مفاوضات شرم الشيخ.. بوادر اتفاق لوقف الحرب وسط زخم دولي اجتماعات حاسمة لتحديد مستقبل قطاع غزة

في تطور لافت للمساعي الدولية الرامية لوقف الحرب الدامية

في قطاع غزة، دخلت مفاوضات شرم الشيخ غير المباشرة بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية حماس مرحلة حساسة توصف بأنها حاسمة، وسط مشاركة واسعة لوفود دولية رفيعة، وتكثيف الضغوط السياسية لإنجاز اتفاق شامل يوقف النزيف المستمر منذ أكثر من عامين. ومع اشتداد الضغط الأمريكي، وتوافق معظم الأطراف الدولية، تبقى ساعات أو أيام قليلة حاسمة في تحديد مستقبل قطاع غزة. فإما أن يُكتب لاتفاق شرم الشيخ النجاح، بوصفه منعطفا تاريخيا قد يفتح نافذة على تسوية أوسع، أو أن تتجه الأمور إلى جولة جديدة من الحرب، هذه المرة قد تكون أكثر دموية وسط انهيار البنية الإنسانية بالكامل في القطاع.

وفي كلمة له ، أمس الأربعاء، كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن المفاوضات "تسير بشكل إيجابي"، مشيرا إلى أن مصر تعمل بكل قوتها لإنجاح المسار التفاوضي. السيسي لم يكتف بذلك، بل وجّه دعوة رسمية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لحضور مراسم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار "في حال التوصل إليه"، مؤكدا أن حضوره سيكون "رائعا" ويمنح الاتفاق دفعة رمزية قوية.
انخراط دولي متزايد
وتحدثت مصادر دبلوماسية مصرية عن تصاعد الاهتمام الدولي بالجولة الحالية من المحادثات التي بدأت مساء الإثنين في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر. هذه الجولة تتسم بتكثيف غير مسبوق، مع وصول وفود من الولايات المتحدة، وتركيا، وقطر، في مؤشر على تحول المفاوضات من نطاق ثنائي إلى طاولة متعددة الأطراف.علاوة على مشاركة وفد أمريكي رفيع يضم مبعوثي ترامب، جاريد كوشنر وستيف ويتكوف،الذي التحق بالمباحثات، إلى جانب وزير الشؤون الإستراتيجية لحكومة الاحتلال الإسرائيلي رون ديرمر، ورئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم قالن، بالإضافة إلى رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. في مسعى وصفه مراقبون بأنها "محاولة أمريكية لحسم الملفات العالقة وإحداث اختراق فعلي.
من جانبهاقالت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس أمس الأربعاء إنها سلمت قوائم بأسماء الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين المطلوب الإفراج عنهم بموجب اتفاق تبادل، وعبرت عن تفاؤلها تجاه المحادثات الجارية في مصر بشأن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة.وأضافت الحركة أن المفاوضات، التي سيحضرها مسؤولون أجانب كبار، تركز على آليات إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وصفقة التبادل.
وقال مصدر فلسطيني مقرب من المفاوضات إن من أبرز نقاط الخلاف الضغط على حماس لنزع سلاحها وهي مسألة لا ترغب حماس حتى الآن في مناقشتها في المحادثات.وأضاف المصدر أن الطرفين لم يتفقا حتى الآن على توقيت تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب المكونة من 20 بندا خلال المحادثات الجارية في منتجع شرم الشيخ المصري.

