Print this page

فيما "الكابينت" يصادق على خطة إبادة موسعة في غزة :احتلال شامل وتجويع ممنهج ومجتمع دولي عاجز

في خطوة تصعيدية جديدة، صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت"، أمس الاثنين،

على خطة عملياتية شاملة لهزيمة حركة "حماس" وإعادة الأسرى الإسرائيليين، حسب المزاعم الرسمية. غير أن جوهر الخطة، كما تكشف تفاصيل البيان الصادر عن مكتب رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو، يعكس توجّها نحو توسيع سياسات الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بما يشمل احتلاله بالكامل، إعادة هندسة ديموغرافية قسرية، وتحويل التجويع إلى أداة حرب ممنهجة.

ويشير البيان الصادر عن مكتب نتنياهو، والمنسوب إلى "مسؤول سياسي"، إلى مصادقة "الكابينت" بالإجماع على الخطة التي طرحها رئيس أركان جيش الحرب إيال زامير، والتي تتضمن السيطرة على أراضي قطاع غزة، ومواصلة ترحيل المدنيين الفلسطينيين من شماله إلى جنوبه، بدعوى حرمان حركة "حماس" من السيطرة على الإمدادات الإنسانية. هذه الخطوة تمثل انتقالًا من الحرب إلى مشروع استعماري ميداني طويل الأمد، قوامه الاحتلال، التهجير القسري، وتفكيك البنية المجتمعية الفلسطينية.

ويخفي الهدف المعلن بـ"هزيمة حماس" في طياته مشروعا متكاملا لتفريغ غزة من مقومات الحياة، وتدمير مقصود للبنية الاجتماعية والمدنية، وهو ما يصنف وفق معايير القانون الدولي جريمة إبادة جماعية ترتكب بصورة منهجية.
اثار هذا القرار ردود أفعال واسعة وحتى داخل كيان الاحتلال الذي يتخبط بالمعارك بين حكومة مجرم الحرب نتيناهو والمعارضة . فقد انتقد وزير الحرب الصهيوني الأسبق ليبرمان، الاثنين، قرار المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت" بتوسيع الحرب على قطاع غزة، وقال إن القرار "يضر بالأمن القومي". وأضاف ليبرمان الذي يتزعم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المعارض: "الحرب التي تقرر خوضها هي حربٌ من أجل السلطة".

ومن المرجح أن تستمر العملية لعدة أشهر، وتشمل عدة مراحل، بدءا من توسيع العمليات البرية في مناطق محددة، ومن ثم الانتقال إلى مناطق أخرى داخل القطاع .

كما أثار الإعلان عن توسيع الحرب على غزة موجة انتقادات من قِبل عائلات الأسرى الإسرائيليين، الذين وصفوا الخطة بأنها "تمثل تنازلًا عن المختطفين وتفريطًا بالأمن القومي والتماسك الوطني".ووفق مراقبين فإن الخطير في بيان "الكابينت" الإسرائيلي، ليس فقط المصادقة على مواصلة العمل العسكري، بل استخدام المعاناة الإنسانية أداة ضغط سياسي وميداني. فبينما يزعم البيان وجود "ما يكفي من الغذاء في غزة"، تؤكد تقارير برنامج الغذاء العالمي ووكالة "الأونروا" نفاد المخزون الغذائي كليا وانهيار شبكة المساعدات منذ مارس الماضي.

