بعد ترشيحه دون الفوز بجائزة نوبل للآداب : إبراهيم الكوني يتحدى إيديولوجيا الجوائز العالمية

يقول إبراهيم الكوني "الاسم الذي نصنعه بأنفسنا

هو اسمنا، والاسم الذي يمنحه لنا آباءنا مجرد وسم". وقد صنع الروائي الليبي اسمه بنفسه ليضئ اسم إبراهيم الكوني سماء الأدب بأحرف من تاج. كتب "فيلسوف الصحراء" في الرواية والدراسات الأدبية والنقدية واللغوية والتاريخ والسياسة. اختارته مجلة "لير" الفرنسية أحدَ أبرز خمسين روائيا عالميا معاصرا، وأدرجت سويسرا سمه في كتاب يخلد أبرز الشخصيات التي تقيم على أراضيهم. ألف أكثر من 90 كتابا، وترجمت كتبه إلى 40 لغة. حاز إبراهيم الكوني على 15 جائزة دولية مرموقة.

في ترشيحات جائزة نوبل 2025، حجز الشاعر السوري "أدونيس" والروائي الليبي إبراهيم الكوني مكانين ضمن أسماء من مختلف الجنسيات والاتجاهات الأدبية. طبعا ذهبت الجائزة إلى الكاتب المجري "لازلو كراسناهوركاي". وفي اليوم نفسه الذي تم فيه الإعلان عن الفائز، كتب إبراهيم بيانا حول جوائز نوبل للآداب التي تتكرر حولها دوائر الجدل كل عام.

إبراهيم الكوني يكتب "بيان امتنان في حق حُسن الظنّ"

أمام ترشيحه لجائزة نوبل للآداب، لم يصمت إبراهيم الكوني بل كتب على صفحته الرسمية على شبكة الفيس بوك ردا عنونه بـ: "بيان امتنان في حق حُسن الظنّ".
في لحظة غير متوقعة، وبينما كان الكاتب منشغلا بقراءة مجلد للفيلسوف رينيه ديكارت بعنوان "الدليل على وجود الله"، فوجئ بفيض من رسائل الإشادة القادمة من منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. لم يكن يدري أن نصّه الذي ظنّه "مغترباً عن الواقع الثقافي الحداثي" سيحرّك هذه الموجة المؤثرة من التضامن الأدبي والإنساني. يقول الكاتب في حديثه عن رد الفعل الأول: " بالأمس فاجأتني الشبكة الدولية بحملة إعلاميّة، هي أشبه بالمعزوفة السيمفونيّة، في حقّ نصّ، ظننتُه مغتربا عن الواقع الثقافي الحداثي، فإذا بلفيف الأخيار يبرهن لي على سوء ظنّي، في تجربة ملحميّة تتغنّى بالقيمة في هذا النصّ، في ظلّ حلول موسم الرهان السنوي على الفوز بجوائز نوبل إجمالا، فرع الآداب تحديدا، التي احتكرت أجناس الجدل في كل مرة، تسفيها للنزعة السارية، المحكومة بالمثل القائل: «عن الذائقة الجمالية لا يختلفون»، فإذا بسَدَنة الجائزة يتّفقون في كل الفروع، ولكنهم أبوا إلّا أن يدمنوا الخلاف في هذا الفرع بالذّات، ربّما ليبرهنوا على إمكانية التوافق في كل أمر، باستثناء ترجمان الجمال الشقيّ: الأدب!.
ربّما تمويهاً من محفل الدهاة لحقيقة الصراع المخفي وراء قناع الموقف من الجمال، لطبيعته الأخلاقية، المستعارة من المقياس، المعتمد في فلسفة الجائزة، التي لم تعد معنيّة بالقيمة في النصّ الأدبي.ولكنها صارت معنيّة بالهوية في الشخص، التي تخضع للإنتماء الأيديولوجي، أو الموقف السياسي، أو حتّى الولاء العرقي، بل ولحسابات أخرى لم تعُد تُخفَى على أحد!."

انتصار للصحراء وطن الأنبياء

في الوقت الذي يتجدد فيه الجدل كل عام حول جوائز نوبل في فروعها المختلفة، وتحديدا في فرع الآداب، يطرح إبراهيم الكوني تساؤلات ضمنية من قبيل : "هل ما زالت الجوائز معيارا للقيمة الأدبية؟ أم أنها أصبحت وثائق هوية سياسية وفكرية وإيديولوجية تمنح بناء على "الانتماء"، لا على قوة النص؟
لم يجامل ولم يهادن إبراهيم الكوني في الإشارة إلى أن فلسفة الجائزة فقدت صلتها بمعايير الأدب والإبداع، ليتم استبدالها بمعايير أخرى لا تمت للفن بصلة، مثل الولاء العرقي والموقف السياسي والانتماء الفكري. فيقول : "جائزتي، الجديرة بأن أحاجج بها، لأنها منزّهة عن خبث الإيديولوجيا، وبريئة من لوثة السياسة، ولا تعترف بأي انتماء عرقي أو ديني أو نفعي، لأنها تتنفّس الحماس انتصاراً لثروة يتغنّى بها النصّ على مساحة تزيد على التسعين مؤلفاً، على مدى ستّين عاماً، تُوّجَت بعشرات الجوائز الأدبية الدولية والعربية، وترجمت إلى كل لغات العالم. لا أملاً في نفع، ولا طلباً لسلطان، ولكن أداءً لما عاهدتُ الله عليه، منذ الطفولة، على إنصاف وطن الأنبياء: الصحراء المغتربة روحاً وحرفاً، التي لا يرى فيها عالم اليوم سوى مستودع للطاقة، ولكل أجناس الثروات الطبيعية، أمّا حقيقتها كمسقط رأس التكوين، ومسقط رأس كل النبوءات، وماضيها التاريخي الثريّ، وتراثها المنسي، وحضاراتها المفقودة، وما تتكتّم عليه من وجودٍ دراميٍّ ميثولوجيّ. ليحيا أهل المكان اليوم واقعاً مأساوياً، تمارس فيه الإبادة العرقية الجماعية، ضدّ مكوّنَيه العرقيّ والثقافي، سواء الأمازيغي أو العربي، فذاك ترفٌ لم يكن ليعني شيئاً لسدَنة المحفَل، ولا للحكومات التي يمثّلها المحفل، ولا للضمير العالمي، الذي يأبى في كل مرة إلّا أن يلوّح بالهوية التي تشهد على موته!"
وفي مفارقة لافتة، كشف الكاتب أن الفائز هذا العام بجائزة نوبل للآداب، الكاتب المجري لازلو كراسناهوركاي، كان زميلا له ضمن القائمة القصيرة لجائزة "مان بوكر الدولية" عام 2015. لكنه رغم ذلك قدّم تهنئة صادقة له، مؤكداً أن عدالة القيمة لا تتعارض مع احترام المنافسين.
لا يحتاج الأدب الأصيل إلى ذهب "نوبل" كي يعيش، بل يكفيه أن يسكن وجدان الناس. وقد ختم إبراهيم الكوني بيانه بالقول:"الجائزة التي منحتموني إياها بحملتكم هي شهادة تفوّق البراءة على سلطان الباطل. أما الجائزة في حقّه فوثيقة تعريف… أما النص فلا يحتاج إلى تعريف!"

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115