خطة ترامب على الطاولة
وتستند المحادثات إلى خطة أمريكية من 20 بندا أعلنها ترامب في سبتمبر الماضي، وتتضمن تبادل الأسرى، ووقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيلي تدريجي من غزة، إضافة إلى نزع سلاح حركة حماس وهو البند محل الخلاف .
ورغم أنها تحوي بنودا معقدة، إلا أن وفد حماس لم يُبد رفضا مبدئيا، بل أعلن، على لسان قياديين، استعداده للتعاطي معها "بمرونة" دون الخوض في تفاصيل بند نزع السلاح، شريطة وجود ضمانات حقيقية لوقف دائم للحرب.وقال زياد النخالة، الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي"، إن المقاومة أبدت انفتاحا على التفاوض بشأن تبادل الأسرى، وهو "بند قابل للتنفيذ خلال أيام"، على حد تعبيره. وأضاف أن إنجاز صفقة تبادل "قد يُنزع فتيل الانفجار ويُسحب الذريعة من يد الاحتلال لاستمرار العدوان".
وتشير التقديرات إلى وجود 48 رهينة لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، من بينهم 20 أحياء، بينما تطالب الفصائل الفلسطينية بإطلاق سراح آلاف الأسرى من سجون الاحتلال، وعددهم يتجاوز 11 ألفا، بينهم نساء وأطفال وشخصيات سياسية بارزة، في ظل تقارير حقوقية عن تعذيب ممنهج وإهمال طبي أودى بحياة العشرات.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الجلسات الأخيرة في شرم الشيخ ناقشت خرائط الانسحاب الإسرائيلي، وتفاصيل صفقة تبادل الأسرى، إضافة إلى مطالب حماس بشأن إدخال المساعدات دون قيود، وعودة النازحين، وإعادة الإعمار تحت إشراف فلسطيني.
بين صفقة تاريخية أو العودة للحرب
في الأثناء نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصدر أمني قوله إن الوضع الراهن "غير مسبوق" من حيث تهيئة الأرضية لاتفاق، معتبرا أن "الكرة الآن في ملعب القرار السياسي". وأكدت القناة أن الساعات القادمة ستكون "حاسمة" لتحديد المسار: إما التوصل إلى اتفاق أو العودة إلى عملية عسكرية واسعة النطاق، تُخطط لها إسرائيل تحت مسمى "عربات جدعون 2" بهدف احتلال وسط قطاع غزة.وأبدت مصادر أمنية تابعة للاحتلال الإسرائيلي قلقها من فشل المفاوضات، مؤكدة أن جيش الاحتلال ''تلقى أوامر بعدم القيام بأي تحرك قد يُفشل جهود التفاوض. إذ لم يغير جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب نفس المصادر، من انتشاره الميداني، لكنه في حالة "تأهب قصوى". وتضغط الإدارة الأمريكية، بحسب تقارير متطابقة، بقوة على الطرفين لإنجاز الاتفاق خلال أيام، حيث أبلغ كوشنر وويتكوف الوفود أنهم لن يغادروا شرم الشيخ قبل إتمام الصفقة.
وأفادت تقارير أن مؤشرات إيجابية ظهرت خلال اليومين الماضيين، إلا أن بعض الملفات ما زالت شائكة، خصوصا مطالبة حماس بضمانات نهائية لإنهاء الحرب بعد إطلاق الرهائن، وتخوفها من إخلال الاحتلال عن التزاماته كما حدث في تجارب سابقة.
حذر فلسطيني
من جانبه شدد القيادي في "حماس"، فوزي برهوم، على أن حركته لن تقبل باتفاق جزئي أو مشروط، مطالبا بوقف دائم للعدوان، انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية، وبدء فوري لإعادة الإعمار، إضافة إلى صفقة تبادل أسرى "عادلة ومتوازنة". وحذر برهوم من محاولات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "إفشال المفاوضات كما فعل مرارا في السابق".
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة توقيف بحق نتنياهو في نوفمبر 2024، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما يزيد من تعقيدات المشهد السياسي الإسرائيلي ويضغط داخليا على صانعي القرار.
من جهة أخرى كشفت صحيفة "التايمز" البريطانية أن مفاوضات وقف الحرب بين حماس وإسرائيل في شرم الشيخ تتعثّر، بسبب إصرار الحركة على الإفراج عن أسماء فلسطينية محددة في سجون تل أبيب، أبرزها، مروان البرغوثي، القيادي الفتحاوي الذي يقضي أحكاما بالسجن المؤبد عدة مرات.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن مطالب حماس تصطدم برفض إسرائيلي على عدة أسماء، البرغوثي أبرزها، مؤكدة أن المطالب العالية والاعتراضات المقابلة من جانب تل أبيب باتت تهدد بجدية خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبالإضافة إلى البرغوثي، وهو زعيم بارز في حركة فتح والذي قضى أكثر من عشرين عاما خلف القضبان ويطلق عليه لقب "مانديلا الفلسطيني"، فإن القائمة التي وضعتها حماس تشمل عباس السيد، الذي كان وراء الهجوم الانتحاري على مركز للتسوق في مدينة بوسط إسرائيل والذي أسفر عن مقتل ثلاثين شخصا، وأحمد سعدات، الذي حُكم عليه بالسجن ثلاثين عاما لقيادته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.وقدّمت حماس قائمة بـ 250 اسما ترغب في إطلاق سراحهم من بين 290 سجينا يقضون أحكاما بالسجن المؤبد في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وطالبت بالإفراج عنهم وفقا للمدة التي قضوها في السجن.
استعدادات "إسرائيلية" لاحتمال زيارة "ترامب"
في خضم الزخم الدبلوماسي غير المسبوق حول مفاوضات شرم الشيخ بشأن إنهاء الحرب في غزة، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، صباح أمس الأربعاء، عن استعدادات تقوم بها حكومة الاحتلال الإسرائيلية تحسبا لاحتمال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حال تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وبالتالي وقف حرب الابادة الصهيونية في غزة .
وتأتي هذه المعلومات تزامنا مع دعوة رسمية وجهها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى ترامب، للمشاركة في مراسم توقيع محتمل للاتفاق في مصر، إذا ما نجحت المفاوضات الجارية في شرم الشيخ منذ الإثنين الماضي.
وبينما تواصل الوفود الدولية، وعلى رأسها الأمريكية والقطرية والتركية، جهودها لإغلاق الفجوات المتبقية، تبقى مسائل مثل ضمانات إنهاء الحرب، وتبادل الأسرى، وترتيبات ما بعد الانسحاب الإسرائيلي، قيد النقاش المكثف.
ووفق مراقبين رغم هشاشة الأرضية السياسية والأمنية التي تُبنى عليها مفاوضات شرم الشيخ، إلا أنّ الاستعداد لزيارة ترامب يعكس قناعة متزايدة داخل كيان الاحتلال وخارجه بأنّ احتمال الوصول إلى اتفاق لم يعد بعيدا.وفي ظل ضغوط أمريكية، ورغبة مصرية في تثبيت دورها الإقليمي، وحالة إنهاك شامل في غزة، قد لا تكون هذه الجولة كسابقاتها.
اجتماع باريس لمناقشة خطة غزة
من جهة أخرى قالت ثلاثة مصادر دبلوماسية أمس الأربعاء إن من المتوقع أن يشارك وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو في اجتماع وزاري غدا الخميس في باريس مع أطراف أوروبية وعربية ومن دول أخرى لمناقشة خطط الوضع بعد انتهاء الحرب في غزة.
ويعقد الاجتماع بالتوازي مع مفاوضات بين "إسرائيل" وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس والوسطاء في منتجع شرم الشيخ في مصر، تهدف إلى مناقشة كيفية تطبيق خطة اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب وتقييم الالتزامات الجماعية من البلدان المعنية.
وأوضحت مصادر دبلوماسية أن الهدف من الاجتماع يتمثل في إظهار "الاستعداد للعمل معا لتفعيل المعايير الرئيسية" لما يُعرف بـ"اليوم التالي" بعد انتهاء الحرب، "بالتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى توضيح آليات التزام جماعي" في هذا الصدد.وأضافت هذه المصادر أن هذا الاجتماع يُعدّ استمرارا للمبادرة الفرنسية السعودية الداعمة لحل الدولتين والتي تُوّجت بإقرار إعلان نيويورك في سبتمبر بشأن الاعتراف بدولة فلسطين، و"سهّلت اعتماد الخطة الأمريكية" لإنهاء الحرب في قطاع غزة.
إلى جانب فرنسا والسعودية، من المتوقع أن يشارك في الاجتماع كل من ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة والأردن، بالإضافة إلى إندونيسيا وكندا وتركيا التي ترغب في المشاركة بفعالية في إنشاء بعثة استقرار في غزة بعد وقف إطلاق النار.وقال مصدر دبلوماسي إيطالي وفق فرانس براس "بلادنا مستعدة للمشاركة في العملية السياسية لما بعد الحرب لإعادة إعمار فلسطين وتوحيدها"، مبديا اعتقاده بأن خطة ترامب تشكل "الخيار الوحيد الممكن ويجب دعمها".