مجاعة وشيكة
وقد حذرت مؤسسات أممية، بينها الأمم المتحدة وفق الاناضول، من مجاعة وشيكة، فيما أعلنت وزارة الصحة بغزة أن أكثر من 91% من السكان يعانون من أزمة غذائية حادة، وسط تسجيل وفيات مؤكدة بسبب الجوع وسوء التغذية. هذا التناقض بين الرواية الإسرائيلية والوقائع الميدانية يشير إلى توظيف الكذب السياسي كأداة لتبرير سياسات الإبادة، تحت غطاء ما يُسمى "إعادة الأسرى" أو "منع سيطرة حماس على المساعدات".
وتعيد الخطة التي صادق عليها "الكابينت" إسرائيل إلى مرحلة الاحتلال العسكري المباشر وبذلك تصبح غزة ساحة اختبار لمعادلة استعمارية جديدة وهي احتلال بلا التزامات قانونية، تجويع بلا محاسبة، وقتل جماعي بلا كلفة سياسية، وكل ذلك وسط صمت دولي مطبق وعجز أممي مشين.
تواطؤ الإعلام الغربي
اللافت أن البيان الإسرائيلي يحاول تسويق الخطة كإجراء "عسكري مشروع"، في حين أنها تتعارض جذريا مع نصوص القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استخدام الحصار والتجويع كسلاح ضد المدنيين. ومع ذلك تتلقى هذه السياسات تواطؤا إعلامياً غربياً، يركز على "إعادة الأسرى" و"حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، متجاهلا عمدا المعاناة اليومية لملايين المدنيين الفلسطينيين.
وقد أشار تقرير صادر عن منظمات أممية إلى أن إسرائيل تفرض آليات تسليم المساعدات وفق شروطها العسكرية، وتتحكم في توزيعها بما يخدم أهدافها السياسية والعسكرية، في انتهاك صريح لاتفاقيات جنيف.
ومع ارتفاع عدد ضحايا التجويع إلى 57 فلسطينيا منذ بدء الحرب، وفق بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ومع تصاعد خطر المجاعة في ظل استمرار إغلاق المعابر، تبدو غزة أمام منعطف خطير من الإبادة الجماعية البطيئة والممنهجة.وفي ظل عجز المجتمع الدولي عن فرض وقف لإطلاق النار، أو ضمان دخول المساعدات، تُترك غزة فريسةً لآلة عسكرية وسياسية ماضية في مشروعها الاستيطاني والإحتلالي.
لا يعكس قرار "الكابينت" الإسرائيلي مجرد خطة عسكرية، بل يمثل وثيقة رسمية لشرعنة الإبادة الجماعية في غزة عبر أدوات التجويع والاحتلال والتهجير. وبينما تتساقط ورقة التوت عن المجتمع الدولي، تبقى غزة وحدها تقاوم الموت المعلن، بكبرياء لا تكسره المجازر ولا الحصار.
مخاوف من مواجهة إقليمية مفتوحة
على صعيد آخر ومع تصاعد الضغوط السياسية والعسكرية على إسرائيل داخليا وخارجيا، عاد رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستخدام خطاب التهديد والتصعيد ضد محور المقاومة، ملوّحا بضربات قاسية ضد جماعة الحوثي في اليمن، وإرسال "رسالة" إلى إيران، على خلفية الهجمات الأخيرة التي طالت مطار بن غوريون وأوقعت قطاع الطيران في أزمة غير مسبوقة. غير أن هذا الخطاب يعكس أكثر من مجرد ردع، بل يشير إلى مأزق استراتيجي إسرائيلي يتعاظم مع تعثر الحرب على غزة، والانكشاف الجوي أمام ضربات المقاومة.
وفي تصريحه الأخير، وصف نتنياهو جماعة الحوثي بأنها "تهديد مشترك للعالم وإسرائيل"، مضيفا أن حكومته "لن تسمح بذلك"، ومهددا بـ"إجراءات صارمة". وجاء تصعيده بعد استهداف جماعة أنصار الله اليمنية لمطار بن غوريون بطائرات مسيرة، في تطور نوعي أربك المشهد الأمني الإسرائيلي، وعرقل حركة الطيران الدولية وأجبر شركات طيران عالمية على إلغاء رحلاتها.
يعكس تكرار التهديدات، بحسب المراقبين، حالة من الإرباك السياسي والعسكري في إسرائيل، خصوصا وأن الضربات اليمنية تمثل تحديا للمنظومة الدفاعية الإسرائيلية التي أثبتت هشاشتها أمام الطائرات والصواريخ بعيدة المدى التي تنطلق من جبهات متعددة.
وتشير مصادر إسرائيلية إلى أن أي هجوم محتمل على اليمن سيتم "بالتنسيق مع القوات الأمريكية"، وهو ما يعكس محدودية القرار الاستراتيجي الإسرائيلي، واعتماده شبه الكلي على الغطاء الأمريكي في التعامل مع التهديدات الإقليمية.
ويُذكر أن إسرائيل امتنعت في وقت سابق عن الانخراط في الضربات الأمريكية على اليمن، تلبيةً لطلب مباشر من واشنطن، في محاولة لاحتواء التصعيد ومنع اتساع رقعة الحرب. لكن استهداف مطار بن غوريون شكل نقطة تحول، دفعت إسرائيل نحو التفكير برد مباشر قد يحمل رسائل مزدوجة: داخلية لامتصاص الانتقادات، وخارجية لردع الخصوم.
إلى جانب اليمن، جدد نتنياهو تهديده لطهران، قائلا: "سنهتم بإرسال رسالة لإيران، وسنرد عليها في الزمان والمكان المناسبين".لكن مراقبين يرون أن هذا التهديد يأتي في سياق العجز الإسرائيلي عن الرد المباشر على إيران، رغم الهجوم الإيراني الواسع الذي وقع منتصف اكتوبر من العام الماضي، والذي تضمن أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة، فشلت منظومات الدفاع الإسرائيلية والغربية في اعتراض جزء منها. وحتى الآن، اكتفت إسرائيل برد محدود على محيط قاعدة جوية إيرانية، في ما بدا أنه رد رمزي مُنسّق مع الولايات المتحدة، دون الدخول في مواجهة واسعة، وهو ما يضعف مصداقية تهديدات نتنياهو، ويضعها في إطار الاستهلاك السياسي الداخلي.

