في منطقة الشرق الأوسط يثير قلق العالم بأسره، حيث تتسارع التطورات وتشتعل النيران في عدة جبهات متزامنة. ففي حين لم تفرغ مسامعنا بعد من أنباء المجازر في غزة، حتى تأتينا أخبار عن تصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، مما يجعلنا نتساءل عما إذا كان العد التنازلي قد بدأ لإشعال حرب جديدة.تزايد الاشتباكات في جنوب لبنان يجلب القلق الدولي، خاصة مع إعلانات عن هجمات جوية وتحذيرات من مخاطر التصعيد. القوات الدولية مثل "اليونيفيل" بدأت تعزز مواقعها في المنطقة، في حين تتواصل المساعي الدولية لتهدئة الوضع قبل أن تتفاقم الأزمة.
منذ تسعة أشهر ، أطلقت "إسرائيل" حملة عسكرية ظالمة في قطاع غزة، تهدف إلى إضعاف حركة "حماس" والقضاء على تهديداتها الأمنية. لكن مع مرور الوقت، بدأت الحقائق الميدانية تكشف عن فشل إستراتيجية "إسرائيل" ونجاح "حماس" في تعزيز قوتها ونفوذها. وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس في قطاع غزة أمس الإثنين أن حصيلة قتلى الحرب بين إسرائيل والحركة المستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر، ارتفعت إلى 37626 شهيدا على الأقل.وأشارت إلى أن إجمالي عدد المصابين في الحرب "بلغ 86098 إصابة منذ السابع من أكتوبر".
هذا وبدأت حملة "إسرائيل" بالتصريحات الدائمة عن تحقيق أهدافها العسكرية، خصوصا في منطقة رفح، ولكن سرعان ما بدأت الأصوات الداخلية والخارجية تشكك في صحة هذه التصريحات. كما بدأت الجماعات الدولية والمحلية توثق استمرار قوة "حماس" وسيطرتها على القطاع، وهو ما لم يتوقعه الخبراء العسكريون الإسرائيليون.
ووفق تقارير فقد أظهر الجناح العسكري لـ"حماس" قدرات مذهلة في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، مما جعل كثيرين يتساءلون عن فعالية الاستراتيجيات العسكرية لـ"إسرائيل". ليس فقط أن "حماس" استمرت في التحكم العسكري للمناطق الكبرى في القطاع، بل أيضا نجحت في استهداف قوات الاحتلال بنجاح، مما يبرز فشل "إسرائيل" في إحداث أضرار كبيرة للحركة.
الأبعاد السياسية والاقتصادية لهذه الحملة العسكرية بدأت تظهر، حيث أصبحت "إسرائيل" تواجه ضغوطا دولية متزايدة بسبب حصارها الشامل على القطاع والذي أثر سلبا على الحياة اليومية للفلسطينيين. كما بدأت التساؤلات تطال إستراتيجية الاحتلال في ضوء مواصلة "حماس" تعزيز قدراتها والحصول على دعم شعبي كبير.إذ لم تكن الخسائر البشرية الجسيمة التي تعرض لها "إسرائيل" في صفوف جنودها سوى علامة على مدى صمود "حماس" واستعدادها لمواجهة التحديات. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار التكتيكات الجديدة لـ"حماس" في شن هجمات متفرقة ضد القوات الإسرائيلية أظهرت فشل الاحتلال في منع هذه الهجمات بشكل فعال.
هذا وبدأت التساؤلات تطال قدرتها على إدارة الأزمة بفعالية بينما تواصل "إسرائيل" البحث عن مخرج للأزمة التي وقعت فيها. إذ باتت الضغوط الداخلية والدولية تزيد يوما بعد يوم، مما يجعل من الصعب على الحكومة الإسرائيلية تبرير استمرار حملتها في ظل عدم تحقيقها أهدافها المعلنة.ويرى مراقبون أن "إسرائيل" تجد نفسها في مأزق، حيث لم تحقق النتائج المرجوة من حملتها العسكرية في غزة، بل على العكس من ذلك، فشلت في تحقيق أهدافها وأثرت سلبا على صورتها الدولية وقدرتها على السيطرة على المواقف في المنطقة.
