على القطاع إلى 22.313 شهيد و 57.296 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي ، دخلت المنطقة مرحلة غير مسبوقة من التصعيد في عدّة جبهات سواء في غزة أو العراق أو لبنان أو إيران أو اليمن. وجاء التفجير الذي وقع في مدينة كرمان الإيرانية، يوم الأربعاء، ليزيد من تفجّر المشهد في المنطقة خصوصا لتزامنها مع ذكرى اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني وكذلك اغتيال صالح العاروري، القيادي في حركة حماس، خلال اجتماع في الضاحية الجنوبية ببيروت، معقل جماعة حزب الله المرتبطة بطهران.
ووقع تفجيران يشتبه أنهما وقعا بحقيبتين من القنابل عند مدخل غولزار شهداء كرمان، قرب مقبرة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ما أوقع 84 قتيلا على الأقل وفق ما أعلنته رسميا مواقع إيرانية أمس الخميس .
كما قتل عنصران بينهما قيادي عسكري في قصف أمريكي "بطائرة مسيّرة" استهدف مقرا للحشد الشعبي في بغداد .وأعلنت حركة النجباء وهي أحد أبرز فصائل الحشد الشعبي ومناهضة للوجود الأمريكي في العراق، في بيان عن مقتل "معاون قائد عمليات حزام بغداد بالحشد الشعبي الحاج مشتاق طالب السعيدي (ابو تقوى) ومرافقه، بقصف أمريكي على مقر الدعم اللوجستي في بغداد".
ويأتي هذا الهجوم في وقتٍ تعرّضت القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي لمكافحة ''داعش'' لأكثر من مئة هجوم بصواريخ وطائرات مسيّرة منذ منتصف أكتوبر، بعد أيام على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة.
ومع وجود سينريوهات توسع الحرب في المنطقة بعد مقتل العاروري وانفجارات إيران والقصف الذي استهدف مقر الحشد الشعبي في العراق ، يقوم وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن بجولة رابعة قادته يوم أمس الخميس إلى الشرق الأوسط لبحث الوضع والتطوارت الميدانية في عدة جبهات مختلفة بالإضافة إلى احتدام العدوان الإسرائيلي ضدّ قطاع غزة المحتل منذ 3 أشهر.
ووسط تزايد المخاوف من توسع رقعة الحرب خارج قطاع غزة، وذلك بعد اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري في جنوب بيروت وتفجيرين في مدينة كرمان بإيران وتفجير استهدف الحشد الشعبي في العراق، تقف المنطقة هذه الآونة على صفيح ساخن بدأت شرارته عقب الحرب التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر.
وبحسب ما قال الناطق باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، وأكد أن لا بلد "لديه مصلحة في حصول تصعيد"،واتهم مسؤولون إيرانيون إسرائيل والولايات المتحدة بالوقوف خلف اغتيال العاروري و"الاعتداء" قرب مقبرة الشهداء حيث يرقد سليماني، القائد السابق لفيلق القدس الموكل العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني.وتوعّد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي بـ"رد قاس" على الهجوم في كرمان.
من جانبه حذّر الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله إسرائيل من أي تصعيد بعد قتل العاروري الذي يشيع الخميس في مخيم شاتيلا في بيروت، مؤكدا "إذا فكر العدو أن يشن حربا على لبنان فسيكون قتالنا بلا سقوف وبلا قواعد وبلا حدود وبلا ضوابط، لسنا خائفين من الحرب ولا نخشاها".
موقف أمريكي
من جانبها أعربت الخارجية الأمريكية، عن قلقها إزاء استمرار خطر امتداد الحرب في غزة إلى جبهات أخرى، فيما أقر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بأن هجوم إسرائيل على غزة لن ينهي حركة "حماس"، مؤكدا أن واشنطن تؤمن بفكرة استمرار وجود الحركة بعد الحرب الحالية.
وقال بيان للخارجية الأمريكية،إن الولايات المتحدة لا تزال قلقة بشدة إزاء خطر امتداد صراع غزة لجبهات أخرى، وأن محور جهود الوزير أنتوني بلينكن تنصب على عدم رغبة واشنطن بعدم توسيع الصراع.
