وتزامنت عودة ساكن البيت الأبيض مع تحولات كبرى وزلزال سياسي غير مسبوق في المنطقة في أكثر من ملف من فلسطين الى سوريا مرروا بلبنان . يبدأ ترامب رسميا ولايته الثانية وسط هواجس بشأن ما سيحمله للمنطقة وهو المعروف بسياساته ومواقفه المثيرة للجدل.
أدى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب امس، الإثنين، اليمين الدستورية ليصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، ليبدأ ولايته الثانية ، وسط توقعات كبيرة حول التغييرات الجذرية التي وعد بها. ومع بدء ولايته، تتجه الأنظار إلى البرنامج الرئاسي اليومي الذي يخطط ترامب لتنفيذه في اليوم الأول من فترة رئاسته.وتم رسميا تنصيب الرئيس الأمريكي الـ47 في تاريخ أعتى وأقوى دول العالم الملياردير ورجل الأعمال دونالد ترامب الذي أدى اليمين الدستورية خلفا للرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن ، بمشاركة أهم وجوه السياسة في أمريكا ومئات الآلاف من الأمريكيين من مناهضين ومساندين لترامب.
عهد الجدل ؟
ومنذ فترته الرئاسية الأولى كان الجدل السمة الدائمة المرافقة لتصريحات ترامب وخطاباته. إذ ارجع مراقبون احد أهم أسباب نجاحه المفاجئ آنذاك في الانتخابات إلى إتباعه سياسة اتصالية اعتمدت على التصريحات المثيرة في ملفات حساسة تهمّ الرأي العام الأمريكي سواء تصريحاته حول ظاهرة الإرهاب أو هجومه اللاذع ضد الجالية المسلمة في أمريكا والتلويح بطردهم عقب توليه الحكم أو غيرها من القضايا المطروحة على المستوى العالمي .
وفي إطار التقاليد الرئاسية المعروفة في أمريكا، يُخصص يوم التنصيب بشكل رئيسي للطقوس الرسمية والبروتوكولات التي ترافق هذا الحدث التاريخي. في هذا اليوم، يغادر الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، البيت الأبيض، ليحل ترامب مكانه في هذا المنصب الرفيع.
وخلال هذا اليوم، ركّز ترامب على الوفاء بتعهداته التي قطعها أثناء حملته الانتخابية. ومن أبرز ما يقوم به الرئيس الجديد في يومه الأول توقيع عدد من الأوامر التنفيذية التي تتعلق بعدد من القضايا الهامة مثل تعزيز أمن الحدود، بالإضافة إلى اتخاذ قرارات تخص قطاع الطاقة، وبالتحديد فيما يتعلق بإنتاج النفط والغاز. كما سيتخذ قرارات أخرى تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأمريكي وتعزيز سياساته الداخلية والخارجية.
في ظل التوقعات بتغييرات جذرية على مستوى السياسات العامة، فإن اليوم الأول من ولاية ترامب سيكون محط أنظار الأمريكيين والعالم على حد سواء، ووفق مراقبين اعتمد ترامب في حملته الرئاسية هذا العام أيضا على التصريحات المثيرة للجدل ، هذا الجدل رافق أيضا تصريحات ترامب التي سبقت تنصيبه بأيام قليلة ، وأثارت تصريحاته هذه المرة غضب القارة الاوروبية وكندا والمكسيك وألمانيا وفتحت باب التأويلات حول سياسة أمريكا الخارجية في ظل حكم ترامب.
فعقب فوزه بساعات قليلة بدأ الرئيس الأمريكي المنتخب في خلق التوتر مع عدّة دول على غرار الصين ، إذ يرى مراقبون أنّ ترامب يرى في الصين مُنافسا اقتصاديّا حقيقيّا لبلاده. المكسيك جارة أمريكا أيضا يرى متابعون أنّ علاقتها بالولايات المتّحدة الأمريكيّة قد تسوء ، فيما بدأت العلاقات الأمريكية الكندية في اتخاذ منحى متوترا بعد تصريحات ترامب عن نيته ضم كندا لتكون الولاية الأمريكية عدد 51 . مقاربات وقناعات ترامب الاجتماعية والاقتصادية، طالت قادة العالم حيث صعق بعضهم بسبب التصريحات النارية التي أطلقها دونالد ترامب والتي قد تؤشر إلى ملامح السياسة الخارجية التي قد تتبعها إدارته .