جهود دولية
وفي سياق متصل، تواصل الدبلوماسية العالمية جهودها لتفادي الصراعات الواسعة النطاق، مع تأكيدات من واشنطن ولندن وباريس على أهمية التسويات الدبلوماسية والحوارات المكثفة بين الأطراف المعنية. الهدف هو منع تكرار مأساة غزة في لبنان، مع التركيز على حقوق الإنسان وضرورة حماية المدنيين.تجدد القلق الدولي يعكس حالة من عدم اليقين والتوترات المتزايدة، فيما تبقى الآمال معلقة على قدرة الدبلوماسية العالمية على وقف العنف واستعادة الاستقرار في المنطقة المضطربة.
ميدانيا تشهد الحدود بين إسرائيل ولبنان تشهد تصاعدا في التوترات، جراء التهديدات المتبادلة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. وردّا على هذه التطورات، أعلن الجيش الإسرائيلي عن اعتماد خطط عملياتية لشن هجمات ضمن لبنان، مما يبرز خطورة التهديدات التي يرونها قادمة من حزب الله والتي تهدد أمن إسرائيل.كما أكد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد أن إسرائيل كانت على وشك اتخاذ قرار بشأن الذهاب إلى الحرب، محذرا من تدمير حزب الله في حال اندلاع صراع شامل، ومن تكبد لبنان ضربة قاسية.
لا يمثل الوضع الحالي على الحدود بين إسرائيل ولبنان مجرد تصعيد للتوترات الإقليمية، بل أثار أيضا قلقًا دوليا كبيرا. إذ تسارعت الجهود الدبلوماسية المكثفة للحد من التصعيد ، مع التأكيد على أهمية تجنب الانزلاق نحو تصعيد عسكري يمكن أن يكون كارثيا بالنسبة للمنطقة بأسرها.
''الهدنة التكتيكية''
وفي الأيام الأخيرة، شهد كيان الاحتلال الإسرائيلي حالة من الارتباك والتشتت بفعل التطورات العسكرية والسياسية المتسارعة في قطاع غزة، حيث أدى تصاعد الصراع إلى مفاجآت لا يمكن تجاهلها. من بين هذه التطورات، جاءت "الهدنة التكتيكية" المفاجئة التي أعلنها جيش الاحتلال الإسرائيلي في منطقة رفح، والتي كانت تحتوي على رسائل سياسية وعسكرية عميقة.
تعد هذه الهدنة خطوة إستراتيجية غير مسبوقة من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي عانى من تحديات عدة في مواجهة المقاومة الفلسطينية. وصفها البعض بأنها استجابة لنجاحات المقاومة في زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية وتكبيدها خسائر فادحة على مدار الأشهر الأخيرة.
إعلان هده الهدنة التكتيكية في رفح لم تكن مجرد وقف لإطلاق النار، بل كانت رسالة واضحة من المقاومة الفلسطينية بأنها تحتفظ بقدراتها العسكرية والتفاوضية، وأنها لن تتراجع عن مطالبها الأساسية في التسوية النهائية للنزاع. ومع ذلك، فإن الهدنة أيضا تمثل تحذيرا لإسرائيل بأن الصمود والتحدي من قبل المقاومة قد يؤدي إلى تكلفة عالية جدا على المدى الطويل، سواء في الخسائر البشرية أو الضربات الاقتصادية والسياسية.
وسبق أن أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيلزم "هدنة تكتيكية في الأنشطة العسكرية" يومياً في قسم من جنوب قطاع غزة خلال ساعات محددة من النهار للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني المحاصر والمدمّر والذي تهدّده المجاعة بعد ثمانية أشهر من الحرب.وجاء الإعلان عن هذا القرار غداة مقتل 11 جنديا إسرائيليا في القطاع، ثمانية منهم في انفجار قنبلة.
