا وفُسَحا زمنية كافية ومتلائمة مع جداول الأوقات.
كلّ ذلك في محيط نظيف ومُلائم تتوفّر فيه الشروط الصحية، ويرعاه الجميع بالتّعهّد والتحسين.
بحيث تصبح الحوكمة الجامعية عادة مُكتسبة وسلوكا مُمتلَكا وتمشيا نوعيا لآلية قائمة بذاتها ومُتحسّنة، وفي نجاحها وترشّدها ضمان لدمقرطة الحياة الجامعية وتأمين للحرية الأكاديمية وتدعيم لاستقلالية الجامعة، بما يعطيها قدرة أكبر على تفعيل وظيفتيها الأخريَيْن: استشراف
المستقبل والتفتّح على المحيط والتفاعل معه، بداية بالمحيط المحلّي. وذلك انطلاقا ممّا أقرّه دستور جانفي 2014 من بعث سلطة محلّية وإقليمية تتولّى أمر التنمية بالبلديات والجهات. وهو ما يُهيّئ الجامعة لتصبح فاعلا ذا وزن في محيطها المباشر اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
القسم الثاني: في معنى المسؤولية وواجبات المهنة وأخلاقياتها
تتداخل هذه المعاني الثلاثة بكيفية يصعب معها إفراد كلّ واحد منها بتحديد مستقلّ عن الآخريْن: فالمسؤولية تقتضي معرفة دقيقة بالواجب (ديونتولوجيا)، وهذا الأخير هو ما تُطالَب الذات البشرية أو الجماعة بالقيام به قانونا وعقلا، لكنّه في نفس الوقت بحث في مجموع القواعد الأخلاقية التي يُلزِمنا بها الضمير حتى تكون تأدية الواجب كاملة ومتماشية مع القيم الانسانيّة.
ومن شأن ذلك أن يسهّل على مختلف المكوّنات البشرية للجامعة تأدية مهامها على الوجه الأكمل في تآزر وأريحيّة، وأن يُمكّن المؤسّسة الجامعية من القيام بوظائفها بمزيد الإبداع، ومن التواصل مع محيطها بتفاعل أوسع وأجدى.
ويجدر بنا، لغايات عملية، التّنصيص على ما يعود لكلّ طرف من مكوّنات الجامعة من مسؤولية خصوصية وسلوك في إطار المهام الموكولة له حين يكون داخل الجامعة أو خارجها.
المدرّسون الباحثون والباحثون الذين يتولّون وظائف إدارية ومهام علمية
إن قاعدة الانتخاب التي يتولّى على أساسها الجامعي مسؤوليات تسييرية أو تقويمية في مختلف المواقع واللجان يجب أن تكون من منطلق الكفاءة وتحمّل المسؤولية والالتزام الأخلاقي واعتبار المصلحة العامة للجامعة وللمجتمع. ويترتّب عن ذلك مجموعة أخرى من الشروط
أثناء تولّيه المسؤولية نذكر من بينها بالخصوص:
النظر إلى المهمّة التي يتولّى على أنها مسؤوليةٌ وخدمةٌ يؤدّيها في إطار تحقيق أهداف المؤسسة والنهوض بالبلاد، لا باعتبارها سلطة أو نفوذا شخصيا والالتزام بتقديم حصيلة مدتّه النيابيّة.
التزام الصرامة في التعاطي مع المال العام حتى لا يُصرف إلاّ فيما يحقّق المصلحة العامة حسب البرامج والأولويات المقرّرة.
اعتماد مبادئ الموضوعية والعدل والإنصاف والشفافية والتزام السلوك التشاركي والتشاوري عند صياغة القرارات واتّخاذ الإجراءات، خصوصا في مواضيع الانتداب والترقية وعند تكوين لجان مناقشة الرسائل والتأهيل.
الالتزام بواجب التحفظ وبعدم إفشاء أسرار المداولات والاجتماعات بمقتضى القوانين الداخلية للهيئات.
الحرص على استمرارية تأدية الجهاز الإداري لمهامه ومراكمةِ الخبرات التي تحصل من مدّة نيابية إلى أخرى، إلى جانب السعي للاستفادة من خبرات الزملاء ذوي الكفاءة للارتقاء بمستوى الأداء الجامعي.
الالتزام بالمبادئ الأخلاقية وأوّلها الاحترام في التعامل مع كافّة المكوّنات البشرية بالمؤسسة ومراعاة البعد الإنساني في كل تعامل.