سياسات ترامب
وفي تجمّع حاشد في واشنطن عشية تنصيبه، أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عزمه على التصدي لما وصفه بـ "غزو" المهاجرين غير النظاميين، وهو الملف الذي كان من أبرز أولويات حملته الانتخابية.وخاطب ترامب الآلاف من أنصاره في قاعة "كابيتال وان"، المخصصة للرياضة والفعاليات، قائلاً: "سنوقف هذا الغزو عند حدودنا"، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ستكون ضمن أولوياته في بداية ولايته الرئاسية.وفي كلمته التي ألقاها قبل أداء اليمين الدستورية، وعد ترامب، الذي سيصبح الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، بإصدار حوالي مئة مرسوم رئاسي في أول يوم من حكمه. وأضاف: "اعتبارًا من الغد، سأتحرك بسرعة وبقوة غير مسبوقة".
كما أعاد ترامب التأكيد على تعهداته التي أعلناها أثناء حملته الانتخابية والتي ساعدته على الفوز في الانتخابات الرئاسية أمام منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. وأكد قائلاً: "علينا أن نواجه الأزمات التي تعصف ببلادنا، وقد حان الوقت للبدء بالتحرك".
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، يُتوقع أن يعلن ترامب عن حالة الطوارئ على الحدود مع المكسيك لتعزيز سياساته الأمنية. كما من المتوقع أن يقوم بإلغاء برامج تعزز التنوع داخل الحكومة الفيدرالية، بالإضافة إلى رفع القيود على إنتاج النفط.
من المنتظر أيضا أن يصدر ترامب قرارا بالعفو عن الأشخاص المدانين في حادث اقتحام مبنى الكابيتول في 6 جانفي 2021، في خطوة تهدف إلى وقف التصديق على فوز جو بايدن. وصرح ترامب في خطابه بأنه سيجعل هؤلاء المدانين "سعداء جدا" بقراره المرتقب. وشدد ترامب على ضرورة إنقاذ منصة "تيك توك" بعد ساعات من تعهده بتعليق القانون الذي يحظر استخدامها في الولايات المتحدة، مما أدى إلى توقف مؤقت للمنصة. وقال: "بصراحة، ليس لدينا خيار سوى إنقاذها"، وسط تصفيق حار من الحضور.
ومن جهته، شارك الملياردير إيلون ماسك، أحد حلفاء ترامب وأغنى رجل في العالم، في التجمع، داعيا إلى بناء مستقبل قوي للولايات المتحدة. وقال ماسك: "هذا الانتصار هو البداية فقط، والأهم الآن هو إحداث تغييرات جذرية لوضع أسس تجعل أمريكا قوية لعقود وقرون قادمة".
سلسلة من الأوامر التنفيذية
في أول يوم من ولايته الثانية، تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، باتخاذ خطوات جريئة وسريعة تشمل توقيع سلسلة من الأوامر التنفيذية التي ستشكل بداية لعهده الجديد. ومع لحظة أداء اليمين الدستورية، أكد ترامب أنه سيعمل "بسرعة وقوة تاريخيتين" لتنفيذ تعهداته التي طرحها أثناء حملته الانتخابية.
ومن أبرز القضايا التي من المتوقع أن ركز عليها ترامب في اليوم الأول هي الهجرة إذ يتصدر ملف الهجرة قائمة أولويات ترامب، الذي تعهد بإنهاء الجنسية التلقائية لأي شخص يولد في الولايات المتحدة. على الرغم من أن هذه الخطوة قد تواجه تحديات قانونية، إلا أن ترامب أعلن عن عزمه على إطلاق "أكبر عملية ترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين في تاريخ أمريكا" في اليوم الأول من ولايته.ومن بين الملفات أيضا كان العفو عن المتورطين في أعمال شغب الكابيتول إذ من المتوقع أن يتخذ ترامب خطوة مثيرة للجدل تتمثل في العفو عن الأشخاص الذين شاركوا في أعمال الشغب في مبنى الكابيتول في جانفي 2021. قال ترامب إنه سيعكف على "دراسة القضايا بشكل مستقل"، ولكنه أكد أن العفو سيكون جزءًا من أولوياته.ثم اتفاقية باريس للمناخ فخلال فترة رئاسته السابقة، انسحب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، وفي ظل ولايته الثانية، يعتزم الانسحاب مجددًا من هذا الاتفاق. هذا الانسحاب سيتضمن تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها بخفض انبعاثات الكربون.
السياسة تجاه روسيا وأوكرانيا
وسبق لترامب أن أكد أنه يمكنه إنهاء الحرب في أوكرانيا "في يوم واحد"، ومن المتوقع أن يغير موقفه تجاه الدعم الأمريكي لأوكرانيا، حيث أشار إلى أن المساعدات المقدمة لها قد تقل في عهده.
