عن حقل الدراسات الإنسانية والمستقبلية، وذلك تكريما لريادته في مجال الدراسات العثمانية والموريسكية، وإسهاماته الفارقة في ترسيخ علم الأرشيف والمعلومات في العالم العربي، وتأسيسه بنية بحثية ومؤسساتية لا تزال تشكل مرجعا فكريا للباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة وذاكرتها.بعد أن فاز بها أكثر من تونسي في أكث من اختصاص على غرار هشام جعيط وعزالدين المدني ومحمد لطفي اليوسفي وحمادي صمود وعبد السلام المسدي... حاز الدكتور عبد الجليل التميمي على جائزة سلطان العويس الثقافية تتويجا لمسيرة علمية قاربت الستة عقود، سعى فيها الدكتور التميمي إلى استعادة الصفحات المغيّبة من التاريخ العربي الإسلامي.
"التميمي" مُشيّد الجسور بين ضفّتي العرب
لأنّ "أعماله تعتبر نموذجا للتوثيق التاريخي المستند إلى القواعد الجديدة في الكتابة التاريخية"، فاز المؤرخ والمفكر التونسي عبد الجليل التميمي بجائزة العويس الثقافية للدراسات الإنسانية المستقبلية في دورتها التاسعة عشرة.
وقال الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عبد الحميد أحمد إنّ اللجنة "قررت منح جائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية للباحث عبد الجليل التميمي، وهو أحد أبرز المؤرخين العرب المعاصرين، وتمثل أعماله البحث التاريخي كما جرى تطويره في الفكر المعاصر، إضافة إلى تنوع مجال اهتمامه التاريخي، حيث انصبت أعماله على دراسة تاريخ الموريسكيين في الأندلس، وتاريخ الولايات العربية في العهد العثماني، وتاريخ تونس المعاصر،
وتم الإعلان أول أمس عن أسماء الفائزين بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية لهذا العام، حيث فاز كل من الشاعر العراقي حميد سعيد بجائزة الشعر، والروائية العراقية إنعام كجه جي بجائزة القصة والرواية والمسرحية والناقد المغربي حميد لحمداني بجائزة الدراسات الأدبية والنقد، إلى جانب فوز التميمي للدراسات الإنسانية المستقبلية.
من القيروان، المدينة التي عرفت أولى إشراقات الحضارة الإسلامية في شمال إفريقيا، خرج عبد الجليل التميمي حاملا معه هاجس المعرفة وشغف التاريخ. لم يكن مجرد مؤرخ كلاسيكي يوثق الأحداث، بل كان صاحب مشروع ثقافي علمي امتد لعقود، باذلا عمره في سبيل إعادة كتابة التاريخ العربي المغاربي وربطه بامتداداته المشرقية والعثمانية.
وُلد التميمي في 21 جويلية 1938، وتلقّى تعليمه الأول في تونس، قبل أن يشدّ الرحال إلى بغداد، ثم إلى فرنسا حيث نال أول دكتوراه دولة في التاريخ الحديث تُمنح لتونسي، من جامعة إيكس أون بروفانس عام 1972. ومن هناك، بدأ مشروعه العلمي الذي لم يعرف التوقف.
في السبعينيات، كان وجها مألوفا في الأوساط الأكاديمية، مديرا للأرشيف الوطني، وأستاذا جامعيا ثم أستاذ كرسي في جامعة تونس. لكنه لم يكتف بالمسار الأكاديمي التقليدي، بل انطلق نحو تأسيس بنية مؤسساتية علمية متكاملة، لعل أبرزها مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، والمجلة التاريخية المغاربية، والمجلة العربية للدراسات العثمانية. ومن خلالها، أنتج، وثّق، وجمّع الباحثين العرب من مشرقهم ومغربهم حول طاولة البحث المشترك.
مثّل التميمي تونس والعالم العربي في أبرز الهيئات الدولية، منها اليونسكو، المجلس الدولي للأرشيف، والأكاديمية التركية للتاريخ. ونال أوسمة وجوائز عالمية، منها وسام الفنون والآداب الفرنسي، وجائزة الأمير كلاوس الهولندية، والدكتوراه الفخرية من جامعة إسطنبول.
لكن الأهم من كل هذه الألقاب، فقد سعى الدكتور عبد الجليل التميمي إلى تأريخ ما نُسي، وتحليل ما أُقصي، والدفاع عن هوية مغاربية ظُلمت في سرديات التاريخ الرسمي. كتب عن الموريسكيين، عن العلاقات العثمانية - المغاربية، عن شخصيات منسية وأخرى ملتبسة. وفي مؤلفاته التي تجاوزت الثلاثين، حاول الحديث عن تاريخ متناسق مع روح الشعوب.
اليوم، وقد تجاوز الثمانين، يُنظر إلى عبد الجليل التميمي كأحد أعمدة الفكر التاريخي العربي.
"اليونسكو" تحتفي بمئوية سلطان بن علي العويس
ولعل ما يضفي على هذه الجائزة بُعدا رمزيا خاصا هو اسمها المرتبط بالشاعر والمثقف الإماراتي سلطان بن علي العويس (1925 – 2000)، الذي وُلد في بلدة الحيرة بإمارة الشارقة، وتحوّل من عالم التجارة واللؤلؤ إلى أحد أبرز الأصوات الشعرية في الخليج العربي، وكان من مؤسسي جماعة شعراء الحيرة. ورغم قِلّة إنتاجه الشعري، فقد عُرف في أوساط لبنان وسوريا ومصر، وربطته علاقات وطيدة بأعلام الشعر العربي، وكان بمثابة "سفير شعري" لدولة الإمارات.
أوقف سلطان العويس جزءا من ثروته لتأسيس جائزة ثقافية باسمه، تطوّرت لاحقا إلى مؤسسة العويس الثقافية بمرسوم أميري سنة 1994، لتصبح إحدى أرفع الجوائز الثقافية في العالم العربي، وتكرّم سنويا نخبة من الأدباء والمفكرين العرب الذين أثروا المشهد الثقافي بإنتاجهم النوعي.
وفي عام 2025، وتقديرا لإسهامه الشعري والإنساني، أعلنت منظمة اليونسكو الاحتفاء بالذكرى المئوية لميلاد سلطان بن علي العويس، تقديرا لحضوره في المشهد الثقافي العربي، وهو تكريم يضفي على جائزة هذا العام وهجا خاصا.
وبدورها تحتل تونس مكانة ورمزية خاصة في قائمة جائزة سلطان بن علي العويس بتتويج المفكر عبد الجليل التميمي الذي قضى حياته في خدمة الذاكرة التاريخية المغاربية، وفي نسج الحوار المعرفي بين الضفتين.