Print this page

غزة بين مقترح وقف إطلاق النار ومخططات ضم الضفة هل تنجح واشنطن في موازنة التهدئة والطموحات التوسعية للاحتلال؟

في محاولة جديدة لكسر الجمود السياسي والميداني في الحرب المستمرة على

قطاع غزة منذ أكثر من تسعة أشهر، طرحت الإدارة الأمريكية مقترحا تفصيليا لوقف إطلاق النار، يتضمن جدولا زمنيا دقيقا للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الأحياء وتسليم جثث الموتى، مقابل انسحابات تدريجية للقوات الإسرائيلية من مناطق في شمال وجنوب القطاع، وتدفق عاجل للمساعدات الإنسانية وفق اتفاق 19 جانفي.ويأتي هذا المقترح في وقت حساس تشهد فيه ساحة المعركة تصعيدا ، ومفاوضات متعثرة بين أطراف الصراع، في ظل ضغوط إقليمية ودولية متزايدة لإيقاف الحرب وإنهاء الكارثة الإنسانية التي تضرب غزة. ووفق مراقبين يعكس المقترح الأمريكي مسعى واضحا لإعادة إحياء المسار التفاوضي عبر مراحل متدرجة توازن بين مطالب ''إسرائيل'' ومطالب حماس السياسية والإنسانية، دون أن يفرض حلا نهائيا في هذه المرحلة.

لا يتضمن الاقتراح بندا عن وقف دائم لإطلاق النار، بل عن وقف مؤقت مشروط بخطوات متبادلة تشمل الإفراج عن 10 رهائن إسرائيليين أحياء وتسليم 18 جثمانا، بالتزامن مع انسحابات إسرائيلية مرحلية من مناطق داخل القطاع.
تفاصيل المقترح
وكشفت مصادر دبلوماسية عن تفاصيل مقترح أمريكي جديد لوقف إطلاق النار في غزة، يستند إلى اتفاق 19 جانفي، ويهدف إلى إطلاق سراح أسرى إسرائيليين تدريجياً مقابل انسحابات مرحلية من قوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع، إلى جانب إدخال مساعدات إنسانية عاجلة.
ويبدو أن المبادرة الأمريكية الجديدة تسعى إلى كسر الجمود في المفاوضات التي تعثرت خلال الأشهر الماضية، من خلال ربط الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين بجدول زمني واضح، ترافقه انسحابات إسرائيلية من مناطق رئيسية شمال وجنوب القطاع، في حين تبادر حركة حماس إلى تسليم أسرى وجثامين في مراحل محددة.
ويقضي المقترح الأمريكي بدخول المساعدات الإنسانية فور إعلان وقف إطلاق النار، كأول مؤشر لبدء تنفيذ الاتفاق، في محاولة لمعالجة الوضع الإنساني المتدهور في القطاع.وفي اليوم الأول من وقف إطلاق النار، تفرج حماس عن 8 أسرى إسرائيليين أحياء. وبعد هذه الخطوة مباشرة، وفي اليوم التالي، تبدأ "إسرائيل" انسحابا من مناطق في شمال القطاع، ما يُفسّر كأول انسحاب فعلي منذ أشهر طويلة من العمليات العسكرية.
وفي اليوم السابع من وقف النار، تسلّم حماس 5 جثث لمحتجزين إسرائيليين، يليها بعد 23 يوما (في اليوم الـ 30 من الهدنة) تسليم 5 جثث إضافية.
وتستمر العملية التبادلية مع إفراج حماس عن 5 رهائن إسرائيليين أحياء في اليوم الخمسين من وقف إطلاق النار، في حين يتم تسليم 8 جثامين في اليوم الأخير من جدول التنفيذ. أما في اليوم السابع بعد تسلم الجثامين الخمسة الأولى، فتنسحب "إسرائيل" من مناطق جنوب قطاع غزة.
الانسحاب ورفع الحصار الجزئي