وفي إطار استعادة سياسات الهجرة المتشددة، سيوقع ترامب مجموعة من الإجراءات التي تركز بشكل رئيسي على تعزيز أمن الحدود. من بين هذه الإجراءات تصنيف كارتيلات المخدرات كـ "منظمات إرهابية أجنبية"، وكذلك إعلان حالة الطوارئ على الحدود الأمريكية المكسيكية. كما يخطط لاستعادة سياسة "البقاء في المكسيك"، التي تجبر طالبي اللجوء غير المكسيكيين على انتظار مواعيد محاكماتهم في المكسيك.
تشير التقارير إلى أن ترامب يخطط لتوقيع أكثر من 200 إجراء تنفيذي في اليوم الأول من رئاسته، وهو ما يعكس حجم التغيير الكبير الذي يسعى لتحقيقه. وتهدف هذه الأوامر التنفيذية إلى تنفيذ أجندة متشددة تشمل موضوعات متنوعة، من بينها تقليص البرامج الحكومية التي تهدف إلى تعزيز التنوع في مكان العمل، وصولًا إلى تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.ومع بداية هذه الولاية، يبدو أن ترامب عازم على تنفيذ برنامج عمل سريع ، ما يجعل اليوم الأول من ولايته نقطة تحول في مسار السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
سياسة ترامب على الشرق الأوسط
مع عودته إلى البيت الأبيض، يعود الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، التي شكلت محورا مهما في فترته الرئاسية الأولى. وخلال حملته الانتخابية، تعهد ترامب بإغلاق ملف الحروب المستمرة في المنطقة، التي انطلقت عقب ولايته الأولى. وكان قد أثار الجدل بتصريحاته القوية، حيث هدد بـ "فتح أبواب الجحيم" في الشرق الأوسط إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة. لم يكن تهديده موجها لحركة حماس فقط، بل شمل أطرافا أخرى أيضًا، مما زاد من تعقيد الموقف في المنطقة.
هذه التصريحات كانت لها تداعيات كبيرة، حيث أسهمت في الدفع نحو التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بعد جهود دامت طويلاً. ويرى مراقبون أن إدارة بايدن فشلت في تحقيق نفس النتائج على مدى عام كامل، بينما استطاع ترامب الضغط على رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدعمه في التوصل إلى الاتفاق. وأرسل ترامب مبعوثًا خاصا إلى المنطقة، ستيف وتكوف، الذي لعب دورا محوريا في المفاوضات واللقاء الحاسم مع نتنياهو.
ستضع مرحلة ما بعد الاتفاق المنطقة أمام أسئلة كبيرة، أبرزها حول كيفية إدارة قطاع غزة، ومصير حركة حماس، وكيفية إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، وخاصة في ما يتعلق بإيران.
من أبرز القضايا التي ستحدد سياسة ترامب في الشرق الأوسط، هو الملف الإيراني. يشمل هذا الملف جزأين حاسمين: الأول هو البرنامج النووي الإيراني، الذي يراه ترامب خطًا أحمر. هناك تقارير تشير إلى أن ترامب اتفق مع نتنياهو على خطة مشتركة للتدخل العسكري إذا اقتربت إيران من امتلاك سلاح نووي، وهو أمر سيواجهه المجتمع الدولي بحزم.
من جهة أخرى، سيواجه ترامب استمرار الحرب في اليمن، وهي معركة بدأت في عهد بايدن ضد الحوثيين. في فترة رئاسته السابقة، صنف ترامب الحوثيين كمنظمة إرهابية، لكن إدارة بايدن أزالتهم من القائمة. مع عودته، قد يعيد ترامب تصنيف الحوثيين، ويتبنى أسلوبا عسكريا أكثر حسما لمواجهة التهديدات التي يشكلها هؤلاء على المنطقة، لا سيما في مضيق باب المندب.
ومن المتوقع ان تسعى سياسة ترامب إلى الضغط على إيران في الملف اللبناني. بعد انتخاب الرئيس اللبناني جوزاف عون وتعيين نواف سلام رئيسا للوزراء، اللذين لا يحظيان بتأييد حزب الله، قد يعمل ترامب على تعزيز التوجهات السياسية التي تحد من نفوذ الحزب .
مع عودة ترامب إلى السلطة، يبدو أن الشرق الأوسط سيشهد تحولات هامة في سياسات الولايات المتحدة تجاه القضايا الإقليمية. من وقف إطلاق النار في غزة إلى التصعيد المحتمل ضد إيران، مرورا بتغيير الاستراتيجيات في العراق واليمن، ستكون ولاية ترامب الثانية مليئة بالتحديات والمفاجآت.