لتبقى مصدرا للإلهام في الفن وللاتعاظ من العبر... وتفرض أسطورة "ميديا" حضورها بقوة باعتبار "أنّ ميديا واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للجدل المأساوي السيكولوجي في كل العصور في الدراما الإغريقية، كما صُنفت ضمن أفضل مئة عمل أدبي على مدار التاريخ من مكتبة بوكلوين العالمية". وتأتي مسرحية "ما بعد ميديا" للمخرج حسن جبيّو لتبحث في الأسطورة عن تقاطع ما بين الماضي والحاضر ...
في اختتام مهرجان مسرح الهواة بدار الثقافة بئر مشارڤة بزغوان في دورته الأولى، حصد مونودرام "ما بعد ميديا" تتويجا مضاعفا بفوز مخرجها حسن جبيوّ بجائزة أحسن إخراج وبنيل بطلتها مفاخر خصخوصي جائزة أفضل ممثلة. وتم إنجاز هذا العمل المسرحي بتشجيع من الديوان الخدمات الجامعية للشمال ومبيت فطومة بورڤيبة.
الحب حلا وسلاحا وسلاما
ضمن قراءة معاصرة وفي اقتباس عن مسرحية "ميديا" ليوربيدس، تحاول مونودرام "ما بعد ميديا" الانطلاق من نص عالمي لإعادة تجسيده بطريقة جديدة تتشابه مع طبيعة العصر على ركح المسرح الملحمي وفقا لرؤية إخراجية على منهج "قسطنطين ستانسلافسكي" أحد أبرز مؤسسي المسرح الحديث الذي أسس للأداء الصادق للممثل من خلال الغوص عميق في دواخل وأعماق الشخصيات. في مراوحة بين العربية الفصحى واللهجة العامية، قام المخرج وصاحب النص بـ"تونسة الأسطورة" مراعاة لمختلف شرائح الجمهور. وقد أصبحت أسطورة ميديا رمزا للشخصيات النسوية في الحضارة اليونانية، وهي المرأة التي يخافها الجميع بعد أن ضحّت بأهلها وقتلت أولادها ... في ملحمة يمتزج فيها السيكولوجي المثير بالسحري العجيب.
وفي لفتة تكريم للمرأة ككائن خيّر بطبعه يستحق التقدير والاحترام حتى يمنح بكل سخاء، يتطرق مونودرام "ما بعد ميديا" إلى واقع إنساني يعاني هشاشة في القيم وفي العواطف ممّا يعيق العيش في كنف السلم المشترك بسلام. وليس سوى الحب حلا وسلاحا للانتصار على كل العقد والأزمات النفسية والاجتماعية، وإنصافا للمرأة نصف المجتمع ومربية الأجيال، وإعلانا للإخاء وللسلام بين الناس والأمم...
تأتي مسرحية "ما بعد ميديا" في مرتبة المشروع المسرحي الخامس في مسيرة المخرج الشاب وخريج المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف حسن جبيّو بعد أن قام بإخراج أربع مسرحيات وهي : "وين وصلنا" و"تسعة" و"حلم" و"جنّات".