عصر المنصات - LE PARADIGME NARRATIF – فان السلطات التونسية عاجزة اليوم عن التأثير في نسق «السرد» والذي انفجر مساء الثلاثاء الفارط وذلك على خلفية الهجوم على معبد الغريبة. فالسلطة التونسية اختارت الصمت بدل ان الإمساك بزمام الأمور وتقديم معطياتها ومعلوماتها عن الحادثة في إطار سردي يفرض وقعه ونسقه في عملية تناقل المعلومات والإخبار المتعلقة بالهجوم المسلح ويؤطر المروية الكبرى التي تقدمها للداخل والخارج عبر تغذيتها بالمعلومات ذات الموثوقية لمنع الانحراف بها إلى مروية تضر بتونس ومصالحها، كما حدث في فاجعة الغريبة. فارتباك السلطة في تعاطيها مع الهجوم المسلح على معبد الغريبة في حارة اليهود في جربة، انعكس بشكل مباشر وسلبي على اتصالها وخطابها الإعلامي، الذي وقع التعبير عنه فقط في بلاغين احدهما لوزارة الداخلية قدمت فيه معطيات أولية منها وقوع الهجوم وثانيها عدد الضحايا، وتركت لوزارة الخارجية مهمة تحديد هوية الضحايا في بلاغ صدر عنها هي الأخرى مساء الثلاثاء. ليعم الصمت الرسمي ويغيب الاتصال الخاص بالأزمة، ويستمر الأمر إلى حين نشر كلمة الرئيس في اجتماع مجلس الأمن القومي مساء الأربعاء الفارط، وما بين البلاغين والخطاب، انسحبت الدولة وأجهزتها عن المشهد وعن «السرد» فترك لغيرها المجال ليفرض «سرده». لنكون أمام «سرد» لا يتوجه بالأساس لتونس والتونسيين بل للعالم، يقوم على عرض سردية تتجاوز تعرض البلاد إلى هجوم مسلح تصفه السلطات بـ»الاجرامي» ولكنها تقدمه وكأنه عمل ارهابي. لتعيد تشكيل السرد بعبارات محددة وهي «معاداة اليهود». سردية انتشرت في وسائل الإعلام الغربية التي استندت الى تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانوال ماكرون والى بيانات صادرة عن الخارجية الفرنسية و الألمانية، تضمنت جميعها تأكيدا على محاربة معاداة اليهود، اذ انها أطرت الهجوم المسلح على معبد الغريبة في هذا السرد. هذه السردية او النسخة المسوقة للحدث قامت بتنزيل أهم بنود نموذج والتر فيشرWalter Fisher، أستاذ علم النفس وواضع نموذج السرد في الاتصال « narrative paradigm» وهو «الموثوقية السردية» اي ان تنسجم القصة المقدمة مع تجربة المتلقي السابقة، هنا اذا عدنا الى ما نشر في الإعلام الغربي في علاقة بالهجوم سنجد تذكيرا بأزمة أفارقة جنوب الصحراء وبالهجوم الإرهابي الذي تعرض له المعبد في 2002. إضافة للاستناد إلى صورة نمطية رسخت لدى الأخر عن نظرة التونسيين الى الأقليات الإثنية او الدينية او الجندرية، وعن الصراع العربي الاسرائلي، وغيره من العناصر التي تشكل صورة سلبية عن نظرة التونسي لمعتنقي الديانة اليهودية، وللإنصاف هذه الصورة النمطية ليست مسقطة بشكل كلي بل تستند الى بعض الرواسب الثقافية والسلوكية لدى جزء من التونسيين، اضافة الى المناخ العام الذي هيمن عليه الخطاب الشعبوي الذي يؤصل لمعاداة الاقليات ونبذها. «سرد» ورغم بداية عرضه منذ صباح الاربعاء الا ان السلطات التونسية لم تقم باية مبادرة لاستعادة التحكم في السرد بطرح «قصة» مغايرة للاحداث تستند الى المعطيات والوقائع المتعلقة بالهجوم، وتقوم على وضوح الوصف والتصنيف لا تقديم رواية ملتبسة، تصف فيها العملية بالاجرامية ولكنها تقدمها كعملية ارهابية. استعادة التحكم في نسق السرد هو المهمة التي تعذر على السلطة التونسية في مناسبتين القيام بها، في نقطة وزارة الداخلية الإعلامية وفي خطاب الرئيس في مجلس الأمن القومي، على رغم من تضمنه خطاب الرئيس لعناصر «سرد» كان بإمكانها ان تتطور لتبرز خصائص المجتمع التونسي والتعايش السلمي بين مكوناته المختلفة. خاصة في جربة التي تقدم نموذجا متميزا للتعايش بين الاثنيات والديانات، فالجزيرة تضم العرب والامازيغ. كما تضم المسيحيين والمسلمين السنة والاباضية و اليهود. جربة كان يمكن ان تكون عنصرا أساسيا في السرد/ القصة التي تقدمها الدولة التونسية عن ما بعد الهجوم ومنطلقا لتقديم قصص التعايش السلمي في تونس بين مختلف التونسيين، دون الذهاب في الداعية الفجة التي تنفي وجود بعض الانحرافات او الرواسب التي تقر الدولة والمجتمع بهما ولكن ضمن اقرار بوجود ارادة لترسيخ قيمة العيش المشترك والمواطنة. لقد اضعنا فرصة لاحتواء ازمة جديدة جراء ضعف الاتصال الرسمي وخيار الصمت الذي تلتزم به السلطة، ظنا منها انه الخيار الأسلم، والحال انها بصمتها اضرت عن قصد او دونه بصورة تونس وبمصالحها، لتجد نفسها اليوم في وضعية دفاعية تسعى فيها الى نفي تهمة معادة اليهود عوضا عن ان تكون صاحبة السرد والمتحكمة فيه باتت «المتلقية» له