السلطة – الاتحاد ومعركة قطع الجسور

لمّا علمت بقرار السلط بطرد الأمينة العامة للنقابات الأوربية، استحضرتني صورة « أتو كريستن» الأمين العام لكنفيدرالية النقابات العالميّة

الحرّة CISL في السبعينات عندما كانت الوفود النقابية "تزحف» من كلّ حدب وصوب على البلاد التونسية إثر الإضراب العام سنة 78 للمطالبة بالإفراج عن القيادات النقابية من السجن واحترم الحق النقابي كذلك صورة الحكومة التي كانت تستقبلهم بكلّ حفاوة وتتحاور معهم ولم تسع لقطع جسور التواصل معهم رغم قمعها المسلّط على الإتحاد آنذاك، وتكرّر ذلك في أزمة 85 مع حكومة مزالي في عهد الأمين العام للسيزل الإيطالي «إنزو فريزوا «حين وقف بقوّة إلى جانب الهياكل الشرعية في أزمة 85 وضغط بقوّة على الحكومة لرفع قبضتها عن حرية العمل النقاببي وإيقاف ملاحقة النقابين، ولم يحدث في التاريخ أن منعت الدولة التونسية مسؤولا من منظمات نقابية أجنبية و دولية من الدخول إلى تونس أو لم يقع اعتبار تضامن النقابات الدولية والأجنبية مع النقابات التونسية تدخّلا في الشؤون الداخلية.
فالدولة التونسية ورغم الأزمات والمصادمات مع المنظمة النقابية في عدّة فترات، بقيت ملتزمة إلى حد ما باحترام القوانين الدولية بشان الحق النقابي التفاوض الجماعي، لذلك طرد السيدة « Lynch Esther يعتبر منعرجا حادا في سلوك الدولة وفي علاقة رئيس الدولة بالاتحاد وبالعمل النقابي، فعلاوة على أنّ هاته المسؤولة ضيفة أكبر منظمة بالبلاد، ولم يصدر منها أي فعل أو تصريح يمكن اعتباره تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية كما جاء في بيان رئاسة الجمهورية، حتى خطابها كان معتدلا وبناء ولم يحمل أي شحنة من التحريض أو إساءة للدولة وللحكومة وذلك باعتراف بعض مناصري الرئيس الذي أدركوا حجم الخطإ الذي وقع فيه هذا الأخير إذن هل أنّ الرئيس تسرع في القرار واتخذه تحت تأثير الأجواء المشحونة بسبب حملة الإيقافات المشحونة والتي أثارت موجة عارمة من ردود الأفعال داخليا وخارجيا ؟ أم أنّ هذا القرار مدروس ويدخل في نطاق استراتيجية محاصرة الاتحاد والتضييق عليه؟ عند ربط الأحداث ببعضها يصبح الاحتمال الأخير هو الأقرب إلى الواقع، فالعدّ العكسي للمواجهة مع الاتحاد بالنسبة للرئيس انطلق من مدّة، وبالتحديد منذ إعلان الإتحاد عن البدء في وضع مبادرته للحوار الوطني حيز التطبيق، لذلك لا يجب تركه يحشد أي نوع من الدعم الخارجي مما يعطي مبادرته نوعا من الدعم الدولي، وتوجيه ضربة له بعلاقة بتعامله مع النقابات قد تضعفه لدى الرأي العام خاصة وأنّ جانبا من التهم الموجهة ضد الشخصيات الموقوفة هي الارتباط بالخارج والاستقواء بالأجنبي، والتصعيد مع الخارج والتصريحات المثيرة ضدّ التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي ليس بالأمر الجديد في سياسة الرئيس ومحيطه، فمذ اتخاذه لإجراءاته الاستثنائية لم يكن ردّ فعله ودّيا مع الاتحاد الأوروبي ولا حتى مع الإدارة الأمريكية وأججت تصريحاته وخطبه النارية مشاعر العداء للأجنبي لدي نسبة كبيرة من العامّة و ضدّ كلّ من يتعامل مع الأجنبي بأي شكل من الأشكال، وقد جّندت الصفحات الموالية له لتعميق هذه المشاعر بنشر الاتهامات والحكايات عن علاقة معارضي االرئيس بالسفارات الأجنبة وعن مؤامرت ودسائس تحاك معها في الظلام، كما تمّ حشر الشبكات الحقوقية والنقابية والثقافية الدولية إلى جانب الجهات الرسمية في هاته الحملات، وهاته الشبكات والتي يمثل الوجه الأخر للمجتمعات الغربية ومعظم مواقفها لا تتطابق مع سياسات حكوماتها ودولها، هي تزعج حقا السلط ، لأن الدول ما يهم في الأخير مصالحها، وليس من اولوياتها الانشغال بما يجري في تونس وإذا اختار التونسيون أن يجعلوا من بلادهم مختبرا للإيديولوجيات وللتجارب الشعبوبة، لكن المجتمع المدني الدولي يمثل قوة رقابة وضغط على كلّ الخروقات التي تحدث في العالم، ونسيج المجتمع المدني وعلى حالة بعض الهنات التي يشكو منها سجل تراكما محترما في انخراطه في الدفاع عن القيم الكونية في الديمقراطية والحقوق والحريات والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ولذلك عزل الإتحاد والمجتمع المدني التونسي عن محيطيه الدولي هي أولوية قصوى لإرساء الشعبوية إنّ تونس في تاريخها القديم والحديث ومنذ مجيء الفنيقين إلى اليوم لم تعرف العزلة عن العالم وكانت حاضرة في قلب الاحداث التاريخية، الوطنية التونسية كانت قد تغذت من القيم الكونية للحرية والتحرر واستعانت بالدعم الخارجي لطرد الاستعمار ونيل الاستقلال، وكانت النقابات من بين القوى التي استعانت بها تونس في كفاحها من أجل الاستقلال، وقد رافق الزعيم الحبيب بورقيبة على برفقة « الشهيد فرحات حشاد» في مؤتمر AFL بسان فرانسيسكو سنة 1951 وألقى خطابا مشهودا حول حق الشعوب في التحرر من الاستعمار ونيل حريتها واثره أصدرت النقابات الأمريكية لائحة تدعم فيها استقلال تونس. و قالت الرفيقة Esther Lynch في التجمع النقابي بصفاقس، «أثبتت التجارب أن الحكومات الناجحة هي التي تجلس مع النقابات على الطاولة وإنّ النقابات جزء من الحل وليست جزءا من المشكل « وأضيف إن الدول الناجحة هي تلك التي تبني جسورا مع العالم وليست تلك التي تبنى أسوارا لعزل شعبها عنها وتركه يغرق في همومه ومشاكله دون معين «

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115