الولايات المتحدة وإيران .. الحرب التي لن تقع

نصيف الخصاف

تتصاعد وتيرة التصريحات والتصريحات المضادة بين الولايات المتحدة وإيران التي توحي باحتمال

نشوب حرب بين البلدين بعد انتهاء المهلة التي أعلنها الرئيس الأمريكي ترامب لإيران لاستئناف المفاوضات بشأن برنامجها النووي و"أشياء أخرى" وإلا فإن "أمور سيئة جداً ستحصل لإيران" كما ورد في أحد تصريحات ترامب حول الموضوع، وانشغلت وسائل الإعلام ولا سيما العربية منها، ومواقع التواصل الاجتماعي، بتضخيم هاجس الحرب في ثنايا التصريحات الأمريكية والإيرانية، وتعداد وتبيان حجم القوات الأمريكية التي دخلت إلى منطقة المحيط الهندي والبحر المتوسط والقواعد القريبة من المنطقة، التي تشي باقتراب قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد إيران حسب تحليلات بعض المراقبين.

كل ما يحدث، وكل التعزيزات الأمريكية في المنطقة، تدعم سياسة حافة الهاوية التي تمارسها الإدارة الأمريكية في تعاطيها مع إيران، وتضخيم وسائل الإعلام العربية لاتجاه مضي الإدارة الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية كبيرة لإيران يصب في هذا الاتجاه، سواء كان ذلك موجهاً بدافع المشاركة في هذا الجهد بقرار سياسي، أو ناتج من انعدام الخبرة في تناول الأحداث وتحليلاتها. لكن اللافت أن القيادة الإيرانية بدأت بإطلاق التصريحات التي تكشف انطلاء اللعبة عليها من قبيل القول "إنّ إيران قد تتعرض لضربة شبيهة بما تعرض له العراق في عام 2003"، بالإضافة إلى تصريحات لمسؤولين آخرين باستعداد إيران لضرب قواعد ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة، التي كنت أعدها تصريحات لطمأنة الداخل الإيراني، أكثر منها لردع الولايات المتحدة عن عمل عسكري ضدها.

لا ينظر صاحب القرار الأمريكي إلى الحرب مع إيران كما نراها نحن العرب، أي أنها لا تعدو أن تكون عمليات عسكرية باستخدام الصواريخ الموجهة والطائرات الحديثة التي تتفوق فيها الولايات المتحدة بأشواط على إيران، ومن ثم فإن العملية محسومة النتائج على وفق هذه التحليلات، لكن الأمر لا يقف على من يتفوق عسكرياً، بل لا يتوقف حتى على من يستطيع حسم نتائج الحرب لصالحه، لأن الحرب في منطقة الخليج تختلف عن الحرب في إفريقيا، أو أمريكا الجنوبية. الحرب في الخليج تعني احتمال انقطاع 40% من إمدادات النفط عن العالم، ما يعني أيضاً ارتفاعاً بأسعار النفط يتجاوز 200 دولار للبرميل الواحد، ما سيؤدي إلى انهيار اقتصاديات الدول المستهلكة للنفط، وهو أمر لا تريده، ولا تسعى إليه الولايات المتحدة، فضلاً عن حلفائها الغربيين.

لن تنشب حرب بين الولايات المتحدة وإيران قبل تأمين مصادر طاقة بديلة عن نفط الخليج الذي سيتوقف نتيجة ظروف الحرب وتفاعلاتها، وهذا غير ممكن في الوقت الحالي، لا سيما في ظل استمرار انحسار النفط والغاز الروسيان عن الأسواق نتيجة الحصار الغربي على روسيا، بسبب حرب أوكرانيا. ربما ستتصاعد نذر الحرب مع إيران، بعد حصول اتفاق على وقف الحرب في أوكرانيا، وربما يكون هذا أحد العوامل الضاغطة على الرئيس الأمريكي لتسريع إنهاء حرب أوكرانيا بأقرب وقت ممكن.

يبقى ثمة احتمال آخر لم يتطرق إليه المحللون، هو قيام إسرائيل بشن عمليات قصف جوي وصاروخي ضد منشآت البرنامج النووي الإيراني، لا سيما، أن الجيش الإسرائيلي نفذ تدريبات لمحاكاة هجوم جوي ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهذا الهجوم سيكون مدعوماً استخباراتياً ولوجستياً من الولايات المتحدة والدول الغربية، وكذلك ستعمل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية على تحجيم رد الفعل الإيراني المحتمل على الضربة الإسرائيلية لإيران، كما حصل في أثناء الرد الإيراني على عملية اغتيال هنية من قبل إسرائيل داخل إيران. يبقى هذا الاحتمال مرجحاً بشدة في الوقت الحالي على احتمال شن الولايات المتحدة بنفسها عمليات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، ما يفتح الباب لأزمات اقتصادية وسياسية كبيرة في المنطقة، والعالم.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115