في 17 ديسمبر والتي لم تعد تفصلنا عنها سوى أسبوع، تشهد عديد الجهات تحرّكات متصاعدة وحالة من التعبئة الميدانية يقودها أنصار رئيس الجمهورية قيس سعيد والتي تعرف بـ»المبادرة الشعبية لهبة 17 ديسمبر» ، في إطار دعوات للنزول إلى الشارع يوم الذكرى. وتأتي هذه التحركات في سياق اجتماعات جهوية متفرقة تهدف إلى التنسيق والاستعداد للاحتفال بالمناسبة، وسط تأكيد المنظمين على الطابع الشعبي والمفتوح لهذه الدعوات، دعوات للحشد والتعبئة تتقاطع مع تطورات أخرى تشهدها الساحة الوطنية، خصوصا بعد إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل تنفيذ إضراب عام يوم 21 جانفي 2026، ويشدّد منظّمو هذه التحركات والذين قدموا نفسهم بمبادرة «الهبة الشعبية» على أن النزول إلى الشارع يوم الذكرى يحمل رمزية خاصة تتجاوز الطابع الاحتفالي إلى ما يعتبرونه «تجديدا للعهد مع الدولة ومع خيارات الشعب».
وفي تدوينات لعدد من نواب مجلس نواب الشعب على غرار سيرين مرابط وزينة جيب الله فقد أعلنوا فيها «موعدنا يوم 17 ديسمبر»، مؤكدين مشاركتهم في التحركات المعلنة. وقد اعتبر النواب أن مشاركتهم تأتي في إطار «دعم الاستقرار السياسي والوقوف مع خيارات القيادة الوطنية»، مع التشديد على رفض ما وصفوه بـ»محاولات التأثير الخارجي على القرار الوطني»، وقد جاء في التدوينات التي حملت نفس الخطاب والكلمات « ابتداء العد التنازلي ..موعدنا 17 ديسمبر دعما للقيادة وتنديدا بالتدخل الأجنبي، سنكون في الموعد لأجل وطننا الغالي». وسبق لرئيس الجمهورية قيس سعيّد وأن أصدر أمر رئاسي في سبتمبر 2021 يقضي باعتبار 17 ديسمبر من كل سنة، يوم عيد للثورة.
اجتماعات تحضيرية استعدادا لتجمع 17 ديسمبر
مع اقتراب موعد 17 ديسمبر، تؤكد المجموعات الداعية إلى التحرك أن الاستعدادات متواصلة وستعلن عن التفاصيل اللوجستية والتنظيمية في الأيام القليلة المقبلة، وتتواصل في عدد من ولايات الجمهورية اجتماعات تحضيرية دعت إليها مجموعات من المواطنين والأنصار وذلك استعدادًا لتنظيم تجمّع بشارع الثورة في ذكرى اندلاع الاحتجاجات يوم 17 ديسمبر 2010، وينتظر أن يشكل تاريخ 17 ديسمبر محطة لقياس حجم الاستجابة الشعبية لهذه الدعوات، ومدى انعكاسها على التوازنات القائمة داخل الشارع السياسي، حتى أن هناك من يتحدث عن وجود محاولة لتوظيف هذه الاستعدادات لتوحيد الصفوف في مبادرة سياسية واحدة تجمع الكل دون زعامات و دون إقصاء إلا لمن أقصى نفسه. تحركات وتظاهرات الاحتفال بالذكرى الـ15 لاندلاع الثورة من سيدي بوزيد ستتوضح أكثر في الأيام القليلة القادمة علما وأن رئيس الجمهورية قيس سعيد وبمناسبة الذكرى الرابعة عشر لعيد الثورة فقد تحول إلى معتمدية بنقردان قبل أن يتوجه إلى مدينة قابس ليتحول إثرها إلى ولاية سيدي بوزيد التي انطلقت منها شرارة ثورة الشغل والحرية والكرامة الوطنية.
وتوقف رئيس الدولة وفق ما أعلنته رئاسة الجمهورية بكل من معتمدية المزونة ومعتمدية منزل بوزيان حيث تلا الفاتحة ترحما على أول شهيد طالب الشعب التونسي إثر استشهاده بإسقاط النظام قبل أن يتحول إلى معتمدية الرقاب، وفي كل هذه المحطات التقى رئيس الجمهورية بعدد من المواطنين والمواطنات واستمع إلى مشاغلهم مؤكدا على أن تونس دخلت مرحلة جديدة في تاريخها والعمل جار على إيجاد حلول جذرية للمطالب المشروعة للشعب التونسي، مشددا مرة أخرى على أن تونس تخوض معركة تحرير وطني و ليس أمامنا إلا الانتصار والبناء والتشييد.
إضراب عام يوم 21 جانفي 2026
يأتي هذا الحراك الشعبي والتحضيرات لهذه الذكرى بالتزامن مع إعلان الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل تنفيذ إضراب عام يوم 21 جانفي 2026، احتجاجا على ما وصفته بتعطل الحوار الاجتماعي ورفض الحكومة فتح التفاوض وتواصل التضييق على الحريات والنشاط النقابي. وأكد بيان الهيئة تسجيل تدهور القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وتراجع المرفق العام إلى جانب تردي الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، وانتقد المحاكمات التي تستهدف النقابيين . كما حمّل السلطة مسؤولية تعطيل الحوار الاجتماعي واعتماد زيادات أحادية في الأجور. وانتقدت الهيئة الإدارية الوطنية تزايد التضييقات المتعددة على الحريات وعلى المجتمع المدني وعلى الحق النقابي وسنّ المراسيم التي تكمم الأفواه مثل المرسوم 54 الذي راح ضحيته عديد المحكومين بأحكام قاسية لمجرد التعبير عن الرأي.
ودعت الهيئة في بيانها إلى ضرورة استئناف نشاط المجلس الوطني للحوار الاجتماعي والانطلاق العاجل في حوار اجتماعي وفتح فوري لباب التفاوض في مطالب الشغّالين المادية والترتيبية والمعنوية وتطبيق الاتفاقيات المبرمة. كما أكدت الهيئة التمسك بالمفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص وتمكين العمّال من حقّهم في الزيادة لسنة 2025 وما تلاها ومراجعة الاتفاقية الجماعية المشتركة والاتفاقيات القطاعية.
الإبقاء على الهيئة الإدارية في حالة انعقاد
وطالبت الهيئة وزارة الشؤون الاجتماعية والاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري بمراجعة الاتفاقية المشتركة للفلاحة وترجمتها في اتفاقيات قطاعية مشتركة حسب أوجه النشاط في القطاعات. وأكدت الهيئة انه بناء على نسف الحوار الاجتماعي وإيقاف التفاوض الجماعي وتواصل انتهاك الحق النقابي وتنفيذا لقرار المجلس الوطني المنعقد أيام 5 و 6 و 7 سبتمبر 2024 ولقرار الهيئة الإدارية الوطنية المنعقدة بتاريخ 11 نوفمبر 2025، فإنه تقرر بالإجماع تنفيذ إضراب عام في جميع القطاعات كامل يوم 21 جانفي 2026 على أن تبقى الهيئة الإدارية في حالة انعقاد.