اليوم، رضا الكشتبان يحاضر حول "أبو الحسن الشّاذلي": الوجه الخفي للوليّ ما بين مغارة الصوفية ومغامرة الفلسفة

رغم أن قبره في مصر، إلا أن ذاكرة تونس تعج بقصصه وأساطيره

وكراماته .. من علياء مقامه المطل على الجلاّز في العاصمة، يلوح في الأفق ذكر أبو الحسن الشاذلي كباب مفتوح على عالم الروحانية . فهو في المخيال الشعبي ليس فقط وليا صالحا بل رمز الحماية والبركة، وواحد من "ثلاثة" يحرسون العاصمة إلى جانب سيدي بن عروس وسيدي محرز.هو عالم وفيلسوف وصوفي عظيم مثّل جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الروحية التونسية، وأثّر في تاريخ الصوفية الإسلامي وصاحب المغارة والطريقة الشاذلية.

تنظّم جمعية بشير سالم بلخيرية للثقافة والعلوم اليوم الجمعة 20 جوان 2025 بمقرها في المنزه السادس وانطلاقا من الساعة الرابعة مساء، حدثا ثقافيا مهما وملهما، حيث يقدّم الأستاذ رضا الكشتبان محاضرة قيّمة تستعرض حياة وأثر واحد من أشهر أولياء تونس والعالم الإسلامي، تحت عنوان "أبو الحسن الشّاذلي في الذّاكرة التونسية وفي الواقع التاريخي".

من التصوّف إلى ذاكرة التونسيين الحيّة

عبر التاريخ نال أبو الحسن الشاذلي شهرة ضربت الأمصار وتجاوزت الأقطار. فهو شخصية نسجت حولها أساطير وكرامات، وتركت بصمة روحية وإنسانية عميقة في الذاكرة التونسية. كثيرون يعتبرونه وليا مباركا يُزار مقامه ويُتبارك به، لكن القليلون فقط من وقفوا عند تفاصيل حياته، فلسفته الروحية، ورحلته التي عكست سعي الإنسان الدائم إلى الحقيقة واليقين.
في محاضرته حول "أبو الحسن الشّاذلي" في مرآة الذاكرة التونسية والتاريخ، يأخذنا الأستاذ رضا الكشتبان في رحلة فكرية وروحية عبر مراحل حياة الشاذلي، من المغرب الأقصى مرورا بتونس حتى الإسكندرية حيث ترك بصمته في كل محطة، وبقي ذكره كمنارة من نور تدل على الصفاء الروحي وسعة العلم. يتناول الكشتبان الأبعاد العميقة لهذه الشخصية التي تجاوزت حدود الزمان والمكان لتصبح رمزا خالدا في ذاكرة الشعب التونسي، وهو الذي يُتغنّى باسمه في أفراحه وأتراحه، ويستمد من سيرته قيم الإنسانية والصوفية الأصيلة.
هذا اللقاء الثقافي لا يكتفي بسرد الحكايات أو تقديم الوليّ في صورته الشعبية فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة قراءة نقدية وتحليلية تعيد بلحسن الشاذلي إلى مكانته الحقيقية كعالم وفيلسوف وصوفي متفرد، يربط بين الأرض والسماء في تواصل روحي خالد. لماذا اختار الأستاذ رضا الكشتبان الحديث عن أبي الحسن الشاذلي؟ يجيب المحاضر عن هذا السؤال فيقول:"اختيار بلحسن الشاذلي إنما هو دقيق في مقصده لأنّ الرجل ظلّ غير معروف عند التونسيين إلا بما رسموه له من صورة الوليّ الخارق يُتَبركُ به ..يُزارُ في مقامه ، والحقيقة أنه شخصية رهيبة علما و أخلاقا و قيما إنسانية خالدة في افريقية أو في الاسكندرية ، وقد قرأنا عديد الكتب لتحصل لنا صورة الإنسان الذي بدا منشدا إلى الأرض و مشدودا إلى عالم السماء حيث الحق والصفاء الرّوحي."

