ممّا ينم عن تزايد وتفشي وخطورة العنف المسلط على النساء ، وفق ما كشفته جمعية "أصوات نساء " في تقريرها السنوي لحصيلة ضحايا جرائم تقتيل النساء في تونس لسنة 2024 والذي قدمته في الندوة الصحفية الإقليمية عقدتها يوم أمس حول جرائم قتل النساء في تونس والمغرب والأردن ، وقد تمّ خلال سنة 2024 تسجيل 26 جريمة قتل للنساء في تونس موزعة على 16 ولاية وتتصدر ولايات تونس الكبرى الصدارة بتسجيل 16 جريمة أي ما يعادل 64% من مجموع الجرائم تتوزع بين 8 جرائم في ولاية تونس و6 جرائم في ولاية أريانة وجريمة واحدة في ولاية بن عروس وأخرى في ولاية منوبة.
وفق تقرير جمعية "أصوات تونس" فإن هناك جرائم تقتيل نساء لم تقتصر فقط على ولايات تونس الكبرى ومسّت ولايات أخرى على غرار سوسة التي عرفت جريمتين كما ارتكبت جريمة واحدة بكل من ولايات المهدية سيدي بوزيد وجندوبة وقفصة والقصرين والقيروان ونابل وصفاقس ومدنين وتطاوين وبنزرت، وبحسب الجمعية فإن الأرقام المرصودة في سنة 2024 تثبت مرة أخرى أن المعركة ضد جرائم قتل النساء في تونس لا تزال بعيدة عن الكسب بسبب تعقيد هذه الظاهرة وتعدد عواملها مع غياب إستراتيجية وطنية واضحة المعالم لمناهضة تقتيل النساء .
الزوجة هي الضحية الرئيسية
بينت جمعية "أصوات نساء" في تقريرها السنوي حصول 26 جريمة قتل ومحاولة قتل واحدة مصير الضحية بقي مجهولا نظرا لغياب أي متابعة من قبل الإعلام لهته الجرائم، بينها 13 ضحية على يد أزواجهن و3 ضحايا على يد آبائهن و4 من أقاربهن بينما قتلت 5 نساء على يد مجهولين، وقد خلفت هذه الجرائم 30 ضحية نظرا إلى أن الجريمة الواحدة استهدفت في بعض الحالات أكثر من شخص، وقد ارتكبت أغلب جرائم القتل بالأساس على الزوجات كما شملت 4 جرائم والدة الزوجة إلى جانب الضحية الرئيسية وهي الزوجة وجريمة واحدة تم من خلالها تقتيل الابنة إلى جانب الزوجة.
توزيع الجرائم حسب الفئات العمرية للضحايا
وفيما يتعلق بتوزيع الجرائم حسب الفئات العمرية للضحايا، تشير نتائج التقرير إلى وجود 3 جرائم تقتيل النساء سنّ الضحايا أقلّ من 18 سنة، جريمتيْ تقتيل للنساء سن الضحايا بين 19 و25 سنة و7 جرائم تقتيل النساء سن الضحايا بين 26 و35 سنة و5 جرائم تقتيل النساء سن الضحايا بين 36 و45 سنة و5 جرائم تقتيل النساء سن الضحايا بين 46-60 سنة و4 جرائم تقتيل النساء سن الضحايا تفوق أعمارهن 60 سنة، إذ قتلت مسنة بالغة من العمر 90 سنة. وتمثّل فئة النساء بين 26 و35 سنة أعلى نسبة بـ 28% مقارنة بالشرائح العمرية الأخرى، لكن العدد الجملي للنساء المقتولات الذي يفوق سنّهم 35 سنة، هي أكثر من عدد النساء والفتيات المقتولات التي لم تبلغ سنّ 35.
غالبية جرائم القتل في فضاءات خاصة
وفق التقرير فإن اغلب جرائم تقتيل النساء في تونس تمارس من قبل أحد أفراد الأسرة القائمة على القرابة أو المصاهرة ومن قبل الزوج أو الطليق أو الشريك الحميم، مما يعكس تفشي العنف داخل الأسرة وبين الأزواج والمفارقين والشركاء الحميمين. ففي 36% من الجرائم، كان الزوج هو مرتكب الجريمة حيث ارتكب الأزواج 10 جرائم من أصل 26 جريمة، مما يشير إلى أن العنف الزوجي هو نتيجة الهيمنة والمراقبة والتسلط الذي يمارس على الزوجة من قبل الزوج وطبيعة مكانة الزوجة ودورها في نظر المعنف. كما ارتكب الطليق هذه الجرائم في حالتين، مما يسلط الضوء على استمرار العنف بعد انفصال العلاقة الزوجية وان الطلاق يشكل عامل خطورة على الضحايا. هذا وتُرتكب غالبية جرائم القتل في فضاءات خاصة، عادة ما تكون مغلقة، مثل منزل الضحية أو منزل الجاني أو أحد منازل أفراد عائلة الضحية، وذلك بهدف التستر على الجريمة بعيدًا عن الأنظار. ومع ذلك، فقد سُجّلت حالات قُتلت فيها النساء في الفضاء العام، كالشوارع، وعلى مرأى ومسمع من المارة أو الجيران، في مشهد يوحي بأن الجاني يسعى إلى التجاهر بجريمته، وجعل الضحية عبرة.
جرائم لم تخل من التشفي والانتقام
كما تم رصد حالات حاولت فيها الضحية الفرار من العنف المنزلي، ليتم ملاحقتها وتصفيتها في الفضاء العام، مما يجعل من جميع الفضاءات – الخاصة والعامة – أماكن محتملة للقتل، ويُظهر انعدام شعور الجناة بأي رادع قانوني أو اجتماعي. هذا ولم تخلو الجرائم من التشفي والانتقام إذ أظهرت الفحوصات وجود آثار واضحة للعنف المادي مثل الكدمات، وقطع الأعضاء (كالأيدي)، والحرق بالسجائر وهو ما يؤكد تعمّد الإيذاء والإذلال قبل تنفيذ الجريمة. وقد وقعت بعض الجرائم في أيام ذات دلالات خاصة، مثل يوم عيد الأضحى، أو في فترات معينة من السنة كشهر رمضان حيث تساهم الضغوط الاجتماعية أو الاقتصادية على ارتكاب بعض الجرائم.
اعتماد "التقتيل" كتوصيف قانوني للجرائم
وقد جددت الجمعية مطالباتها للدولة بالتعامل الجدي مع العنف ضد النساء من خلال رصد الإمكانات اللازمة والتطبيق الشامل للقانون عدد 58 وعدم اعتبار ضحايا العنف أرقاما ترصد بشكل كمي جاف كما طالبت باعتماد "التقتيل" كتوصيف قانوني للجرائم العمدية التي ترتكب على الضحايا لأنهن نساء إضافة إلى إنشاء هيئة صلب وزارة المرأة لتقييم فعالية السياسة العامة في مكافحة العنف والتصدي لتقتيل النساء مع إجراء جرد لأنظمة حماية ضحايا العنف وتركيز حملات توعوية وطنية تشترك فيها مختلف الوزارات والهياكل المشمولة بالقانون 58-2017 مع وجوب اعتماد "مؤشر تقييم للمخاطر" من قبل الفرقة المختصة بالقضاء على العنف ضد المرأة وقاضي الأسرة .