هيئة المدرّسين الباحثين والباحثين
يلتزم الجامعي بفكرة الأمانة التي قلّدها إياه المجتمع والوطن، والمتمثّلة في الإسهام في التكوين المتكامل للشباب المتعلّم وتأهيله لحياته المهنية والمواطنيّة. وهي مسؤولية تستوجب إحاطة شاملة وذكية بالطالب وذلك من خلال عدد من السلوكات المسؤولة التي تجعل منه قدوة
وتجلب له احترام المجتمع وهي:
- الحرص على الارتقاء الموصول بمستواه العلمي وذلك بالاطلاع على المستجدّات المعرفية والمنهجية في مجال اختصاصه وتوظيفها في دروسه وتأطيره للطلبة.
- الالتزام بالنزاهة العلمية في إعداد الدروس وإنجاز الأبحاث أو تأطيرها وذلك باحترام الضوابط الأكاديمية تجنّبا للسرقات العلمية وإدانتها في حال وقوعها.
- الالتزام بشرح معنى السّرقة العلمية للطلبة وبالتنبيه لمخاطرها والعقوبات التي قد تترتب عنها والاشارة لكيفية تفاديها.
- الالتزام بالموضوعية والشفافية والعدل والمساواة عند تقويم أعمال الطلبة واختباراتهم بإطْلاعهم على مقاييس التقويم ومواضع الخطأ، وعدم المجاملة تحت أيّ ظرف أو أيّ ضغط.
- تخصيص وقت للالتقاء بالطلبة للاطّلاع على مشاكلهم ومساعدتهم على تبليغها للجهات المعنية.
- احترامه لمواعيد إلقاء الدروس والتزامه بحصص التأطير والتدريب.
- تجنّب كلّ أشكال الدعاية والتوظيف لغايات سياسية وإيديولوجية ودينية.
في علاقة الجامعي بزملائه
لا يكتمل عمل الجامعي إلا إذا استوفى بُعدَه الجماعي. وقوام العمل الجماعي علاقات زمالة رفيعة المستوى تنبني على الاحترام المتبادل والتعاون والتشاور في الشؤون المهنية والمواطنية إلى جانب العلاقات الإنسانية بغضّ النظر عن الرّتبة، ويهيّئ كلّ ذلك لمناخ علائقي
محفّز على أداء مهني أرقى.
في علاقة الجامعي بالجامعة
يكتسب الجامعي مكانته من خلال انتمائه للمؤسسة الجامعية. وعليه إشاعة ذلك الانتماء والاعتزاز به وتقديم نفسه على كونه امتدادا لقسمه ولكليته ولجامعته. ويتفعّل الانتماء ويقوى من خلال التزام الجامعي بقرارات الجامعة وقوانينها الداخلية والحرص على تنفيذها وأن يكون عنصرا فاعلا في تحقيق استقلالية مؤسسته. ويلتزم الجامعي بالمساهمة في فض ما يعرض من مشاكل داخلها، ويحرص على نشر المعلومات والأخبار الصّحيحة وعلى الحفاظ على ممتلكات الدولة وعلى المال العام.
في حقوق وواجبات الإطار الإداري والتقني والعملة بالمؤسسة الجامعية
يُعتبَر الإطار والأعوان الإداريون والتقنيون والعمال رافدا مهمّا ومؤثّرا في النهوض بمردود المؤسسة الجامعية وتوفّقها في أدائها لأنشطتها ووظائفها المختلفة. ومن البديهي أن يرتبط نجاحهم في القيام بواجباتهم بمدى توفّر جملة من الحقوق وشروط العمل، من أهمّها:
- توفّر شروط الصحة والسلامة المهنية.
- التجهيزات الضرورية لظروف عمل لائق.
- الحقّ في الترقية المهنية لا فقط على أساس الأقدمية في الشغل بل أيضا على قاعدة التميّز في أداء المهام والقيام بتربّصات تأهيلية لمهارات أرقى.
هذا إلى جانب توفير مناخ علائقي مُميَّز مع باقي مُكوّنات المؤسسة، قائما على الاحترام المتبادَل والمعاملة الإنسانية بما يُحفّز الجميع على أداء مهني متحسّن ومتجدّد يتمثّل أساسا في:
- الالتزام بأداء مهامهم بإتقان وأمانة تحدوهم روح التعاون من أجل النهوض بالمؤسسة وتحقيق أهدافها
- الحرص على الحفاظ على ممتلكات الدولة والحرص على المال العام.
- تجنّب استغلال الوظيفة لتحقيق أيّ مصلحة شخصية.
- عدم الاحتفاظ بوثائق إدارية أو نُسخ منها أو إخراجها من مكان العمل لأيّ غرض كان.
- عدم الإدلاء بمعلومات عن الإدارة دون الرجوع إلى رئيس العمل أو رئيس المؤسسة.
- واجب الموظف والفني والعامل في تنبيه رئيس العمل عن كلّ تعليمات يتلقّاها ويراها مخالفة للقانون.
