مآلات التحديات الأمنية السورية اللبنانية …بين التصعيد والتنسيق

لا تبعث أخبار يوم الإثنين وفجر الثلاثاء أي بارقة أمل في تطورات إيجابية محتملة في الشرق الأوسط على المدى المنظور ،

. فالأنباء التي تصل من سوريا تثير عديد التخوفات بشأن واقع ومستقبل دول وشعوب منطقتنا الموعودة بالتعقيدات السياسية والاستهداف الصهيوني.

وتزداد تلك الصور قتامة مع أخبار إستئناف جيش الإحتلال الحرب على غزة وتتصاعد أرقام القتلى بشكل مفزع . وتتباهى حكومة اليمين المتطرف بأن العملية العسكرية قد لا تقتصر على العمليات الجوية، وبصفة خاصة تصريح وزير المالية ' سموتريتش' الذي ذكر أنه تم التخطيط لتلك العملية منذ تولي رئيس الأركان الجديد مهام منصبه.
وقد تخوف الباحث في الشؤون الدولية د. أحمد الباز من وتيرة الأحداث وتطوراتها في المشرق العربي . ولم يخف قلقه خلال مسامرة رمضانية من التحديات الأمنية المتصاعدة بالمناطق الحدودية السورية-اللبنانية وإحتمالات تطورها إلي مسارات طائفية. على الرغم أنها بدأت باشتباكات محدودة بين الجيش السوري وعناصر مسلحة اتهمتها وزارة الدفاع السورية بالتبعية لـ"حزب الله" في لبنان، وذلك على خلفية مقتل ثلاثة عناصر من الجيش السوري داخل الأراضي اللبنانية.
ومايزال مخاض التطورات التي شهدتها سوريا يخضع لعدة إختبارات إقليمية ودولية ويراقب المجتمع الدولي تحركات الإدارة الجديدة والمحسوبين عليها بصفة خاصة عقب الإعلان الدستوري . ويتحسب فاعلين إقليميين ( مصر ، الأردن ) من عدم تماسك الدولة السورية . ويتطلع الشارع العربي - الذي أصبح مهتماً بمتابعة التطورات الإقليمية عن كثب - إلى وجود تضامن صلب للحيلولة دون مشروعات التقسيم والفوضى، ولا يرغب الشارع العربي في إنجرار دول المشرق إلي نزاعات طائفية تزيد من هشاشة المنطقة.
بالتوازي مع تقلبات الحياة السياسية والأمنية في سوريا الجديدة تبحث أوروبا مسألة رفع العقوبات وإن كان هناك توجهاً لرفعها في أقرب وقت ، فضلاً عن تكالب قوي إقليمية ( تركيا ، إسرائيل ) على فرض هيمنة على واقع ومستقبل سوريا الجديدة ، ورغبة كل من أنقرة وتل أبيب في التوسع في الداخل السوري وخلق عمق إستراتيجي أكبر لكل منهما . مشاهد تعكس تنامي صور التنسيق بين تل أبيب ودروز سوريا والعلاقات المستقبلية بين الأكراد وتركيا. وبالتوازي مع تلك التفاعلات تظهر الحوادث الأمنية بين سوريا ولبنان والتي قد تتكرر بين الحين والآخر إستناداً إلى وجود عناصر ' منفلتة 'من حزب الله اتخذت قرارًا فرديًا بتصفية عناصر الجيش السوري، بدون الرجوع لقيادات الحزب، فضلاً عن
تنامي الاحتقان الطائفي ولا سيما بعد أحداث مدن الساحل السوري ( اللاذقية بصفة خاصة ) التي تتمركز فيها الطائفة العلوية.
بالتوازي مع إنتهازية التحركات الإسرائيلية في سوريا واللعب بورقة الأقليات ( الدروز ) شهدت الحدود السورية-اللبنانية أحداثاً مماثلة في شهر فيفري الماضي تبعه احتواء دبلوماسي من حكومتي البلدين . ومن المنتظر تفعيل التحركات الدبلوماسية مرة أخرى لاحتواء الأحداث الحالية والحيلولة دون تطورها ولتعزيز أطر التنسيق الأمني بين الدولتين. لاسيما وأن تقارير إعلامية تشير إلي أن أحداث الساحل السوري تعد دلالة على هشاشة المؤسسة العسكرية الجديدة وعدم قيام عملية إندماج الفصائل فيها على أسس صحيحة.
وإذا تطرقنا إلي دور القوي الدولية في ضبط وتوجيه الترتيبات الداخلية في سوريا وكذلك لبنان ، فقد نشرت وول ستريت جورنال -نقلًا عن مصادر في الجيش الأمريكي- تصريحات مهمة أول إمس تشير إلى أن الجيش الأمريكي يلعب في سوريا دورًا دبلوماسيًا مهمًا خلف الكواليس ويتوسط في محادثات بين فصائل مسلحة وحكومة دمشق ، وأن وساطة واشنطن تهدف إلى تحقيق الاستقرار ومنع العودة إلى الصراع الأهلي بسوريا. مع إبراز تشجيع واشنطن"الجيش السوري الحر" على إبرام اتفاق مع الحكومة السورية الجديدة كما إمتدت تصريحات مسؤولي الجيش الأمريكي إلي التعليق على ما شهده الأسبوع الماضي من اتفاق بين الإدارة السياسية الجديدة في دمشق والأكراد ( قوات سوريا الديمقراطية ) ، والتلويح بانسحاب واشنطن من سوريا جعل "قسد" تمضي بشكل أسرع نحو الاتفاق مع دمشق. ولم يخل الحديث من إشارات لإستمرار التواجد الإيراني في الأراضي السورية يالإدعاء بأن الجيش الأمريكي كان علي وشك قصف -موقع مهجور - لجماعات ' إيرانية ' مسلحة فيه صواريخ لكن بعد التواصل مع وزارة الدفاع السورية وتفكيكها للموقع تراجع الجيش الأمريكي. وتواكب ذلك مع تصريحات نائب الرئيس الأمريكي بأن واشنطن لن نرسل قوات إلى سوريا لكن هناك كثير مما للولايات المتحدة فعله دبلوماسيًا واقتصاديًا لحماية الأقليات.
إنه من الضروري إخراج جميع العناصر المسلحة المتورطة في أنشطة إرهابية من سوريا، هكذا صرح وزير الخارجية التركي ( يعد من أبرز المرشحين لخلافة أردوغان ). وأنه أكد خلال زيارته لدمشق أن هناك منظمات إرهابية تحاول استغلال الوضع الحالي في سوريا ، وأفصح ' فيدان ' عن أدراك بلاده أن الأحداث الأخيرة بسوريا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة . ومن المحتمل أن نشهد استفزازات جديدة، منوهاً بأن أنقرة تنتظر من "دمشق" إعطاء الأكراد حقوقهم وهو ما يساهم في حل 'البنية الإرهابية' في المنطقة.
ويرى د. أحمد الباز أن الإتفاق بين الحكومة السورية الجديدة والإدارة الذاتية الكردية خطوة تكتيكية في طريق ' غير مُعبد ' لبدء معالجة هذه الأزمة في التي قد تشهد مسارات تسويتها عدة خلافات سياسية وعسكرية . وأكد على ضرورة الإحتفاظ بتفاؤل حذر ، والتطلع إلى ظهور أصوات معتدلة ( وطنية ) تدفع بإتجاه تغليب مصلحة الدول والشعوب على المصالح الضيقة وتجنيب سوريا ولبنان النزاعات وتشجيع التسامح والحوار والمصالحات وإعادة الإعمار.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115