لـ''المغرب'' أن المشهد في غزة اليوم ليس فقط دمار واسع أو حرب عسكرية، بل إبادة جماعية شاملة طالت البشر والحجر، قتلت آلاف الأطفال، دمّرت البنية التحتية، ومزّقت النسيج الاجتماعي والإنساني في قطاع غزة. وتابع ''بعد عامين من العدوان، يمكننا القول إن غزة تعيش كارثة غير مسبوقة على كل المستويات، في ظل صمت دولي وعجز أممي مخجل''.
بعد مرور عامين على بدء العدوان على غزة، كيف تصفون ما تعرض له القطاع؟
غزة تعرضت إلى إبادة جماعية على كل المستويات من عمليات قتل واستهداف للمدنيين وتدمير لأكثر من 80 بالمائة .. بالإضافة إلى إبادة 10 بالمائة أو أكثر من السكان عن طريق القتل والإصابة والمرض مما سبب انخفاضا كبيرا في عدد السكان.
الاحتلال الإسرائيلي مارس الإبادة بمفهومها الشامل، بكل التفاصيل والأبعاد، وبواقعها الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، ولعلّ الأسوأ هو البعد النفسي، فما شاهدناه في الحرب من صدمات نفسية لا يستطيع الإنسان تحملها على مدار سنوات.هناك حاجة اليوم لتدخلات كبيرة جدًّ لترميم وتأهيل الواقع النفسي والاجتماعي الذي مرّ به المجتمع في غزة.
الواقع الذي يستحمله قطاع غزة على مدار سنوات طويلة ترك أثرا بالغا على حياة السكان، نحن نتحدث عن 160 ألف من الجرحى، 30 بالمائة منهم أصيبوا بإعاقة دائمة، من بينهم 5 آلاف طفل فقدوا أطرافهم، هناك 16 ألف جريح بحاجة ماسة للعلاج خارج قطاع غزة، أوضاعهم الصحية تتفاقم يوميا.
ماذا عن البنية التحتية والمنشآت الاقتصادية والاجتماعية؟
التدمير الذي نفّذه الاحتلال استهدف المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في القطاع، سواء المنشآت الاقتصادية، المصانع، المزارع، كلّ مقومات الحياة، ومنها آبار المياه... 80 بالمائة من البنية التحتية المائية دمرها الاحتلال الإسرائيلي. 90 بالمائة من المدارس والجامعات تضرّرت ودُمّرت بشكل كامل. بالإضافة لأكثر من 160 ألف وحدة سكنية دمرها الاحتلال كليا.
94 بالمائة من السكان نازحون يعيشون تفاصيل هذه الكارثة، من خلال النزوح القسري إلى مناطق ضيقة تفتقر لأبسط الخدمات ومقومات الحياة، في ظل سوء تغذية اشتد على كل قطاعات شعبنا الفلسطيني، خاصة الأطفال، فهناك 1 على كل 3 أطفال يعاني من سوء تغذية حاد،ومجمل 320 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، وهو ما سيترك أثرا حادا على صحتهم وحياتهم في المستقبل.
وهناك أكثر من 50 ألف سيدة حامل، 7 على 10 منهنّ يعانين من سوء تغذية حاد، سيؤثر على صحتهن وعلى الأجنة أيضا. هناك ولادات شهدناها بتشوهات خلقية وولادات متعسرة وأخرى مبكرة.
كيف ترون مستقبل غزة بعد عامين من الإبادة؟
غزة ستحمل إرثا عميقا نتيجة أوجاع وتفاصيل وآلام عامين من الإبادة غير المسبوقة، وأيضا في ظل فشل المجتمع الدولي منذ بداية الحرب وحتى الآن في وقف هذا العدوان الصهيوني.
وما يدخل من المساعدات إلى غزة هو تقريبا 10 بالمائة من احتياجات القطاع ولا تلبي إلا الشيء البسيط، وهو نقطة في حر سياسة تدمير ممنهج يُمارسها الاحتلال الإسرائيلي.
كيف تبدو الأوضاع الإنسانية والاقتصادية لمتساكني غزة؟
الأوضاع جدًّا خطيرة، ومع انتهاء هذه الحرب -التي نأمل أن تكون قريبة- ستفتح صفحات معاناة جديدة للفلسطينيين، خصوصا الذين فقدوا منازلهم، متاجرهم، مصادر دخلهم وأيضا إرثهم الاجتماعي والثقافي الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي.
غزة هي أحد أكبر وأقدم أربعة موانئ في العالم، بها إرث بشري وإنساني امتد على مدار آلاف السنوات، دمّره الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل من آثار ومواقع تاريخية ومراكز ثقافية واجتماعية.
التقديرات تشير إلى وجود أكثر من ألف مركز إيواء فيما تبقى من مساحة ضيقة في قطاع غزة، حيث تتفاقم أوضاع النازحين، وبخاصة أولئك الذين لم يجدوا مأوى، أو من أقام خيمته على شاطئ البحر أو في مناطق خطر.نأمل بعودة النازحين قريبًا إلى مناطقهم التي دُمّرت، وبترتيب وتنظيم واقع الإيواء بشكل ينسجم مع المعايير الإنسانية الدولية، وتشكيل إدارات لمراكز النزوح لتدافع عن حقوق النازحين، وتحدد أولوياتهم واحتياجاتهم، وتحسين ظروفهم والخدمات التي يجب تقديمها لهم.
هل ترون أن الوصول إلى تهدئة أو اتفاق سياسي كاف ؟
حتى لو تم الوصول إلى اتفاق في غزة، فهذا لا يعني أن قضية غزة ستتوقف، بل ستفتح صفحات جديدة من المعاناة.قضية غزة هي قضية حقوقية من الدرجة الأولى، وبدون إنصاف الضحايا وضمان حقوقهم، لن يكون هناك تحقيق للسلام الحقيقي دون محاسبة الكيان على جرائمه.فغزة ليست بحاجة إلى إعادة إعمار فقط.. غزة بحاجة إلى إعمار كامل نتيجة الدمار الشامل الذي تعرضت له.
غزة سابقًا كانت تعاني من نقص فادح في المياه، إلا أن ما فعله الاحتلال اليوم من تدمير لمصادر المياه بشكل ممنهج جعل قطاع غزة غير قابل للحياة.لكن في مقابل ذلك، شعبنا الفلسطيني واجه ذلك بالصمود والصبر، رغم القتل والإبادة التي مورست. نحن بقينا على أرضنا.
كيف تصفون موقف المجتمع الدولي خلال عامين من الحرب؟
المجتمع الدولي خذلنا وخذل الإنسانية جمعاء، لأنه فشل في وقف هذا العدوان، والصمت والسكوت تجاه هذه الجرائم. نحن الآن في مرحلة صعبة جدا.غزة التي تتعرض لاستكمال مشروع التدمير والتقتيل بحاجة للعمل المشترك لإنقاذ ما تبقى، والعمل باتجاه إنجاز وقف إطلاق نار نهائي.