من الرسم والتلوين والحكايات، هنا كان اللقاء الاول في "فضاء مونارت" وتواصلت التجربة ونضجت لتكون لنابل فناناتها العصاميات اللواتي صنعن لأنفسهن مساحة من الجمال وفرضن ذواتهنّ المبدعات في نابل وخارجها.
من "مونارت" ولدت الفكرة التي تشكلت وأصبحت تجربة فنية وانسانية وتشكيلية، تجربة عمرها اربعة عشر عاما اصبح لها روادها ومريدوها من عصاميات ابدعن في التعبير عن ذواتهنّ الابداعية في معرض "الفن اللي فيك".
النساء يمنحن للوحة الحياة والمعنى
لكل منهنّ حكايتها الخاصة مع الفن، لكل منهنّ الوانها للتعبير وعلاج الروح، جمعهنّ الرسم، جمعتهنّ الرغبة في ايجاد سبيل للخلاص من ربقة الواقع، بعضهنّ توغلن في استعمال الالوان فتلون سواد الحياة وتجعله ربيعا مزهرا دائما، واخرى تحب المدينة فتدغدغ نوافذ الذاكرة وتفتحها لرسم تفاصيل المدينة العتيقة وتنصت لحكاياتها، وفريق ثالث ينتصر للمرأة فكرة ووطنا وجسدا ثائرا ابد الدهر واخريات يرسمن اليومي ويصنعن منه الياذتهنّ اللونية والابداعية، لكل رسامة منهن طريقتها في مشاكسة الفكرة والتعبير عنها وكل هذه الاختلافات حملها معرض "الفن اللي فيك3" الذي احتضنه "رواق جيلان" بنابل.
تنسجم الالوان مع افكار رسّاماتها، تنتشي العين بتلك الطاقة اللونية المبهرة، حكايات النساء ترسم ببراعة وذكاء، تبدع بسمة غريب في رسم النساء منطلقات حرّات "اريد لوحة جميلة، اعشق الجمال لذلك اخترت الرسم" كما تعلق عن اعمالها.
الانثى فكرة وثورة هي التي تشترك فيها اعمال الرسامات العاشقات لفنهنّ، تدغدغ ليلى ساسي الذاكرة، تجبر متامل العمل على الرحيل معها الى ذكريات طفولتها، فتراك تلامس حقول القمح في مدينة باجة، تجدك تلاعب خصلات طفلة مولعة باللعب والتجديد والانطلاق الى السماء عبر "الدرجيحة" تكاد رائحة التفاصيل تخرج من اللوحة، رؤية القمح في فصل الربيع، عطر طفلة صغيرة تلاعب الطبيعة، رائحة الورد والحب تلامس الذاكرة فيتماهي متأمل العمل مع ذاكرة الرسامة ويعود هو الاخر ليلامس طفولته المخبأة في ركن من الذاكرة "هذا العالم وها انني منذ 11عاما ولازلت شغوفة بالالوان والرسم، واشعر ان كل لوحة هي جزء مني" كذلك لخصت تجربتها مع الفن.
المراة الوجهة والمزار تراها كريمة بالطيب شامخة بالوانها البدوية وعصابتها التقليدية، انسياب الجدائل والتماهي الغريب بين اللباس وصاحبته كانها وجهان لعملة واحدة هي الذاكرة الحية والمتقدة دائما، المراة ترسمها بسمة الاديب بتقنية الكولاج وادخال تقنيات رسم مختلفة على فن البورتريه اما اميرة السلامي فتتوجها ملكة على عرش الحب، صاخبة راقصة منتشية وسط الوانها.
من "مونارت" ولدت الفكرة التي اصبحت تجربة فنية مميزة
يصنعن عالمهن الجميل، يجتمعن في ورشة الرسم الصغيرة ليتعلمن اللون والخط والحركة، داخل كل منهنّ فنانة اختفت طيلة اعوام وكتم صوتها اللوني وبمجرد وقوفها امام اللوحة البيضاء تحررت تلك الرغبة في الانعتاق فيرسمن دون توقف، منذ اربعة عشر عاما اطلقت منى الفرجاني ورشة "مونارت" لتعليم الراغبات الرسم، بعضهن لاتزال مواصلة في نفس المدرسة واخريات اخترن العمل بمفردهن وخوض غمار التجربة، جميعهن يتشاركن الرغبة في تحقيق الذات في ذاك الفضاء المربعع الصغير المسكون باللون والموسيقى والنساء اللواتي ينتصرن للفن والحياة.
معرض "الفن اللي فيك" خلاصة عام من العمل والابداع، كل رسامة اختارت لوحة او اثنتين لتعرض عصارة الجهد واللون للجمهور العريض، كل منهنّ نقلت احلامها الصغيرة لتتشاركها مع الجمهور ويصرخ اللون ان حيّ على الفنون، حيّ على قدسية النساء حين تبدع، حيّ على الفن سلاح للعلاج وتجاوز ازمات المجتمع كما تصرخ الوان امنة دقنو، تلك الهادئة الحالمة والمميزة في دراستها، فنانة عانت الكثير من رفض المجتمع لاختلاف جسدي بسيط "نقص في السمع" احالها على دكة المختلفين فواجهت الكثير من السوء، امتصته وحوّلته الى الوان تربك الناظر الى لوحاتها، لوحات مرسومة بصدق وحب وهو ما احتاجته آمنة لاعوام طويلة من زملاء الدراسة ومجتمعها الصغير.
اختلفت المواضيع المتناولة، اختارت فكرتها وتطورها حتى تتشكل لوحة تغري بالبحث في تفاصيلها، لكل لوحة قراءات وتأويلات متعددة، لوحات جريئة، اعمال تتعامل مع جسد الأنثى كثورة حقيقية، فتعريه من اللباس وتتركه عاريا كما حواء في جنانها، تداعب الأزهار وتغازل الألوان هكذا ترسم سندة شقرون نساءها عاريات من افكار مجتمعية مسبقة متحررات من "الفضيلة" و"الشرف" اللذين حصرهما المجتمع في الجسد، فترسم جسد الأنثى عاريا من الخوف، متمردا على الموجود لشقرون علاقة مميزة مع الرسم فهو الذي أنقذها "تعرضت لحادث سير، الفن كان سبيلي للنجاة من مخلفات ذاك الحادث المزعج".
تنساب الالوان من بين الاعمال المعروضة، تتداخل القصص والحكايات، بعضها من الذاكرة البعيدة واخرى من اليومي، ينسجم الاحمر مع آلة الخياطة الصغيرة وبعض التفاصيل الموغلة في الدقة، لوحة لفريدة لوكيل "مونارت كان عالمي الصغير للابداع، منه تعلمت مزج الالوان واخراج ما يخالجني على القماش الابيض، احب الالوان وازرع اعمالي بالكثير من ورود الربيع، تماما كربيع العمر".
الوانهنّ متعة للحياة، زهور علياء الغربي تنعش عين الناظر اليها، ودقة ليلى فيقه وحرفية بسمة فقيه وحرفية سهى داود، لكل منهن عالمها الخاص لكن جميعهن تتشاركن النجاح في تجربة تشكيلية اصبحت وجهة للباحثين عن السعادة والباحثات عن ابداع فني عنوانه نساء بلادي، نساء ونصف.