البحث عن نصر وهمي
وتأتي تهديدات نتنياهو في وقت يواجه فيه أزمات متداخلة أولها الفشل العسكري في غزة، والانتقادات داخلية بشأن مصير الأسرى، العزلة الدولية المتزايدة، والدعوات المتصاعدة لإجراء انتخابات مبكرة.
لذلك يرى مراقبون أنّ التصعيد اللفظي تجاه الحوثيين وإيران جزء من إستراتيجية الهروب للأمام، وتصدير الأزمة الداخلية نحو الخارج، عبر فتح جبهات إعلامية وأمنية تهدف إلى استعادة سياسة الردع المفقودة، دون استعداد حقيقي للدخول في مواجهة شاملة مع محور المقاومة.
ويعتبر استهداف مطار بن غوريون تطورا استراتيجيا خطيرا، لأنه يضرب في العمق المدني الإسرائيلي، ويكشف عن ثغرات خطيرة في نظام الدفاع الجوي رغم اعتماده على أحدث الأنظمة الغربية المتكطورة.
ويؤكد هذا الحدث أن ''إسرائيل'' باتت في مرمى الطائرات والصواريخ من اليمن وسوريا ولبنان وغزة والعراق، وهو ما يعمّق قلقها من الانجرار إلى مواجهة إقليمية متعددة الجبهات، قد تكون نتيجتها أكثر تدميرا من أي حرب خاضتها منذ عقود.
'"'حصار جوي على إسرائيل''
وفي تطور لافت على جبهة الدعم الإقليمي للمقاومة الفلسطينية، أعلنت حركة "حماس"، ترحيبها بالقرار الذي أعلنته جماعة الحوثي اليمنية بفرض حصار جوي شامل على إسرائيل، في خطوة اعتبرتها الحركة تجسيدا ملموسا للتضامن العربي والإسلامي في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة بدعم أمريكي مباشر.
وفي بيان رسمي، وصفت "حماس" الخطوة الحوثية بأنها "إجراء بطولي"، يعكس عمق التلاحم بين الشعوب العربية في معركة الدفاع عن فلسطين، معتبرة أن الموقف اليمني يؤكد أصالة شعبه وشجاعة قيادته. وشددت الحركة على أن هذا الموقف يبعث برسالة واضحة حول وحدة المصير العربي وضرورة التصدي للمخططات الإسرائيلية التي تستهدف الأمة بأسرها، لا سيما مع استمرار استهداف إسرائيل للبنان وسوريا وتوسيع رقعة عدوانها في المنطقة.
ودعت الحركة مختلف مكونات الأمة العربية والإسلامية إلى الانخراط الفعلي في "معركة الدفاع عن الكرامة والسيادة"، والعمل على مواجهة المشروع الاستيطاني الذي يحاول فرض وقائع بالقوة في فلسطين والأراضي العربية المحتلة.
وكان المتحدث العسكري باسم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) يحيى سريع، قد أعلن صباح أمس الأول الأحد، فرض ما وصفه بـ"حصار جوي شامل" على إسرائيل، ردًا على التصعيد الإسرائيلي المعلن في غزة. وأكد أن قواتهم ستواصل استهداف المطارات الإسرائيلية، وعلى رأسها مطار اللد (بن غوريون)، داعيا شركات الطيران الدولية إلى وقف الرحلات نحو إسرائيل "تفاديا لأي مخاطر أمنية تهدد الطيران المدني".