وتتضمن الصفقة الإفراج عن 10 إسرائيليين أحياء و18 جثة، موزعة على مراحل زمنية متدرجة، مقابل انسحاب مرحلي للقوات الإسرائيلية من مناطق مكتظة في الشمال والجنوب، وهو ما يمكن أن يعيد الحياة تدريجيا إلى تلك المناطق المنكوبة بفعل القصف والتدمير.
ويُفهم من المقترح أن واشنطن تراهن على إمكانية خلق بيئة مستقرة نسبيا خلال فترة تنفيذ الاتفاق، تمهيدا لمرحلة ثانية من التفاوض تشمل مستقبل القطاع بالكامل، بما في ذلك ترتيبات إعادة الإعمار.
ووفق خبراء يظهر المقترح الأمريكي كصيغة جديدة إذ تحصل إسرائيل على أسرى أحياء وجثث، مقابل انسحابات لا تشمل إنهاء الحرب بالكامل، فيما تحافظ حماس على ورقة الضغط الأهم – الجنود الأسرى – حتى المراحل الأخيرة من الاتفاق.لكن رغم هذه الصيغة المتدرجة، فإن التعقيدات الميدانية والسياسية قد تعيق التنفيذ الكامل للمقترح. إذ لم تُشر التسريبات إلى أي التزام إسرائيلي بوقف دائم لإطلاق النار، أو إلى إنهاء الحصار بشكل نهائي، وهو ما تعتبره حماس شرطاً أساسياً لأي صفقة بعيدة المدى.
وفي ظل استمرار الغارات الإسرائيلية وتدهور الوضع الإنساني، يبدو هذا المقترح اختبارا جديا لقدرة الأطراف – خاصة إسرائيل والولايات المتحدة – على دفع العملية السياسية نحو تهدئة طويلة. أما حماس، فهي أمام تحدّ في موازنة الثمن السياسي مقابل الإفراج التدريجي عن الأسرى، دون خسارة أوراقها التفاوضية المتبقية.
وبينما لم يصدر أي موقف رسمي من الطرفين بشأن بنود المقترح حتى الآن، فإن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا المسار سيتحول إلى اتفاق فعلي، أم سيُضاف إلى سلسلة المقترحات التي بقيت حبراً على ورق.
"حماس لم تتخذ قرارا نهائيا "
في الاثناء قالت مصادر فلسطينية مطلعة، أمس الخميس، إن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تتجه نحو الموافقة على المقترح القطري المصري لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، لكنها لم تتخذ قرارا نهائيا بعد، وتواصل حاليا التشاور مع الفصائل والقوى الفلسطينية المختلفة قبل تسليم ردها الرسمي للوسطاء.

وأوضحت المصادر وفق الأناضول، أن الولايات المتحدة ومصر وقطر قدمت "ضمانات واسعة" لتنفيذ الاتفاق (لم توضحها)، مشيرة إلى أن تركيا قد تكون ضمن قائمة الدول الضامنة للاتفاق.غير أنه "لا تزال هناك نقاشات مستمرة حول عدد من التفاصيل الفنية"، بحسب المصادر.ووفقا للمصادر، فإن حماس ستسلم ردها الرسمي خلال اليومين المقبلين كحد أقصى.كما قالت "حماس"، في بيان، إنها تجري مشاورات حول مقترحات تلقتها من الوسطاء، للتوصل إلى اتفاق يضمن إنهاء الحرب، وانسحاب إسرائيل من غزة، وإغاثة الفلسطينيين.
ومرارا أعلنت "حماس" استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين "دفعة واحدة"، مقابل إنهاء الإبادة، وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة.لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، يتهرب بطرح شروط جديدة، ويرغب فقط بصفقات جزئية تضمن استمرار الحرب.وتؤكد المعارضة الإسرائيلية أن نتنياهو يواصل الحرب استجابة للجناح اليميني الأكثر تطرفا في حكومته، لتحقيق مصالحه السياسية الشخصية، ولا سيما استمراره بالسلطة.
تصعيد سياسي قبل لقاء نتنياهو–ترامب
وفي تطور سياسي لافت يعكس تصاعد الطموحات التوسعية في الحكومة الإسرائيلية، طالب 15 وزيرا من حزب ''الليكود''، إلى جانب رئيس الكنيست أمير أوحانا، رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتنياهو بالإسراع في فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية المحتلة قبل عطلة الكنيست المقبلة.
ووقع الوزراء عريضة شددت على ضرورة ضم "يهودا والسامرة" – وفق التسمية التي يستخدمها الاحتلال للإشارة إلى الضفة الغربية – مستندين إلى ما وصفوه بـ"الفرصة التاريخية" المتمثلة في الدعم العلني الذي يبديه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط تصاعد التوترات بشأن مصير الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاستيطان، والمفاوضات المتعثرة مع الفلسطينيين.
وتأتي هذه الخطوة قبل أيام من اللقاء المتوقع بين نتنياهو وترامب، الذي يُرجّح أن يتركّز على ملف وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى مع حماس، إلا أن توقيت العريضة يشي بمحاولة واضحة من وزراء الليكود لفرض أجندتهم التوسعية قبيل أي تفاهمات دولية قد تُقيّد هذه الطموحات، خاصة في ظل الحديث المتزايد عن "صفقة" جديدة تتعلق بغزة.
ورغم أن مكتب نتنياهو لم يصدر أي تعليق رسمي بشأن العريضة، فإن امتناع وزير الشؤون الإستراتيجية لدى الاحتلال رون ديرمر – المقرب من نتنياهو والموجود في واشنطن – عن التوقيع، يشير إلى تباين محتمل داخل دوائر القرار الإسرائيلية حول توقيت وجدوى هذه الخطوة.