وعلق البيان على تفجيرات إيران التي وقعت في الذكرى الرابعة لمقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، مؤكدا عدم ضلوع واشنطن فيه بأي شكل، واعتبر أنه "لا سبب للاعتقاد بضلوع إسرائيل فيها".وشدد على أن واشنطن ستحافظ على الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.ونأى كيربي بواشنطن عن التورط في اغتيال القائد بحركة "حماس" صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت، قائلا: "لم تكن لدينا أي علاقة من قريب أو بعيد بالهجوم الذي وقع في بيروت"، لكنه أضاف مستدركا: "العاروري كان مصنفًا إرهابيًا، ولا ينبغي لأحد أن يبكي على رحيله''.وعن انفجارات إيران، أكد كيربي عدم تورط الولايات المتحدة بها، واعتبر أيضا أن إسرائيل غير متورطة فيها.
إسرائيل تلعب بالنار
من جهته وتعليقا على الوضع في غزة واغتيال العاروري وتبعات ذلك على المنطقة قال د.خيام الزعبي لـ''المغرب'' أنّ ''مستقبل غزة أصبح مطروحاً بل وحاضراً في الأجندات الراهنة ومحدداً ضمن مسارات الأحداث من حيث التخطيط وان بدت معالمه واضحة ومؤكدة للبعض (انتصارات المقاومة الفلسطينية) التي حققت إنجازات كبيرة منذ بداية الحرب على قطاع غزة للدفاع عن فلسطين التي كانت تتعرض للكثير من المؤامرات واستطاعت أن تحبطها جميعها''.
وتابع ''اليوم يتّخذ الإسرائيليون أشكالاً متعددة لتحقيق أهدافهم، فمن عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية إلى المجازر الجماعية التي باتت أوسمة تُعلّق على صدور القادة الإسرائيليين وجنودهم، وبمباركة الصمت العربي المخيف الذي نراه حالياً، حيث وصل الوضع إلى قمة الخزي والعار، وتجرد من كل معاني القيم والمبادئ الإنسانية'' ، مضيفا أن ''حالة الرعب والقلق التي يعيشها الاحتلال الإسرائيلي بفعل التقارير الكثيرة التي تتحدث عن الصواريخ الموجودة لدى المقاومة الفلسطينية ومداها البعيد والتي قد تودي بإسرائيل إلى الزوال، فإن عيني رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه شاخصة نحو قيادي المقاومة ، ومن جهتها تدرك إسرائيل بأنها لا تستطيع الصمود في حرب طويلة لافتقادها للعمق الاستراتيجي، ومن هنا تلجأ إسرائيل الى الاغتيالات المنظمة ،ولم تستهدف هذه الاغتيالات ذوي الرتب العسكرية فقط، إنما شملت الشخصيات القيادية ذات النفوذ خارج إطار المؤسسة العسكرية، وهو ما حصل من استهداف أعضاء أساسيين وبارزين في حركة حماس ” اغتيال القيادي صالح العاروري ” بواسطة مسيّرة إسرائيلية، استهدفت مكتباً تابعاً لحركة “حماس” في الضاحية الجنوبية لبيروت''.
مخاوف من توسع رقعة الصراع
في هذا الإطار ومنذ الإعلان عن جريمة الاغتيال، قال محدثنا أن إسرائيل وذيولها تعيش حالة متنامية من القلق والخشية غير المسبوقين، فالكيان الصهيوني متيقن من أن الرد آت لا محالة، ومفتقر في الوقت نفسه إلى معلومات حسية تقوده إلى تحديد مكان الرد وزمانه وحجمه وأسلوبه، الأمر الذي يطلق العنان لتقديرات وتنبؤات استخبارات واسعة، وهي في أغلبها تقديرات تشاؤمية مقلقة وفق تعبيره.
وتابع '' نتنياهو يلعب بالنار وجيش الاحتلال يتحمل نتيجة ما يرتكبه الآن، وإن للمقاومة الحق في الدفاع عن نفسها وشعبها، فالحرب القادمة لا محالة و ستكون مختلفة تماما، وستؤلم إسرائيل وعملائها وستغير هذه الحرب الكثير من النظريات والعقائد العسكرية في العالم، كما أنها ستدفع بالقوى الدولية لإعادة النظر في حقيقة موازين القوى وسبل قياسها، فالمقاومة الفلسطينية لن تفاجئ تل أبيب في حجم ترسانة صواريخها وتنوعها فحسب، بل ستفاجئها أيضا بأسلوبها وجهوزيتها القتالية على مستوى العدة والعديد ''.
