مؤشرات التوتر بين إيران و''إسرائيل'' وسط تحذيرات من أن "الحرب المؤجلة" بين الطرفين قد تخرج عن إطار المناورات والتصريحات لتدخل مرحلة المواجهة الفعلية. وفي ظل الانسداد الدبلوماسي، والاستعدادات العسكرية غير المسبوقة، يطرح المراقبون تساؤلات جادة: هل دخلت المنطقة العد التنازلي لانفجار إقليمي؟ أم أن ما نشهده لا يتعدى حدود الضغط السياسي وتبادل الرسائل؟
في طهران، تتزايد المؤشرات على أن القيادة الإيرانية لم تعد ترى جدوى في المراهنة على مسار التفاوض، خاصة مع الولايات المتحدة. فقد أكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء عبد الرحيم موسوي، أن القوات المسلحة في حالة "تأهب قصوى" لاحتمال اندلاع حرب، مشيرا إلى تسارع وتيرة تطوير المنظومات الدفاعية والصاروخية.
وفي ذات السياق، جدد نائب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني رفض بلاده لأي مفاوضات تمس قدراتها الصاروخية، معتبرًا أن المطالب الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، تسعى لحرمان إيران من "أدوات الدفاع الشرعي"، في إشارة إلى الضغوط التي تستهدف الحد من مدى الصواريخ الإيرانية بما لا يسمح لها ببلوغ تل ابيب.
"أسوأ السيناريوهات
على الجانب الآخر، تشير تقارير ''إسرائيلية''، أبرزها ما نشرته صحيفة "إسرائيل هيوم"، إلى أن المؤسسة الأمنية والعسكرية لكيان الاحتلال تستعد لجولة مواجهة قد تكون الأعنف منذ عقود. وتبرز في هذه التقارير تحذيرات من التعاظم المتواصل لقدرات إيران الدفاعية والهجومية، خاصة في ظل تعثر الاتفاق النووي وعودة العقوبات الأمريكية الغربية، ما قد يسرّع وتيرة التصعيد نحو صدام مباشر.
غير أن هذه الاستعدادات تجري في ظل قلق ''إسرائيلي'' متنام من احتمال تراجع الدعم الأمريكي التقليدي، في ظل الانشغال الداخلي لواشنطن وتبدّل أولوياتها الإستراتيجية، ما يطرح مخاوف من تحول أي حرب إلى صراع استنزاف طويل الأمد.
في خضم هذه التطورات، كشف نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن تبادل رسائل غير معلنة مع واشنطن، لكنه أشار إلى أن الحوار "وصل إلى طريق مسدود". كما أكد عراقجي أن تفعيل آلية "سناب باك" من قبل الأوروبيين تم بشكل "غير قانوني"، وأنه مع حلول 18 أكتوبر سيُرفع الغطاء القانوني عن القرار 2231، ما قد يفتح مواجهة قانونية دولية تقف فيها طهران مدعومة من موسكو وبكين.
روسيا من جانبها، وعلى لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، حذّرت من مغبة شن أي ضربات عسكرية جديدة على إيران، معتبرة أن الضغوط الاقتصادية والعسكرية تُدار بشكل منسق لهدف واحد وهو"خنق إيران".
رغم أن تقارير عدة من الجانبين الإيراني والإسرائيلي تشير إلى أن التصعيد بلغ مستويات غير مسبوقة، فإن الباب لا يزال مفتوحا – ولو بشكل ضيق – أمام حلول دبلوماسية. فالتخوف الأمريكي من الدخول في مستنقع استنزاف جديد، إضافة إلى تحذيرات دولية متكررة من تداعيات أي مواجهة، قد يشكلان عامل توازن يفرمل الاندفاع نحو الحرب.
لكن في المقابل، لا يمكن تجاهل التحركات الميدانية التي تحمل رسائل واضحة. من تعزيز طهران لقدراتها الدفاعية وتكثيف تحركات الحرس الثوري، إلى النشاط العسكري الأمريكي في قواعده بقطر، وصولا إلى التصريحات التصعيدية التي تطبع الخطاب السياسي من الطرفين.
في ضوء كل ما سبق، يرى مراقبون أن المنطقة باتت أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن تنجح الأطراف الدولية في فرض مسار تفاوضي جديد، يخفف منسوب التوتر ويمنع الانفجار، أو أن تستدرج الحسابات الخاطئة، والتقديرات الأمنية المغلوطة، الجميع نحو مواجهة قد تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط لعقود مقبلة.