ردود فعل دولية
رغم عدم صدور ردود فعل رسمية حتى اللحظة من القوى الدولية، فإن الخطوة تعيد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا خلافا في القانون الدولي: المستوطنات والضم.فأغلب دول العالم، بما فيها الاتحاد الأوروبي، تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية انتهاكاً صارخا للقانون الدولي ومانعا أساسيا أمام أي حل سياسي قائم على مبدأ الدولتين.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن استمرار التوسع الاستيطاني، مصحوبا بسياسات الطرق الالتفافية والتقسيم الجغرافي للضفة، يجعل من المستحيل عمليا إقامة دولة فلسطينية متصلة الأطراف وقابلة للحياة.
وفي حال استجابت حكومة نتنياهو لضغوط العريضة، فإن ذلك قد يدشن مرحلة جديدة من الضم الزاحف، الذي قد يبدأ بإجراءات رمزية كفرض القوانين المدنية الإسرائيلية في بعض المناطق، وينتهي بتوسيع نطاق السيطرة الرسمية على أراضٍ فلسطينية إضافية، تحت غطاء سياسي داخلي ودعم خارجي محتمل، خصوصا في ظل دعم أمريكي .
لكن في المقابل، فإن مثل هذه الخطوات قد تعيد إشعال المواجهة في الضفة الغربية، وتدفع السلطة الفلسطينية إلى التصعيد السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، فضلا عن احتمال اندلاع مواجهات ميدانية تزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
إحدى أقسى جرائم الإبادة بالتاريخ الحديث
من جهة أخرى شبّهت مقررة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز، ما ترتكبه ''إسرائيل'' بالأراضي الفلسطينية المحتلة بأهوال "يوم القيامة"، وحملتها المسؤولية "عن واحدة من أقسى جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث".
وعرضت ألبانيز تقريرها المعنون "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية"، الذي يتناول العوامل الاقتصادية للإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ 22 شهرا، خلال اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة،امس الخميس.وقالت المقررة الأممية إن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة يشبه "يوم القيامة".وأضافت: "إسرائيل مسؤولة عن واحدة من أقسى جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث".
وأشارت ألبانيز، إلى أن التقرير يكشف عن الظروف الاقتصادية التي تُمكّن إسرائيل من تهجير الفلسطينيين من خلال التدمير والعزل والمراقبة.وفي السياق، قالت ألبانيز، إن ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" ليست سوى "مصيدة موت" مصممة لقتل أو إجبار سكان يتضورون جوعا على الفرار.وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بدأت تل أبيب وواشنطن منذ 27 ماي تنفيذ خطة لتوزيع مساعدات محدودة عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، حيث يجبر الفلسطينيين المجوعين على المفاضلة بين الموت جوعا أو برصاص الجيش الإسرائيلي.
وأوضحت ألبانيز، أن سكان غزة لا يزالون يُعانون معاناة تفوق الوصف، وأن أكثر من 200 ألف فلسطيني فقدوا أرواحهم أو أصيبوا، وفقا للأرقام الرسمية.ولفتت إلى أن الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة يواجهون أيضا "أكبر نزوح قسري" منذ عام 1967.وتابعت: "بينما يُثير المستوطنون المسلحون الفوضى، وتخنق 900 نقطة تفتيش وعوائق أخرى الحياة اليومية، قُتل ما يقرب من ألف شخص وجُرح 10 آلاف، واعتُقل 10 آلاف، وتعرض الكثيرون للتعذيب".
وأشارت ألبانيز، إلى أنه في الوقت الذي كان يحدث فيه كل هذا، ارتفعت بورصة تل أبيب بنسبة 213 بالمئة على أساس الدولار منذ أكتوبر 2023، بإجمالي زيادة بلغت 125.7 مليار دولار.وأوضحت أن ''إسرائيل'' استغلت الإبادة الجماعية "كفرصة" لاختبار أسلحة جديدة وتقنيات مراقب وتقنيات حربية مثل الطائرات المسيرة.وأردفت: "فازت شركة إلبيت سيستمز، بجائزة الابتكار من وزارة الدفاع الإسرائيلية، بينما استفادت شركة لوكهيد مارتن وشبكة عالمية تضم 1650 شركة أخرى من تحليق إسرائيل بطائراتها المقاتلة من طراز إف-35 في وضعية (الوحش) لأول مرة، وحملها ما يصل إلى 22 ألف كيلوغرام من الذخيرة، أي أربعة أضعاف ما كانت عليه عند تشغيلها في وضعية التخفي".
وأكدت ألبانيز، أن العديد من شركات الأسلحة حققت أرباحا قياسية من خلال تسليح إسرائيل، مشددة على أن كل دولة تتحمل مسؤولية الابتعاد تماما عن "اقتصاد الاحتلال الذي تحول إلى اقتصاد إبادة جماعية" وإنهاء علاقتها به.

المشاركة في هذا المقال