أضاف الزعبي ''إن المتتبع للشأن السياسي والعسكري في فلسطين ليس بحاجة إلى قدرات عظيمة لإستشراف المصالح الإسرائيلية-الغربية في المنطقة بشكل عام، وفي غزة بشكل خاص، ولا نُجافي الحقيقة إذا قلنا بأن إسرائيل باتت على قناعة تامّة بأنّها أوهن وأعجز عن تحقيق طموحها في غزة، وهو السيطرة عليها، ومن هنا، باتت واشنطن تُخفّض من سقف رهاناتها لاستخدام إسرائيل كوسيلة لتحقيق مآربها في المنطقة ''.
حرب غزة وجبهة البحر الأحمر
يتزامن كل مايحصل في المنطقة أيضا مع تفجّر جبهة صراع جديدة في البحر الأحمر تهدّد بتفجر حرب إقليمية وذلك بعد أن صعّدت جماعة الحوثي هجماتها ضدّ سفن مرتبطة بالكيان الصهيوني هناك ، وما خلّفه ذلك من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية تشكيل تحالف دولي يضمّ عشرة بلدان للتصدّي لهذه الهجمات وسط مخاوف من تأثير هذه التطورات على حركة التجارة العالمية باعتبار أن 40 بالمائة منها تمرّ عبر مضيق باب المندب . وفيما يرى البعض أنّ توسيع الاحتلال ميدانيا لنطاق عملياته ليصل للجانب الجنوبي من قطاع غزة وباقي المدن الفلسطينية الأخرى، جعله يصطدم بتصعيد جديد من نوع آخر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ويتمثل في تنفيذ جماعة الحوثي اليمنية لتهديداتها باستهداف السفن الإسرائيلية أو التي لها علاقة بإسرائيل عبر احتجاز عدد جديد من السفن .
ووفق متابعين للمشهد من شأن هذا التصعيد أن يزيد من الضغوطات الميدانية على كيان الاحتلال وأيضا سيحمل تبعات كبرى على المنطقة خاصة وأن البحر الأحمر يحمل أهمية إستراتيجية بالغة للحركة الاقتصادية والتجارية العالمية . إذ يعدّ البحر الأحمر شريانا حيويا مهما في خريطة العالم، بوصفه حلقة الوصل الجغرافية ما بين المحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، وطريق عبور التجارة لقارات الشرق والغرب، وبوابة الحرمين الشريفين عبر موانئ المملكة التي تزخر بتراث حضاري وإنساني سجله التاريخ على امتداد سواحلها المطلة على البحر الأحمر بطول 1830 كيلومترا ... يشكل البحر الأحمر أهمية اقتصادية حيوية من خلال الموقع الجاذب وإسهامه بشكل كبير في دعم اقتصاديات الدول التي تحده، كما يلعب دورا مهما في حركة التجارة العالمية خصوصاً النفط والغاز، وتزداد هذه الأهمية مع ظهور مفهوم الاقتصاد الأزرق الذي يمكن تعريفه على أنه الاستخدام المستدام للموارد المائية وحماية البحار والمحيطات .
منذ بدء حرب غزة قبل3 أشهر أطلقت جماعة أنصار الله الحوثية أو جماعة الحوثي عددا من الصواريخ والمسيرات باتجاه إسرائيل نصرة لغزة وللفلسطينيين، وسط تساؤلات عن إمكانية أن يفتح هذا التصعيد جبهات قتال جديدة قد تضيق الخناق على الكيان الإسرائيلي وتساهم في وقف الحرب على القطاع المحتل. إذ سبق أن شنّت جماعة "أنصار الله" في اليمن هجمات بصواريخ وصلت بعضها إلى مدينة "'إيلات" الإسرائيلية ما أثار مخاوف كبرى داخل الكيان، فيما يظل القصف المتبادل على الحدود الجنوبية اللبنانية مع "حزب الله" مشتعلا، وسط التهديدات الإسرائيلية للبنان بمصير غزة.
ورغم الرفض الإسرائيلي المستمر إلى حدّ اللحظة لأية هدنة في غزة ، يرى البعض أنّ مايحصل وما يمكن أن ينجر عنه من توسع رقعة الصراع في البحر الأحمر ومضيق باب المندب الإستراتيجي خاصة وفي لبنان أيضا، قد يفجر حربا أكثر شمولية مع الإعلان عن تشكيل هذا التحالف الدولي البحري الذي لم تتضح إلى الآن ملامحه الكاملة.