اليوم وعلى هامش حلول موعد جديد ومتجدّد من مناسبة اليوم العالمي للمسرح، هل لنا أن نتساءل ككلّ عام عن واقع الممارسة المسرحية في بلادنا؟ وماذا عن شواغل المسرحيين وهواجس الفنّ الرابع ؟
في اليوم العالمي للمسرح، الموافق ليوم 27 مارس من كل عام يصوغ واحد من كبار المسرحيين في العالم رسالة اليوم العالمي للمسرح. وقد جاءت رسالة هذا العام بإمضاء المخرج الروسي الكبیر «أناتولي فاسیلیف».
ومن مقتطفات هذه الرسالة ما يلي: «ها هو المسرح یفتح أبوابه علي مصراعیها معلنا أن الدخول مجاني للجمیع.. فلتذهب كل الأجهزة الالكترونیة والحواسب إلى الجحیم! إذهبوا إلى المسرح واتخذوا أماكنكم في الصفوف الأمامیة وفي الشرفات وارهفوا السمع لكل كلمة تنطق علي مسامعكم ولكل مشهد حي یتجسد أمامكم! هاهو المسرح أمامكم فلا تتركوه نهبا للنسیان ولا تتركوا فرصة تمضي دون أن تتشاركوا فیها... فلعلها تكون الفرصة الأثمن والأندر في خضم حیواتنا اللاهثة الخاویة من المعنى».
واقع محدود وطموح مشروع
بين الواقع المحدود والطموح المشروع، يحاول الفن الرابع في بلادنا القفز أشواطا إلى الأمام والمسك بزمام الأمور حتى لا يتحوّل المسرح التونسي إلى ماض جميل وأمجاد غابرة، نستحضرها بكلمات وذكريات «كان وكنّا»... إن الساحة المسرحية اليوم تبدو مشتتة بين أكثر من اهتمام وهاجس: أزمة البحث عن النص الجيد، موقع الفنان المسرحي وإشكاليات بطاقة الاحتراف، الوضعية الاجتماعية والمادية، شبه عطل الهياكل النقابية، تواضع التتويجات في المهرجانات المسرحية ... وإذا ما بحثنا في أروقة المسرح التونسي فسنجد أن كفاءات جديدة وطاقات شابة تنتظر الفرصة السانحة لتسجيل الهدف في مرمى البطولة المسرحية لكنها في حاجة لدعم الكبار وللإيمان بها وبتصوراتها الفنية .
لاشك أن شواغل المسرح ومشاكل القطاع أكبر من حيز الورق وأعمق بكثير من رؤوس الأقلام وهو ما يستوجب وقفة تأمل ونظر حتى يزدهر الفن الرابع في بلادنا ويعلو صوته بين الأمم لأن الوقت ملائم اليوم وأكثر من أي وقت مضى لافتكاك الريادة المسرحية وتبوأ مراتب الصدارة .
محاولات لتجاوز أزمة التقليد الجبري
«استحضارا لدور المسرح في التحريض على التساؤل الجاد حول قضايا الإنسان ككون لا متناه في الصغر ولا متناه في الكبر...»، لم يفوّت المسرحيون التونسيين حلول اليوم العالمي للمسرح دون الإدلاء بدلوهم في القضية المسرحية وفي شأن الفن الرابع... وفي بيان للمناسبة، أكد مسرحيو تونس»أهمية ما يرشح من الممارسة المسرحية الشابة من محاولات جادة للتجاوز بخلق خطاب مسرحي متحرر من غبار الإكراهات الايديولوجية وأزمة التقليد الجبري ونسجل بارتياح المواكبة النسبية للفعل المسرحي المحلي للتحولات الكبرى للمسرح العالمي في اتجاه المسرح ما بعد الدرامي وما يوفره من فرص لإعادة تأسيس علاقة المسرح بالإبداع الفني والذائقة الجمالية من جهة، وعلاقته بالمتقبل الذي يعيش في مجتمع يعاني اضطرابات واكتئاب وخيانات وتغييرات مستحدثة...مسرح قادر على إعادة صياغة لحظة الدهشة المنشودة، تتلاشى فيه مسلمات السردية التي تعيد ترتيب نفسها وفق منظومة قيمية وجمالية جديدة ومتجددة وتعيد تعريف وظائفها وفق التمثلات الجديدة للعمل الفني عامة والمسرحي على وجه الخصوص.»
وفي ختام بيانهم، شدد المسرحيون التونسيون على «مواصلة اقتراف المسرح رغم كل أسباب الاستقالة وغيبوبة هياكل الدولة وامتناعها عن توفير الحد الأدنى من البنية التحتية الضرورية لعمل المبدعين وكرامتهم...واكتفائها بتوفير حبال المشانق للمنتحرين...».
وفي عودة لسطور رسالة اليوم العالمي، فقد ميّز المخرج الروسي «أناتولي فاسیلیف» بين المسرح الذي نحتاج والمسرح الذي لا نحتاج إليه فقال: «نعم نحن في حاجة إلى المسرح بكل أنواعه وأشكاله، نوع واحد فقط من المسرح لا یحتاجه الإنسان، ألا وهو مسرح السیاسة وألاعیبها، مسرح مصائد الفئران السیاسیة، مسرح محترفي السیاسة ومشاغلهم العقیمة غیر المجدیة. إن مسرح الإرهاب الیومي لیس مما نحتاجه بكل تأكید، جماعیا كان هذا الإرهاب أم فردیا. لسنا بحاجة إلى مسرح الدماء والجثث الملقاة في الشوارع والمیادین، وفي العواصم والأقالیم. فیاله من مسرح مزیف قوامه الصراع بین الأدیان والعرقیات!».
حتى لا ننسى... «الشعب يريد مسرحا»
يوم27 مارس 2012، خرج المسرحيون إلى شارع الحبيب بورقيبة واجتمعوا أمام المسرح البلدي في إطار تظاهرة «الشعب يريد مسرحا»، التي نظمتها الجمعية التونسية لخريجي معاهد الفنون الدرامية احتفالا باليوم العالمي للمسرح.إلا أن العرس انقلب إلى حزن وألم وتخوّف على مستقبل الفن وأهل الفن بعد أن كان الفنانون عرضة للاعتداء المادي والمعنوي من قبل مجموعة من «المتشددين»... وبالرغم من التكفير والترويع والتخويف، لم يلق المسرحيون والفنانون المنديل وواصلوا التعبد في محراب الفنّ لأن الشعب يريد مسرحا !