المصنفة "إرهابية" من الأمم المتحدة والتي تعدّ إدلب معقلها الرئيس مع فصائل سورية أخرى. فقد تمكنت الفصائل خلال اليومين الماضيين من السيطرة على غالبية أحياء حلب والمطار الدولي، إضافة إلى عشرات المدن والقرى بإدلب وحماة .
وسعى الرئيس السوري للحصول على دعم حلفائه، ونقلت الرئاسة السورية عن الأسد تشديده خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بدمشق على "أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء في التصدي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج". وجدد عراقجي دعم بلاده "الحازم" للسلطات السورية. وبالموازاة أعلنت روسيا أن قواتها الجوية تساعد الجيش السوري في "صد" فصائل معارضة بمحافظات إدلب وحماة وحلب.
أسباب عديدة
وفي الحقيقة فان أسباب عديدة تقف وراء الهجوم المباغت لهذه الفصائل المسلحة الذي يعد الأعنف منذ سنوات لعل أهمها استغلال الفصائل الحرب الإسرائيلية على لبنان وانشغل حزب الله بالدفاع عن لبنان في معركة شرسة ومصيرية انتهت بوقف إطلاق النار مع الاحتلال الصهيوني . علاوة على انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية. ويبدو أنّ هذه الخلايا النائمة وظفت جيدا كل هذه الإحداثيات المستجدة لمحاولة تغيير الوضع في الميدان السوري لصالحها وصالح من يدعمها. إن ما يحصل هو محاولة إضعاف النظام السوري ستستفيد منه تل أبيب التي تحاول قطع الإمدادات العسكرية عن حزب الله والتي تصل حتما عبر الطرق والمنافذ السورية.
وللتذكير –فان الجيش السوري كان قد استعاد السيطرة على كامل مدينة حلب نهاية عام 2016 بدعم جوي روسي. وكان لإيران والمجموعات الموالية لها نفوذ واسع بمدينة حلب ومحيطها، قبل أن تخلي عددا من مواقعها تباعا خلال الأشهر الماضية.وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن الطيران السوري والروسي استهدف "تجمعا لقادة التنظيمات الإرهابية" بحلب "ما أدى إلى مقتل عشرات الإرهابيين"، كما استهدف "رتلا للتنظيمات الإرهابية مكونا من عشرات الآليات والعربات المحملة بالذخيرة والعتاد والعناصر الإرهابية بريف إدلب الشرقي".
مصالح تل أبيب
الهجوم المفاجئ على حلب والمناطق المجاورة جاء في وقت حساس بالنسبة للنظام السوري. فقد استغلّت الفصائل المسلحة انشغال حلفاء النظام السوري في قضايا أخرى، وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية على لبنان والحرب الأوكرانية. انشغال حزب الله في الدفاع عن لبنان، وهو حليف رئيسي للنظام السوري، وفّر فرصة كبيرة للفصائل المعارضة لتعزيز وجودها على الأرض. كما أن انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا قد دفعها إلى تقليص التركيز على النزاع السوري، مما جعل الجبهة السورية أكثر عرضة للهجمات.
من جهة أخرى، كانت القوات الجوية الروسية والسورية قد شنت عدة ضربات استهدفت تجمعات للفصائل المسلحة في حلب وإدلب وحماة، ما أسفر عن مقتل عشرات العناصر من هذه التنظيمات. ورغم هذه الضربات الجوية المكثفة، فإن الفصائل المسلحة تمكنت من فرض سيطرتها على مواقع إستراتيجية.
لكن رغم هذه التصريحات والدعم المعلن للأسد من روسيا وايران، يبقى السؤال عن قدرة هذه القوى على تحقيق استقرار دائم في المنطقة. التدخل الروسي والإيراني، الذي كان حاسما في العديد من المعارك السابقة، يواجه تحديات جديدة في ظل تغيرات جيوسياسية مستمرة. فمن جهة، تواجه روسيا أزمة حرب غير مسبوقة في أوكرانيا، مما يحد من قدرتها على توجيه كل مواردها إلى سوريا. ومن جهة أخرى، فإن إيران نفسها تخضع لضغوطات داخلية ودولية قد تؤثر على مدى التزامها بالدفاع عن النظام السوري.
