ومدى سلامة تطبيقه في إحالة المحامية والإعلامية سنية الدهماني. وقررت تبعا لذلك نقض قرار إحالة الدهماني على الدائرة الجنائية وحالة ملفها من جديد على أنظار دائرة الاتهام.
قرار محكمة التعقيب جاء مفصلا وصريحا، حيث تطرق إلى كل الجوانب القانونية والإجرائية والتطبيقية للفصل 24 من المرسوم عدد 54 في ملف الإعلامية والمحامية سنية الدهماني.
فرغم المآخذات العديدة والانتقادات الهامة للمرسوم عدد 54، والمطالبة بتنقيحه في أكثر من مناسبة الّا أنّ محكمة التعقيب، وبقرارها الصادر أول أمس الاثنين 3 فيفري 2025، قد حسمت الأمر مبدئيا في ما يتعلق بالفصل 24 منه.
قرار محكمة التعقيب
قضت الدائرة 29 لدى محكمة التعقيب بتونس أمس الإثنين 3 فيفري الجاري بنقض وإحالة قرار دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس في حق المحامية والمعلقة الإعلامية سنية الدهماني وإعادة ملف القضية إلى دائرة الاتهام لإعادة النظر فيه في هيئة جديدة.
وكانت دائرة الاتهام لدى محكمة الاستئناف بتونس قد أيدت قرار ختم البحث الصادر عن قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس. وقررت في أوت 2024 إحالة سنية الدهماني على الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس 1 على خلفية شكاية كانت قد تقدمت بها الهيئة العامة للسجون بتهمة "تعمد استعمال أنظمة معلومات واتصال لنشر أخبار كاذبة ونسبة أمور غير حقيقية بهدف الإضرار بالأمن العام والتشهير بالغير والتحريض عليه وكان المستهدف منه موظفا عموميا" على معنى الفصل 24 من المرسوم 54 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال.
وكانت الدهماني قد تحدثت عن الوضعية العامة بالسجون التونسية وانتقدتها ضمن برنامج إذاعي تم على خلفيته تقديم شكاية في حقها.
وتحال سنية الدهماني في خمسة ملفات قضائية كلها على معنى المرسوم 54 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال ومتعلقة وذلك على خلفية نقدها للوضع الاقتصادي والاجتماع ضمن تدخلاتها الإذاعية، تم تكييف أربعة منها كجنح وملف السجون تم إحالته كجناية تواجه فيها الدهماني عقوبة بالسجن قد تصل إلى 10 سنوات باعتبار أن الشاكي فيها موظف عمومي وهي الهيئة العامة للسجون.
علما وانه محكمة الاستئناف قد بتت في ملفين اثنين في حق سنة الدهماني وقضت بسجنها في القضية الاولى لمدة 8 أشهر وفي القضية الثانية بسنة و6 أشهر.
"قرار ايجابي وجريء"
وصف عميد المحامين حاتم مزيو قرار محكمة التعقيب الصادر أمس الاثنين المتعلق بتاويل الفصل 24 من المرسوم عدد 54 في قضية المحامية والاعلامية سنية الدهماني بالايجابي باعتبار انه صادر عن اعلى درجة من درجات التقاضي وهي محكمة القانون.
وقال في تصريح لـ"المغرب" بانه يمثل خطوة هامة وجريئة من محكمة القانون، ويجب ان لا يكون يتيما وان يتم العمل به واحترامه من قبل النيابة العمومية والوكالة العامة.
وقال عميد المحامين انه ولـ"اول مرة يقع نقض قرار دائرة اتهام بسبب عدم تطبيق القانون بخصوص المرسوم 54، حيث اعتبرت انه لا ينطبق خاصة على الفضاء العام والاعلاميين والمحامين وغيرهم، معتبرا انه خطوة قانونية جريئة ومهمة ومطمئنة خاصة و ان القضاء الممثل في اعلى درجة يؤكد على قيم ومبادئ هامة منها علوية الدستور والمعاهدات الدولية ووجوب احترام السلم القانوني. وكذلك في تأويل النصوص التشريعية خاصة المرسوم 54 الذي اعتبرت انه يشمل فقط المسائل المتعلقة بمواقع الالكترونية والمعلوماتية وخاصة وجوب احترام المرسوم 115 و116 بالنسبة للقضاء العام".
واعتبر مزيو ان مسالة الحال أساسية ومهمة ، خاصة و ان هيئة الدفاع بصفة عامة قد قامت بدور هام جدا - وخاصة منها هيئة الدفاع عن الدفاع المشكلة في اطار الهيئة الوطنية للمحامين- من أجل إرجاع الأمور الى نصابها ونقض قرار دائرة الاتهام.
وأضاف " كلنا امل انّ القضاء وخاصة دائرة الاتهام بان ترجع الأمور الى نصابها وتحسن تطبيق القانون طبق ما جاء في القرار التعقيبي".