الإعلان جاء عقب ساعات من تصريح لرئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توعّد فيه بشن هجمات ضد اليمن، بعد قصف الحوثيين لمطار بن غوريون.
وفي مؤشر على تزايد تداعيات الحصار الجوي، أعلنت عدة شركات طيران أوروبية وآسيوية – من بينها "لوفتهانزا" الألمانية والخطوط السويسرية والنمساوية والإيطالية والهندية – تعليق رحلاتها المقررة إلى إسرائيل، في خطوة تعكس حجم القلق المتصاعد من امتداد الصراع إلى أجواء المنطقة.ويأتي هذا التطور بينما تواجه الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية انتقادات بعد فشل منظومتي "حيتس" و"ثاد" في التصدي لصاروخ الحوثيين الأخير، ما اعتُبر دليلاً على هشاشة "الدرع الصاروخية" في مواجهة تهديدات متعددة المحاور.
إيران تهدد بالرد
من جهتها توعدت إيران أمس الأول، برد قوي في حال هاجمتها الولايات المتحدة أو إسرائيل، وكشفت عن صاروخ باليستي جديد قالت إنه يتجاوز أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ.
فقد قال وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده في تصريحات للتلفزيون الإيراني "إذا بدأت الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني هذه الحرب، فستستهدف إيران مصالحهما وقواعدهما وقواتهما أينما كانت وفي الوقت الذي نراه ضروريا".وأضاف أنه لن تكون هناك مراعاة أو قيود في مهاجمة المصالح الأميركية، بحسب ما نقلته عنه وكالة فارس للأنباء.
وجاءت هذه التصريحات بعيد توجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهديدا لإيران عقب استهداف الحوثيين مطار بن غوريون قرب تلّ أبيب بصاروخ باليستي.كما تأتي في ظل التصريحات الأمريكية المتكررة باحتمال اللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران في حال فشلت المحادثات الرامية إلى التوصل لاتفاق نووي جديد.
صاروخ جديد
في الأثناء، كشف التلفزيون الإيراني اليوم عن الصاروخ الباليستي "قاسم بصير" بمدى يصل لأكثر من 1200 كيلومتر كأحدث الإنجازات الدفاعية الإيرانية.
وقال وزير الدفاع الإيراني إن الصاروخ مقاوم للحرب الإلكترونية وقادر على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ الباليستية.وأضاف نصير زاده أن صاروخ "قاسم بصير" لا يستخدم نظام "جي بي إس"، ولديه قدرة كبيرة على المناورة وإصابة الأهداف.وتملك إيران ترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية، بما فيها صواريخ.

 

المشاركة في هذا المقال