فيما يتعلق بتداعيات الهجوم على الوضع الإقليمي، فإن إسرائيل تبدو المستفيد الأكبر من تراجع النفوذ السوري في مناطق حيوية مثل حلب وإدلب. لطالما اعتبرت تل أبيب أن وجود إيران والمجموعات المسلحة الموالية لها في سوريا يشكل تهديدا لأمنها القومي، خاصة فيما يتعلق بالإمدادات العسكرية التي تصل عبر الأراضي السورية إلى حزب الله في لبنان. ووفق مراقبين فإنّ الهجوم الحالي قد يسهم في إضعاف قدرة إيران على تأمين هذه الإمدادات.
من جهة أخرى، يعتبر الوضع في سوريا اختبارا حاسما لطموحات إيران الإقليمية. فإيران تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة عبر دعم النظام السوري، خاصة في المناطق الإستراتيجية مثل حلب. أي تراجع في هذا النفوذ قد يعيق قدرة طهران على ترسيخ سيطرتها على طرق الإمداد الحيوية إلى حزب الله ويحد من قدرتها على مواجهة الضغوط الإسرائيلية.
ويرى مراقبون أنّ الهجوم الأخير على حلب ومحيطها يمثل نقطة تحوّل في الصراع السوري، وهو ليس مجرد هجوم عسكري بل انعكاس لتقاطع مصالح إقليمية ودولية معقدة. ورغم الضربات الجوية الروسية والسورية المكثفة، فإن الوضع في شمال سوريا يظل هشّا، والفصائل المعارضة تستفيد من الفراغات الإستراتيجية التي أحدثتها الحرب الإسرائيلية والأزمة الأوكرانية.
إن الأيام المقبلة قد تشهد تصعيدا في المعارك مع تصاعد الدعم من الحلفاء للنظام السوري. ولكن يبقى السؤال الأبرز: هل سيستطيع النظام السوري، بدعم من حلفائه الإيرانيين والروس، استعادة المناطق التي خسرها في هذا الهجوم المفاجئ؟ أم أن الوضع العسكري سيظل متقلبا ويؤذن بمرحلة جديدة من الصراع طويل الأمد؟
روسيا تواصل دعم الأسد
في الأثناء أكد الكرملين أمس الإثنين أن روسيا "تواصل دعم" الرئيس السوري بشار الأسد بغرض "استقرار الأوضاع" عقب هجوم واسع شنّته هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة مسلّحة أتاح لها السيطرة على مناطق واسعة في الشمال أبرزها مدينة حلب وفق ''ا ف ب''.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحافيين "نواصل بالطبع دعم بشار الأسد"، مشيرا إلى أن موسكو ستبني موقفها استنادا "إلى ما هو ضروري من أجل استقرار الأوضاع".ولم يوضح الكرملين كيفية زيادة دعمه في ظل انشغال الجيش الروسي بهجومه على أوكرانيا.
وشدد الأسد خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على "أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء في التصدي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج وإفشال مخططاتها".وكانت القوات الحكومية استعادت السيطرة على كامل مدينة حلب نهاية عام 2016 بدعم جوي روسي، بعد معارك وجولات قصف وسنوات من الحصار للأحياء الشرقية فيها والتي شكلت معقلا للفصائل المعارضة منذ صيف 2012.
ويثير القتال غير المسبوق منذ 2020 والذي بدأ مؤخرا في سوريا، مخاوف من استئناف الأعمال العدائية على نطاق واسع في بلد مقسم بالفعل إلى عدة مناطق نفوذ، حيث تحظى الفصائل المعارضة بدعم من قوى إقليمية ودولية مختلفة.
أعلن الجيش الروسي أنه يساعد الجيش السوري في "صدّ" فصائل معارضة في ثلاث محافظات بشمال البلاد.وقال الجيش الروسي في بيان مقتضب على موقعه إن "الجيش العربي السوري، بمساعدة من القوات الجوية الروسية، يواصل عمليته الهادفة إلى صد العدوان الإرهابي في محافظات إدلب وحماة وحلب".
وقصفت القوات الجوية الروسية، إلى جانب القوات السورية، مواقع لفصائل معارضة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أكد الإثنين مقتل 11 مدنيا على الأقل، بينهم خمسة أطفال، في هذه الغارات.
تطورات عسكرية
في غضون ذلك، سيطرت فصائل معارضة موالية لتركيا أمس الأول الأحد على مدينة تل رفعت الإستراتيجية بشمال سوريا بعدما كانت بأيدي القوات الكردية، وذلك في هجوم منفصل عن ذاك الذي شنته هيئة تحرير الشام على مدينة حلب، وفق المرصد.
واتصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنظيره التركي هاكان فيدان الأحد لمناقشة "الحاجة إلى وقف التصعيد" بسوريا. وشدد بلينكن لفيدان على "ضرورة وقف التصعيد وحماية أرواح المدنيين والبنى التحتية"، وفق الخارجية الأمريكية.من جهته، قال فيدان لبلينكن إن تركيا "تعارض أي تطور من شأنه زيادة عدم الاستقرار بالمنطقة"، مضيفا "نحن ندعم خطوات ترمي إلى التهدئة بسوريا"، حسبما نقلت عنه الخارجية التركية.وأعربت ثلاث دول منخرطة بالنزاع السوري، روسيا وإيران حليفتا الأسد، وتركيا الداعمة لفصائل معارضة، عن قلقها إزاء "التطور الخطير" بسوريا.وأثار التصعيد الميداني ردود فعل إقليمية ودولية.
ودعت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة الأحد إلى "وقف التصعيد" في سوريا، حاضّةً في بيان مشترك على حماية المدنيين والبنية التحتية.وجاء في البيان الذي أصدرته الخارجية الأمريكية أن "التصعيد الحالي يؤكد الحاجة الملحة إلى حل سياسي للنزاع بقيادة سوريّة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254"، في إشارة إلى القرار الأممي لعام 2015 الذي أقرّ عملية السلام بسوريا.
وأكد الملك الأردني عبد الله الثاني في اتصال مع رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، "وقوف الأردن إلى جانب الأشقاء في سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها".ورغم تراجع حدة المعارك إلى حد كبير بالسنوات الماضية، إلا أن جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية للنزاع فشلت.
وحذّر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون من أن القتال الدائر "تترتب عليه عواقب وخيمة على السلام الإقليمي والدولي"، داعيا الأطراف المعنيين إلى "الانخراط السياسي العاجل والجاد.. لحقن الدماء والتركيز على الحل السياسي".
تشهد سوريا منذ 2011 نزاعا مدمرا أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص واستنزف الاقتصاد وأدى إلى تشريد وتهجير أكثر من نصف عدد سكانها.
قصف روسي لمناطق المعارضة
من جهتها قالت منظمة تطوعية للدفاع المدني تديرها المعارضة السورية وتعرف باسم الخوذ البيضاء صباح أمس الاثنين إن ما لا يقل عن 25 شخصا قتلوا في شمال غرب سوريا في غارات جوية نفذتها الحكومة السورية وروسيا.
وذكرت مصادر عسكرية أن طائرات مقاتلة روسية وسورية قصفت مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة في شمال البلاد أمس الأول، في حين تعهد الرئيس بشار الأسد بالقضاء على مسلحي المعارضة الذين اجتاحوا مدينة حلب.
وقال الجيش أيضا إنه استعاد السيطرة على عدة بلدات اجتاحتها المعارضة المسلحة في الأيام القلية الماضية. وقال سكان إن هجوما استهدف منطقة سكنية مزدحمة في وسط إدلب، وهي أكبر مدينة يسيطر عليها مسلحو المعارضة بالقرب من الحدود التركية حيث يعيش نحو أربعة ملايين شخص في خيام ومساكن مؤقتة.وذكر رجال الإنقاذ في مكان الواقعة أن ما لا يقل عن سبعة أشخاص قتلوا وأُصيب العشرات.
وقالت منظمة الخوذ البيضاء إن 10 أطفال كانوا ضمن قتلى الغارات الجوية في إدلب وحولها وعلى أهداف أخرى في أراض تسيطر عليها المعارضة بالقرب من حلب.وأضافت المنظمة في بيان على منصة إكس أن إجمالي عدد القتلى جراء الغارات السورية والروسية منذ 27 نوفمبر ارتفع إلى 56 بينهم 20 طفلا.
واستولت قوات المعارضة على محافظة إدلب بالكامل في الأيام القليلة الماضية، في أجرأ هجوم لها منذ سنوات خلال الحرب الأهلية إذ كان الموقف مجمدا إلى حد كبير على خطوط الجبهة منذ عام 2020.كما اجتاحت مدينة حلب، الواقعة شرقي إدلب، مساء الجمعة مما أجبر الجيش على إعادة الانتشار.
وفي تعليقات نشرتها وسائل الإعلام الرسمية، قال الأسد "الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها".وقال الجيش السوري إن العشرات من جنوده قتلوا في القتال في حلب.وذكر مدونون عسكريون روس أمس الأول أن موسكو أقالت سيرغي كيسيل، الجنرال المسؤول عن قواتها في سوريا.