من جهة أخرى قال العميد حاتم مزيو انه من "الناحية النظرية فانه من الممكن أن لا تقوم دائرة الاتهام التي ستنظر في ملف سنية الدهماني بتركيبة مغايرة من جديد في الملف بتطبيق ما ورد بالقرار التعقيب، لكن نأمل ان تتجه الجهات القضائية المعنية في اتجاه احترام القانون وتطبيقه".
كما تطرق عميد المحامين الى الفصل 46 من مرسوم المحاماة وقال في هذا الاطار بان "اهم شي هنا ان المحكمة اقرت ان الفصل 46 يجب احترامه حتى بالنسبة لوضعية الاستاذة سنية الدهماني. وفي الاصل محكمة التعقيب اعتبرت ان هنالك احترام الفصل 46 لكننا نخالفها الرأي هنا فان مقتضيات الفصل 46 لا بد من احترامها بحذافرها وان الضمانات التي أسندها الفصل المذكور للمحامي (سواءا كان محاميا مباشرا او غير المباشر ) ووجب احترام مقتضيات فصول المرسوم المنظم للمهنة . باعتبار ان هذه الضمانات لا تهم المحامي فقط وانما تهم المحامي والمواطن ومصلحة تطبيق القانون وضمان حقوق الافراد وضمان المحاكمات العادلة.
وقال مزيو بان هذه الضمانات لا بد أن يتم تأويلها تأويلا ضيقا وان المشرع اسند اختصاص للوكيل العام فقط فانه لا بد من أن يقع احترام ذلك. وان الوكيل العام هو الذي يتولى الإحالة شخصيا ويقوم بوصف الجرائم، صحيح أن هناك نصوص عامة تسند لوكيل الجمهورية حق التوصيف لكن هذا نص خاص يتعلق بمهنة والنصوص الخاصة تسبق على النصوص العامة ولا بد من احترام هذا النص الخاص لما في ذلك من ضمانات للمحامي ولمكتبه ولحرفائه ولحسن تطبيق القانون باعتبار ان المحامي هو من يواجه العديد من المخاطر يوميا بمناسبة المحاكمات. المشرع أسنده هذه الضمانات حتى يقوم بعمله على أحسن وجه ولا يكون محل متابعة من اجل اعماله.
نقابة الصحفيين تثمن القرار التعقيبي
ثمنت النقابة الوطنية للصحفيين قرار الدائرة 29 لدى محكمة التعقيب بتونس القاضي بنقض إحالة دائرة الاتهام لملف نقد واقع السجون. واعتبرت ان هذا القرار يمثل خطوة إيجابية اتخذتها محكمة التعقيب بوصفها محكمة قانون في إرجاع الأمور إلى نصابها في حصر استعمال المرسوم 115 دون غيره في قضايا النشر مثلما طالبت به النقابة منذ سنوات.
واعتبرت النقابة في بيان لها امس الثلاثاء 4 ففيري الجاري أن نقد المؤسسات والسياسات العمومية هو جوهر العمل الصحفي في اتجاه إصلاح السياسات العمومية ومدى احترامها لحقوق المواطنين ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون سببا للزج بالصحفيين في السجون وتقييد حرية عمل المؤسسات الإعلامية والصحفيين والإعلاميين في الوقت الذي يتطلب تعامل الشخصيات العامة بتسامح مع الانتقاد الموجه من وسائل الاعلام حتى يمكنها أن تقوم بمسؤوليتها المجتمعية على حد تعبيرها.
هذا وقد طالبت النقابة بـ"الافراج عن مشروع تنقيح المرسوم 54 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال". وحملت رئيس مجلس نواب الشعب مسؤولية "التعطيل الممنهج لتمرير مقترح التنقيح للجنة المختصة في تعد سافر على الدستور التونسي ونظام البرلمان الداخلي وحرمان مئات المتابعين وفق المرسوم من الاستفادة من إمكانية التنقيح" وفق ما ورد في نص البيان.
واعتبرت النقابة أن "تمسك النيابة العمومية ومن خلفها وزارة العدل بمواصلة استعمال هذا المرسوم كسيف يسلط على حرية التعبير وحرية الصحافة يدخل في خانة سياسة ممنهجة تهدف إلى إخماد الأصوات الناقدة والحرة".
وجددت دعوتها لـ"إطلاق سراح سنية الدهماني والكف عن التنكيل بها في قضايا رأي، وكذا الأمر بالنسبة لشذى الحاج مبارك ومراد الزغيدي ومحمد بوغلاب وبرهان بسيس" على حد تعبيرها.
نص الفصل 24 من المرسوم
ينص الفصل 24 من المرسوم عدد 54 على انه "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.
ويعاقب بنفس العقوبات المقررة بالفقرة الأولى كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر، أو إشاعة أخبار ،أو وثائق مصطنعة ،أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به ماديا أو معنويا أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية.
وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفا عموميا أو شبهه".