على صعيد آخر قال الرئيس رجب طيب أردوغان للصحفيين إن ترامب طلب من أنقرة المساعدة في إقناع حماس بدعم خطته وإن تركيا تناقش مع حركة حماس أفضل نهج لمستقبل الدولة الفلسطينية.وأكد أردوغان أن غزة لا بد أن تبقى جزءا من دولة فلسطينية في أي سيناريو لما بعد الحرب، وأن يحكمها الفلسطينيون. وأضاف أنه يجب مناقشة مسألة نشر قوات أجنبية في غزة وضمان الأمن فيها بشكل مفصل، مشيرا إلى أن أنقرة مستعدة للمساهمة في جميع الجهود.
وتدعو خطة ترامب إلى تشكيل هيئة دولية يقودها هو شخصيا وتضم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، لتلعب دورا في إدارة غزة بعد الحرب. وتؤكد الدول العربية الداعمة للخطة أنها يجب أن تقود في نهاية المطاف إلى دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه نتنياهو ويؤكد أنه لن يحدث أبدا.وتريد حماس وقفا دائما وشاملا لإطلاق النار وانسحابا كاملا للقوات الإسرائيلية والبدء الفوري في عملية إعادة إعمار شاملة تحت إشراف هيئة فلسطينية من المستقلين التكنوقراط.من جانبها، تريد إسرائيل من حماس نزع سلاحها، وهو ما ترفضه الحركة. وقالت حماس إنها لن تُسلم سلاحها حتى قيام دولة فلسطينية.
ويشير مسؤولون أمريكيون إلى أنهم يريدون في البداية التركيز على المحادثات بشأن وقف القتال والترتيبات اللوجستية المتعلقة بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة والمعتقلين الفلسطينيين في إسرائيل.وفي غياب وقف إطلاق النار، واصلت إسرائيل هجومها على غزة، مما زاد من عزلتها الدولية.وحتى في حال تحقيق تقدم كبير، لا يوجد حتى الآن مؤشر واضح على الجهة التي ستتولى حكم غزة عند انتهاء الحرب. واستبعد كل من نتنياهو وترامب ودول غربية وعربية أي دور لحركة حماس التي سيطرت على القطاع عام 2007 بعد اقتتال قصير مع حركة فتح وفق الأناضول.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115