- اعتبار أنفسهم في خدمة الطلبة لتسهيل شؤون دراستهم.
في حقوق الطلبة وواجباتهم
الطالب محور اهتمام المنظومة الجامعية. وبالتالي يكون من واجب مختلف المكوّنات البشرية الأخرى مظافرة جهودها لتهيئة الشروط والمناخات التي تمكّن الطالب من تحصيل العلم والمعرفة ومن إبراز ملكاته بفكر ناقد. مما يهيئه لأن يكون باحثا يحدوه التجديد والابتكار، ومواطنا نافعا لبلاده ومجتمعه ومتفتّحا على العالم وملتزما بقضايا المجتمع الإنساني العادلة. وفي المقابل على الطالب تأدية جملة من الواجبات والالتزامات مدوّنة من قبل الهيئات العلمية والإدارية المسيّرة للمؤسسة الجامعية في لوائح متنوّعة الأغراض (لائحة النظام الداخلي للمؤسسة، لائحة العمل الجمعياتي، لائحة العمل التطوّعي داخل الجامعة وخارجها، لائحة العمل النقابي الطلاّبي...) ويكون الطلبة، عبر ممثّليهم، طرفا رئيسيا في تدوينها.
ومن أهمّ تلك الواجبات والالتزامات:
- احترام كلّ مكوّنات المؤسسة الجامعية من إطار التدريس والبحث والإطار الإداري والفني والعملة، ومن مظاهر ذلك الاحترام الالتزام بآداب الحوار وبقواعد التّواصل البيداغوجي واحترام الرأي الآخر.
- الحرص على حق وواجب التميّز في الدّراسة.
التزام النزاهة والأمانة في كلّ تعامل والنأي عن كلّ أشكال الغش في الامتحانات وعن السّرقات العلميّة أثناء إعداد البحوث في مختلف مستويات التّعلم والبحث.
- المحافظة على منشآت الجامعة والتصدّي المعقلن والمسؤول لكلّ من يحاول تخريب تجهيزاتها.
- احترام فضاءات الدروس والعمل والمراجعة.
- المشاركة في الأنشطة المتنوّعة داخل المؤسسة (أنشطة علمية وثقافية ورياضية وبيئية ومواطنية...)
- الإحاطة بالطلبة الجدد ومساعدتهم على التأقلم مع الحياة الجامعية.
- الاهتمام المناسب بذوي الاحتياجات الخاصة ومساعدتهم على الاندماج.
- حسن التعامل مع الطلبة الأجانب.
- التحمّس للمشاركة في انتخابات التمثيل النقابي والنيابات بالمجالس العلمية، وفي كل ما يخص الشأن العام.
- تطارح القضايا التي تهمّ البلاد والمجتمع والعالم وتجنّب السلبية وروح الانزواء.
- السعي إلى التعلّم والتثقّف الذاتي.
- التواصل العلمي والثقافي مع العالم عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
ختاما، بادرت الجمعية التونسية للدفاع عن القيم الجامعية بصياغة هذا الميثاق وهي تعتبره مدونة سلوك حول المبادئ الأكاديمية من بينها النزاهة والشفافية والإنصاف وحرية التفكير وترسيخ ثقافة العمل والابداع لدى كل مكوّنات المجتمع الجامعي. وهي وثيقة تتطلّع إلى بلورة رؤية استشرافية تؤهّل لجامعة مبدعة وتفاعلية ومنفتحة على العالم وعلى محيطها بكلّ مكوّناته. وأملنا أن يتبنى المجتمع الجامعي التونسي هذا الميثاق وأن يحظى لديه بانخراط واسع.
لا نعتقد أن ما احتواه هذا الميثاق مستوف لما يجب أن يكون عليه الحال بالنسبة إلى الجامعة التونسية. فقد أردناه تشخيصا لأبرز مظاهر الوَجَع الجامعي التونسي وأسبابه، مشفوعا بوصفة علاجية جزئية شملت بعض الاعتبارات التي يجب توفّرها بقصد الإسهام في تدارك
الوضع الدّوني الذي آلت إليه معظم المؤسسات الجامعية. وهو إسهام مقدور عليه إذا ما تراكمت وتفاعلت جهود المجتمع الجامعي بمختلف مكوّناته في الاتجاهات وبالمواصفات التي حددها هذا الميثاق. غير أن المعاينة المستوفاة والمعالجة الأكمل يجب أن تندرج ضمن تصوّر إصلاحي أوسع يشمل كلّ المنظومة القانونية للتعليم العالي والخارطة الجامعية، وذلك ضمن إصلاح هيكلي للمؤسسة التعليمية بكلّ درجاتها ولمحيطها بكلّ مكوّناته الإجتماعية-الثقافية والاقتصادية والسياسية.