بين قدسية الوجدان وسؤال التاريخ

في رؤية معمقة تضيء زوايا جديدة على شخصية هامة، لطالما كان حضورها قارا في الوجدان التونسي في أعياده ومناسباته، أفاد الأستاذ رضا الكشتبان أنّ "بلحسن الشّاذلي اسم اخترق الآفاق و ظلّ يُدوّي في افريقيّة والاسكندريّة ، إذ كتب الاسم بنور الله في السّماء ، يردّده القاصي والدّاني ويُتغنى به في الأفراح والأتراح منذ سبعة قرون و نيف إلى يوم النّاس هذا. يُذكر اسم بلحسن الشاذلي في الأعراس والمباريات الرياضيّة على أرض تونس وفي ربوع العالم كلّما كان الحضور تونسيّا بالأساس.
كانت حياة "أبو الحسن الشاذلي" رحلة بحث متواصلة بين الحيرة والاطمئنان، بين السؤال واليقين. عاش صوفيا متعمقا في العلوم الدينية والروحية. من المغرب الأقصى إلى العراق، ثم عبر إفريقيا، وأخيرا الإسكندرية، رسم معالم مدرسة صوفية أُطلق عليها فيما بعد "الطريقة الشاذلية"، التي تركت أثرا خالدا في وجدان المسلمين. ويمكن تبويب رحلة البحث عن اليقين إلى مراحل ثلاثة: حيرة، فإطمئنان، فرحيل. المرحلة الأولى من 593 هـ ـ 621 هـ / المغرب الأقصى والعراق. والمرحلة الثانية من 622 هـ ـ 646 هـ / افريقيّـــــة. أما المرحلة الثّالثة من 646 هـ ـ 656 هـ / الإسكندرية.

صورة تتراوح بين الميتاـ تاريخي والتّاريخي

في وصف السيرة والمسيرة، يقول صاحب محاضرة "أبو الحسن الشّاذلي في مرآة الذّاكرة التّونسيّة والواقع التّاريخي": "إنّ صورة بلحسن الشّاذلي تتراوح بين الميتاـ تاريخي والتّاريخي ، إذ ركز أهل افريقيّة وبخاصّة سكان الحاضرة على البركات والمناقب والقيم الروحية التي رسمت صورة هذا الوليّ المبارك ، تتلو بركاته عصور اثر عصور ، ونستمدّ الصورة من المخيال الذي رسّخته عديد العناصر منها : المقام ، المغارة ، الأحزاب و الأذكار ، المآثر ، الكرامات ... فكلّها شاهد على غائب حاضر في مقامه العليّ ، ولئن كان قبره في مصر فانّ أغلب التّونسيين لا يعرفون ذلك لأنّ صورة الوليّ منتقشة في الأذهان والقلوب والأذكار والمناقب بقطع النّظر عن حدود القبر الضيّقة ومآلات الجسد ، فبلحسن هو المغارة يأتوها الذّكارة ، وهو المقام تتلى فيه الأدعية والأذكار و ما حفّ بحياته من جليل الخيرات و الكرامات ، هذه الصّورة لا تستند الى معطيات تاريخية بل ترتقي بالشاذلي إلى مصاف الذّوات السّامية والمقدّسة تنعتق من عناصر الحسّ إلى الأنوار و الضياء ، فأهل الحاضرة كانوا يتخذون من مقام بلحسن ملاذا من العدو زمن الاستعمار ومخبئا من الأوبئة".
في ثنايا محاضرته بعنوان"أبو الحسن الشّاذلي في مرآة الذّاكرة التّونسيّة والواقع التّاريخي"ّ، يدعو الأستاذ رضا الكشتبان إلى النظر من زاوية نظر أخرى لهذه الشخصية، بعيدا عن الأساطير والمخيلة الشعبية، ليقدّم لنا رجل الدين والعالم والفيلسوف والصوفي الذي شكّل ثقافة تونس الروحية وأثرى تاريخها. تتخذ المحاضرة شكل قراءة نقدية دقيقة لحياة "سيدي بلحسن الشاذلي" التي انقسمت إلى ثلاث مراحل، كل منها تحكي قصة صراع وروحانية ونبوغ فكري ومعرفي.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115