على خلفية الحرب على غزة، أزمة سياسية تندلع في فرنسا في مواجهة الدعم الطلابي والسياسي للفلسطينيين

اندلعت منذ يومين أزمة سياسية في فرنسا تمحورت حول اطلاق تتبع قضائي ضد شخصيتين من حزب "فرنسا الأبية"

الذي يتزعمه جون لوك ميلونشون على خلفية نشر الحزب بيانا اعتبره المدعي العام يدخل في نطاق "تمجيد الإرهاب" المحظور قانونيا في فرنسا. وتم استدعاء رئيسة الكتلة البرلمانية للحزب ماتيلدبانون والناشطة الفرنسية الفلسطينية ريما حسن للبحث.

وتزامنت تلك الخطوة مع توسع الحركة الطلابية في باريس، وبالخصوص في معهد العلوم السياسية، والتي تطالب الإدارة بشجب العدوان على غزة و المطالبة بوقف اطلاق النار مع إعادة النظر في العلاقات الأكاديمية مع جامعات الكيان الصهيوني. جاءت هذه الخطوة بعد أن استفحلت الحركة الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية وانتشرت في أكثر من 50 جامعة للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وتغيير السياسات تجاه تل أبيب.
وأمام عزم الطلبة المناصرين للقضية الفلسطينية"احتلال" ساحة معهد العلوم السياسية و إغلاق مدخله دخل الاحتجاج الطلابي في مواجهة مع مجموعة مضادة من طلبة المعهد وناشطين سياسيين من المدافعين على "إسرائيل". وفي مرحلة أولى تدخلت قوات الأمن لفض النزاع والحفاظ على التظاهر السلمي. وأمام عزم الطلبة قبلت إدارة المعهد تسريح الطلبة الذين قررت إحالتهم على مجلس التأديب و قبول التفاوض في مطالب الطلبة على أن يقف التحرك الطلابي.

بوادر أزمة سياسية
استدعاء ماتيلدبانون المعروفة بموقفها المتشدد في التنديد بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة واعتبارها نوعا من "التطهير العرقي" و"جرائم حرب" في حق الشعب الفلسطيني، شكل تحولا في السياسات العامة الفرنسية خاصة أن البلاد تشهد حملة انتخابية لتجديد البرلمان الأوروبي يشارك فيه حزب "فرنسا الأبية". وتشابكت، حسب المحللين في باريس، المصالح الحزبية الضيقة لأحزاب الأغلبية مع الموقف الرسمي الداعم لإسرائيل والتحرك الداعم للمقاومة الفلسطينية. وهو ما يفسر تحريك جهاز القضاء ضد حزب جون لوك ميلونشون الذي جعل من ملف غزة الركيزة الأساسية في حملته الإنتخابيةمن أجل التأثير على القرار الأوروبي باعتبار أن القضية الفلسطينية أصبحت على رأس القضايا الدولية وأن أوروبا لا بد أن تقف في صف الحرية والعدالة لا وراء صفوف الاحتلال الصهيوني.
من ناحية أخرى استدعاء المرشحة ريما حسن، وهي من أصل فلسطيني، من قبل المدعي العام واستنطاقها بتهمة "تمجيد الإرهاب" يعطي القضية بعدا "استراتيجيا" على خلفية الموقف الفرنسي من الص اع في غزة. ومن المعروف أن فرنسا وجل البلدان الأوروبية والغربية تصنف حماس في صف "الحركات الإرهابية" التي وجبت مقاومتها. أما حزب "فرنسا الأبية" اليساري فهو يعتبر أن المقاومين الفلسطينيين الذين شاركوا في هجوم 7 أكتوبر ينتمون إلى "المقاومة الفلسطينية" التي تقوم بعمليات لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتوجه الأحزاب السياسية الفرنسية انتقادات لحزب ميلونشون بأنه "يساري- إسلامي"، أي أنه متواطأ مع الاسلامين، في حين تقود الحكومة الفرنسية الحالية سياسة تبلورت في قانون "الإنفصال" الذي يعتبر الإسلاميين الفرنسيين، على اختلاف جذورهم العرقية، الذين ينشطون في الساحة السياسية الفرنسية انفصاليين يريدون تفريق الفرنسيين وتركيز شرخ حضاري داخل المجتمع يرفض "القيم الجمهورية". وتشكل ريما حسن، الناشطة السياسيةالتي تمثل الوجه "الفلسطيني" للازمة الداخلية أحسن راية بالنسبة للحكومة وللأحزاب المساندة للكيان الصهيوني لشجب النضال الفلسطيني الحالي بتعلة أن حركة حماس "حركة إسلامية إرهابية" مما يجعلهم يسلبون منها جنسيتها الفلسطينية وأحقيتها التاريخية، مثلها مثل الفصائل الفلسطينية الأخرى، في مقاومة الاستعمار الإسرائيلي بالوسائل المشروعة دوليا ومن بينها استخدام العنف في مقاومة الاحتلال كما تنص عليه القوانين الدولية.
محاولة لتوسيع رقعة المواجهة
وتوجهت ماتيلدبانونعند خروجها من الإستنطاق أمام المتظاهرين للمدعي العام بكلمات قاسية : "أتهم من استدعانا" للتحقيق مستخدمة المقولة الشهيرة "أتهم" للكاتب الفرنسي الشهير إيميل زولا في معركته في "قضية دريفوس" و أضافت: "أنتم تدنسون آليات مقاومة افرهابمن أجل اسكات أصوات السلام وتجريم الناشطين" من أجل الحق. ووجدت النائبة اليسارية مساندة من قبل زميلها في البرلمان ألكسي كوربيارالذي ندد ب"تحويل النقاش السياسي إلى عملية تفتيش قضائي" . أما زميله أدريان كوليه فاتهم الحكومة بعملية "تجريم الرأي السياسي".
في إطار هذه المعركة السياسية تعالت أصوات من داخل "هيئة فلسطين" الطلابية التي نظمت "احتلال" معهد العلوم السياسية بباريس بالمطالبة بتوسيع رقعة النضال الطلابي إلى كل الجهات. وأعلنت مجموعات من الطلبة في مدينة تولوز جنوب البلاد دخوله في الحركة للمطالبة بوقف إطلاق النار واتخاذ نفس الأساليب النضالية من أجل التأثير على الموقف الحكومي. واندلعت عمليات مماثلة في مبنى جامعة الصربون بحي "تولباك" اين أغلق باب الجامعة. وأعلنت نقابات الطلبة تنظيم يوم نضالي الجمعة 3 ماي في جامعة "نانتار" المشهورة بنضالاتها التاريخية منذ تحركات ماي 1968. وهي أولى التحركات التي يسعى مناضلو حزب "فرنسا الأبية" الالتحاق بها من أجل "تجميع القوى" من داخل الفضاء السياسي ومن المجتمع المدني في إطار تحريك الشارع الفرنسي حول القضية الفلسطينية التي اتخذها الحزب ركيزة أساسية في حملته الانتخابية لتجديد البرلمانالأوروبي في شهر جوان القادم.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115