من جهتها رحبت الأمم المتحدة بهذا الإعلان، مطالبة بأن "يؤدي ذلك إلى إجراءات ملموسة اخرى" لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وفق ما صرح متحدث في جنيف وفق وكالة فرانس براس.وقال ينس ليرك المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (اوتشا) "نرحب بهذا الإعلان، ولكن بالتأكيد، لم يترجم هذا الأمر حتى الآن بمزيد من المساعدة للسكان المحتاجين" إليها. بينما قال الجيش الإسرائيلي في بيان إنّ هذه "الهدنة التكتيكية" هي لأهداف إنسانية ستطبق من الساعة 8:00 إلى الساعة 19:00 كل يوم وحتّى إشعار آخر" انطلاقاً من معبر كرم أبو سالم وحتى طريق صلاح الدين ومن ثم شمالا. وأضاف أنّه تمّ اتخاذ هذا القرار في سياق الجهود "لزيادة حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة"، إثر محادثات مع الأمم المتحدة ومنظمات أخرى.
تصعيد وتوتر
يشار إلى أن حزب الله دخل على خط المناوشات مع إسرائيل بعد فترة وجيزة من اندلاع عملية طوفان الأقصى . وفي وقت سابق من هذا الشهر، استهدفت الجماعة اللبنانية بلدات ومواقع عسكرية إسرائيلية بأكبر وابل من الصواريخ والطائرات المسيرة حتى الآن في إطار الأعمال القتالية بينهما، ردا على هجوم إسرائيلي تسبب في مقتل قائد كبير في حزب الله.
من جهته أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، أن بلاده تستعد لتغيير الوضع الراهن على الحدود مع لبنان، في إشارة إلى المواجهات المتواصلة مع "حزب الله" منذ 8 أكتوبر الماضي.وفي الأسابيع الأخيرة، زادت حدة التصعيد بين تل أبيب و"حزب الله"، وأعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء "المصادقة" على خطط عملياتية لهجوم واسع على لبنان.وقال نتنياهو، في مقابلة مع القناة "14" العبرية (خاصة): "لست مستعدا لإبقاء الوضع على حاله في شمال البلاد (الحدود مع لبنان)، ونقوم باستعدادات لذلك".واستدرك: "لا يمكنني الخوض في تفاصيل خططنا في الإعلام".
و"تضامنا مع غزة"، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها "حزب الله"، مع الجيش الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر الماضي قصفا يوميا، أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.وتسببت هذه المواجهات في نزوح أكثر من 62 ألف إسرائيلي من المستوطنات الحدودية، مقابل نزوح 90 ألف لبناني من البلدات الجنوبية، وفق إحصاء رسمي من الجانبين.وبخصوص الحرب على قطاع غزة، ادعى نتنياهو أن "مرحلة القتال الشديد في غزة على وشك الانتهاء، ولست مستعدا لوقف الحرب قبل القضاء على حماس".
غارة إسرائيلية على مركز للمساعدات في غزة
ميدانيا قال شهود فلسطينيون إن ثمانية فلسطينيين قتلوا أمس الاول الأحد في غارة جوية إسرائيلية على مقر للتدريب قرب مدينة غزة يستخدم لتوزيع المساعدات، بينما واصلت الدبابات الإسرائيلية توغلها في مدينة رفح بجنوب القطاع.
وقالت جولييت توما مديرة التواصل والإعلام في الأونروا إن الوكالة تدرس تفاصيل الهجوم الذي وردت تقارير بشأنه قبل تقديم مزيد من المعلومات.
وأضافت "منذ بداية الحرب، سجلنا أن ما يقرب من 190 من مبانينا قد أصيبت. وهذه هي الغالبية العظمى من مبانينا في غزة".وأضافت أن 193 من أعضاء فريق الأونروا قتلوا في الصراع.وذكرت وسائل إعلام تابعة لحماس أن بعد منتصف الليل بقليل، استهدفت غارة إسرائيلية عيادة طبية في مدينة غزة مما أسفر عن مقتل هاني الجعفراوي، مدير إدارة الإسعاف والطوارئ التابعة لوزارة الصحة في المدينة وأحد أفراد الطاقم الطبي. ولم تصدر إسرائيل أي تعليق حتى الآن.