في العرض الأول لفيلم "كاميكاز" لحسان المرزوقي أموات أحياء أم أحياء أموات ؟

يقول محمود درويش "للولادة وقت... وللموت وقت... "

وما بينهما يقف الإنسان متشبثا بالحياة بالرغم من قسوتها وعنادها وعواصفها... ومتوجسا من الموت. إلّا أنّ بطل فيلم "كاميكاز" يزهد في الحياة وينشد الموت حتى لا يكون ميتا في عداد الأحياء بين الآلاف من "المعذّبين في الأرض" !

يصف المخرج حسان المرزوقي فيلمه الجديد "كاميكاز" بأنّه أول فيلم من نوع "البسيكودراما" في تونس حيث لم تتعوّد شاشة السينما العربية على هذا النوع من الفن السابع الذي يجانب السرد الكلاسيكي للأحداث ليرافق الاختلال النفسي للشخصيات في مفارقة بين الظاهر والباطن.

المشرحة... والحياة البديلة !

منذ مشهد الاستهلال، اختار المخرج حسان المرزوقي أن يسبح ضدّ التيار. فعلى عكس أغلب المخرجين الذي يصافحون جمهورهم في المشهد الأول بمنظر عام مريح أو بمخاطبة الخيال أو بالتحريض على التشويق... جاء المشهد الافتتاحي لفيلم "كاميكاز" مغرقا في البشاعة والفظاعة إلى حدّ الإصابة بالغثيان بعد الاصطدام بمنظر جثة مشوهة وأشلاء بشرية متناثرة ملوثة بالدم !
لم يكن هذا المكان سوى مشرحة تثير الاشمئزاز والهلع، وحده بطل الفيلم كان يقف وسط الجثث مزهوا وكأنّ الموت لا يحوطه من كل جانب! فهل هو اعتياد على حتمية الموت وتعوّد على رؤية الجثث إلى حد انتفاء كل مبررات الفزع وكل مشاعر الذعر؟
شيئا فشيئا، ينكشف سر رجل المشرحة لم يكن "حكيم" سوى مريض نفسي في صدام وقطيعة مع الواقع بكل تمثلاته وفي كل تمظهراته... في المقابل يجد بطل الفيلم الراحة والاستقرار داخل مشرحته... ففي عيون وعقل "حكيم"، تتحوّل "المشرحة " إلى حياة أخرى، حياة بديلة يجد فيها السلام والأمان بعيدا عن العنف والظلم والخوف !

حب وموت وجنون

على امتداد حوالي نصف ساعة من الزمن، لم يكن من الممكن حشر شاشة "كاميكاز" بالحشو أو البطء في حركة الكاميرا... مما لاشك فيه أن طابع الفيلم الذي ينزع إلى التشويق والحركة اقتضى إيقاعات سريعة وحركات متسارعة توافق مع فكرة السيناريو وتماشى مع الموسيقى التصويرية. ما بين عالم المشرحة والعالم الخارجي، كان مشاهد الفيلم تراوح بين الانغلاق والانفتاح، العتمة والنور، الانقباض والانفراج... في اقتفاء لأثر البطل "حكيم" في الزمان والمكان. في المشرحة كان "حكيم" مرتاحا وهادئا وسط أمواته... وفي الخارج وبالرغم من نور الشمس وقبس الحياة، كان "حكيم" عصبيا ومتشنجا حتى وهو برفقة حبيبة قلبه التي تحاول أن تخلصه من اضطرابه النفسي لكنه يدعوها إلى الالتحاق به في عالمه الذي صنعه في المشرحة حيث لا تستقيم الحياة إلا في عالم الموت وفق نظره !
يبدو أنّ المخرج حسان المرزوقي قد اختار أن يسم فيلمه الجديد بعنوان "كاميكاز" في دلالة على البعد "الانتحاري" في شخصية بطله الذي اصطف إلى جانب الموت ضدّ الحياة. وقد يكون اختياره لاسم "حكيم" ليطلقه على شخصيته الرئيسية لإبراز التضارب بين الاسم والسمة، فالشخص المفترض أن يكون حكيما هو في الحقيقة مريضا نفسيا. لكن يحدث أن تنطق أفواه المجانين أحيانا بالحكمة!

من " بقشيش" إلى "كاميكاز" :
المخرج والبطل في وجهين جديدين

لم يكن من العبث اختيار الممثل المسرحي عبد المنعم شويات لأداء دور البطل "حكيم" في فيلم "كاميكاز". والأكيد أن المخرج حسان المرزوقي على يقين بأنّ هذا الممثل هو ورقة رابحة في مشروع الجديد سيما وقد خبر التعامل معه في فيلمه القصير الأوّل "بقشيش". لكن ما بين الفيلمين تحوّل كبير يتعلق بالمخرج وبالبطل على حد سواء!
من فيلم قصير اجتماعي لا يخلو من الكوميديا إلى فيلم معقد ومركب يدور في فلك البسيكودراما، يطالعنا كل من المخرج حسان المرزوقي والبطل عبد المنعم شويات بوجهين جديدين وبنفسين سينمائين مختلفين.
وكان فيلم «بقشيش» للمخرج حسان المرزوقي قد نهل من قصة «جنون أستاذ» للأسعد بن حسين موضوعه ومداراته... فاستحق العرض في مهرجان «كان» 2022.
وفي بطولة للفنان منعم شويات يتحدث "بقشيش" عن بطل يستفيق على حقيقة مرة بحجم الصدمة بعد أن وجد نفسه في ورطة أمام أعوان الأمن. فلقد ذهب في ظن الجميع أن بطل «بقشيش» يزاول مهنة القضاء بينما هو في الحقيقة أستاذ تعيلم ابتدائي. وذلك بسبب احتفاظه بشارة القضاء على بلور سيارته الأمامي والتي سبق وإن اشتراها من عند سيّدة تشتغل قاضية. فذهبت كل امتيازات القضاء هباء وضاعت كل المكاسب سدى !

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115